لا تنهض الأوطان إلا على جثمان الطائفية، فالمجتمعات المتمدنة لا تشتغل بملاحقة نوايا الآخرين وعلاقتهم بخالقهم.. كل هذا الماضي الذي أشغل حاضرنا سوف يؤثر على مستقبلنا، وكل تلك الحروب المضنية وعلى مدى مئات السنوات لن تخلف إلا أجيالاً متوترة، وسنلام كثيراً إن نحن قدمنا لهم واقعاً مصاباً بالتصنيف.. أليس من المقلق حجم الكراهية المتبادلة التي يمارسها من نعتقد فيهم الوعي، والدراية، أو على الأقل عدم الجهل؟
كيف لنا أن نثق بمن يتسامح مع كل الأديان والمذاهب حتى الغريب منها هناك لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك مع من يختلفون عنه مذهبياً؟ أو أن نرتاح لمن يوزع الكراهية كهدايا حين يعتلي المنبر؟ ويصرف كميات كبيرة من العنصرية حين يكتب؟
المذهبية ليست ذنباً يحاكم به أحد دون آخر، هي إرث لا يستفاد من تبرئته أو تجريمه، والجهد الذي نخسره بالتربص بالآخرين والتحزب تاريخياً هو ضائع بالضرورة، فمن الوهم اعتقاد أن لأحدنا ـ مهما بلغت حجته ـ القدرة على تغيير مذهب ذي جذور لا يمكن لتحول أفراد عنه أو دخول آخرين فيه أن يغيره، والمناظرات القائمة على أساس من منا على خطأ، حتى نلغي وجوده حتى وإن - كما يعتقد البعض - أسهمت في توبة أحد الضالين أو انتكاسة أحد المهتدين، لا تلغي المشكلة الأعظم: وجود آخرين لا يؤمنون بما نؤمن به، وإننا - وحسب - نضيع أوقاتنا..
كان سيكون مفيداً لو وجهنا هذا الوقت كله لأن نتعايش، أن نعمل على أن نحيا في مكان خال من الصراع، محكوم بالمواطنة، والسلام أيضاً.