أطفال اليوم يذوبون خوفا وهلعا من ظهور دابة لا يعرفونها، إنها من نوع آخر.. دابة كل همها هو تيتيم الأطفال وسفك دمائهم وربما أكلهم كما في طقس الفطيرة المقدسة
إن من غرائب وعجائب آخر الزمان والتي نقرؤها ونسمعها في أساطير الرواة هو ظهور الدابة، وقد ورد أن ظهور الدابة هو إيذان باقتراب الساعة.
دعونا نخرج من الإطار الغيبي لما له من محاذير تحترم وأسس تتبع ونفترض فرضا أن الدابة قد وجدت في عالمنا اليوم. فقد تعودنا أن لو الإبداعية هي المفجر الأساسي للمبدعين ولفكرهم حتى لو استعاروا فرضية يدعمون بها فكرهم وطرحهم الفكري لتصل في النهاية الرسالة إلى القارئ.
عالم الغرائب والعجائب كبير في عالمنا، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا الآية. وهذه الآية الشريفة تلزمنا بالوقوف على حدودنا الفكرية والعلمية فلا نتعدى على أطر معينة لا يعلمها إلا الله.
كنا ونحن أطفال أو صغار نذوب خوفاً وهلعاً عندما نسمع أحاديث المجالس تطوف حول الدابة وأوصافها وتوقع ظهورها في أي لحظة، وخيال الطفل بالطبع واسع وثري. أما أطفال اليوم فهم يذوبون خوفاً وهلعاً ليس من فرط الخيال كما كنا وإنما من ظهور دابة لا يعرفونها، إنها من نوع آخر.. دابة تحصد رؤوس الأطفال، دابة كل همها هو تيتيم الأطفال وسفك دمائهم وربما أكلهم كما في طقس الفطيرة المقدسة، دابة تشرد النساء وتهتك شرفهن فيبعن في سوق النخاسة والرقيق الأبيض مع الاعتذار للبيت الأبيض.. دابة تطيح بكل ما أثار وما أنهك الباحثين والمنظرين!! وبالأموال المهدرة في العالم حول حقوق المرأة والطفل. أي حقوق امرأة! وأي حقوق طفل! في ضوء هذه التحديات؟
نحن نعيش اليوم في زمن الهولة، وقد كنا نسمع عنها في عالم الأساطير اليونانية والإغريقية.. ذلك الكائن الغريب الذي يهجم على مدينة طيبة اليونانية فيطيح بالرؤوس ويترك خلفه الدمار والخراب.. وقد استلهمتها في إحدى مسرحياتي جوكاستا حين تشتد ضراوتها ولا يجد أهالي طيبة مخرجا لهم من دائرتها المهلكة فيدور حوار بين كريون الوزير وشعب طيبه ومنه:
كريون: يا شعب طيبة الطيب مهلاً نحن نعلم ما أصابكم وما أصابنا من أمر هذه الهولة التي ضربت كاهل كل رجل فيكم، نحن ندرك هذا تماما ولكن لايوس رجل طيب.
المرأة: إننا نرى أحجار جبال الأولمب تتطاير تباعاً خلف كل رجل تقذف به الهولة لعجزه عن حل لغزها المبهم.
كريون: نحن ندرك كل ذلك.. ولكن لايوس رجل طيب.
صولات: أين لا يوس.. النيران المندلعة من عين هذا الوحش الكاسر الذي يطلقها تفتت أسوار طيبة المنيعة..
كريون: بالصبر والتؤدة فأنتم تعلمون أن لايوس رجل طيب..
أصوات: إن عصف الرمال خلف أسوار طيبة يحجب ضوء الشمس أو يكاد من صولات هذا الوحش أين لايوس الطيب؟
إن الهولة أوالدابة التي نحن بصددها دابة مودرن.. دابة تتبع آخر صيحات أو كما يسميها اللبنانيون صرعات الموضة، دابة يومنا هذا تعزف على البيانو بمخالب تُسمع العالم معزوفة لا تنتهي من صراخ الشعوب في مشرق الشمس وفي مغربها، ولا نستثني تخثر الدماء على الأرصفة، حيث إن أصابع الديناميت ترقد تحت أصابع ذلك البيانو اللعين لتنشب مخالبها في لحوم الأطفال وفي أكباد الأمهات ثم تتابع خليفتها مشروعها الشرق أوسطي الجديد.
كم تمنيت أن يعاصر يوربيدس أو سوفوكل أو سرفانتس أو شكسبير هذه الظاهرة من دواب القرن الحادي والعشرين ليسطروا للعالم ملاحم تفوق ملاحمهم التي أرخ لها التاريخ وأرخت له.
إنها دابة لا تستحق أن يكتب اسمها في التاريخ سوى بالدم وسم الأفاعي حتى يرى العالم من بعدنا مدى بشاعتها وأنيابها المستطيلة من مغرب الشمس لمص دماء أطفال شرقها وتشريد نسائه، ربما أن إشكالية العنوسة لديها تركت عقدة نفسية ضد المرأة والطفل، تتبعها هولة أخرى أكثر أناقة، إلا أنه فقط تغيير في المظهر دون الجوهر ذي المرام الواحد والاتجاه الموروث منذ أواسط القرن الثامن عشر وحتى كوارث الفكر الماسوني.
إن هذه الهولات ليست كدواب الأرض التي نعرفها، وإنما دواب لديها هي ومن تنتمي إليه حساسية شديدة إبان تطور الصناعة والقوة في وطننا العربي، فالأولى اخترعت مشروع الشرق الأوسط الجديد ليحل محل مسمى الوطن العربي، إن جاز التعبير، ثم تفانت في نشر آلياته، والثانية تعمل بدون كلل على تنفيذه دونما أي اعتبار للإنسانية التي يعتنق زائفها، كما أن بهذه الدواب هلع رهيب من أي دولة تطلق بها كلمة نووي باستثناء إسرائيل، لأن امتلاكه قد يجعل هذه الدولة أو تلك في مصاف الدول المتقدمة وهذا قد لا يُرضي بالطبع، فتذهب إلى ما هو أبعد من الخيال في صناعة الفن والحروب في تفكيك هذه الدول، بل ومن داخلها حسب نظرية (سوس القمح منه وفيه) أو نظرية التفجير الذاتي لهذه الدولة أو تلك.
ومن هنا فقد تيقنا أن وطننا العربي لن يسمح له بالنهوض والتقدم لما تثيره هذه الهولة من رعب في نفوس أصحاب اتخاذ القرار، ولما لها من القدرة الفائقة على استخدام الطاقات البشرية لتصبح في أيديهم أشد خطورة من الطاقات النووية التي يخشونها ويتفانون في امتلاكها هم وأعوانهم دون غيرهم.
وكما ذكرت الأسطورة اليوناية (أوديب) لا تأتي الهولة ولا يهبط الوباء إلا بأخطاء البشرية وتغييب وعيهم.