إن متلازمة الفضيلة بحد ذاتها سبّبت كثيرا من المشاكل لنا وللبشرية بكل أبعادها، لماذا؟ لأنه قد أعطي القائمون عليها أفكارا مسبقة، حول ما هو صحيح وما هو خاطئ، بينما في الحياة الأفكار الجاهزة لن تكون أبدية، لأن الحياة تستمر بالتغيّر والجريان، تماما كالنهر. من هنا أصبحنا عرضة لخطر المصابين بها على هذا النحو. الفضيلة المدبرة التي يرتديها أحدهم أو أحداهن مثل معطف موسمي، تماما مثله مثل الكثير من الأسماء والكلمات الجميلة والمقنعة بالدين، وبمعتقدات ونظريات وأفكار تكون نتيجتها هي: تحويل البشر إلى مجرمين وقساة وفصاميين، بل وسيكوباتيين على مجتمعهم وعلى أنفسهم، حتى إن البعض منهم لديه استعداد أن يقتل ويدمر ويشتم أناسا لم يقابلهم من قبل. أين الفضيلة هنا؟ وما معنى الفضيلة في وعيه ومفهومه؟ ما ذا تعني له مفاهيم مثل الخير والحق والرحمة؟
في كل يوم وكل مكان نلتقي نماذج من هؤلاء الفضلاء الذين يحاولون أن يكونوا بالفعل فضلاء أثناء ممارستهم طريقة الإرشاد الحركي واللفظي من خلال اعمل الفضيلة وتجنّب الرذيلة، ولكنها طريقة لن تطال إلا ما هو سطحي، فالفضيلة ليست نتاج مقايضات فرضت على البشر، لأنها ببساطة ليست شيئا ملموسا تقدمه للناس، بل وعي يطال قناعاتهم وقلوبهم، وإلا بغير هذه الطريقة تكون قد صنعتَ إنسانيةً بائسة مليئة بالمشاكل والمعاناة، لأنه حالما يكون الضمير مستيقظا فإنه لا يوجد أي حاجة لإخبارك ما الجيد والسيئ، ما الخير والشر. الفضيلة الحقيقية سوف تكون الحاكم من تلقاء ذاتها.
كيف يمكن أن يكون الإنسان فاضلا إذا لم يكن يعرف ذاته؟ كيف يمكن للإنسان أن يكون فاضلا إذا لم يكن يعرف منبع المحبة داخله؟
من أين له بالفضيلة؟.. كل ما يمكن أن يقوم به باسم الفضيلة المفروضة عليه هو أن يصبح متظاهرا، وهنا لا يوجد شيء أبشع من التظاهر. إنّ ربط الفضيلة بالثواب والعقاب من أكبر المتناقضات التي يعاني منها إنسان اليوم، لأن الفكرة بحد ذاتها تؤدي إلى إنسان مكبوت، والإنسان المكبوت كائن مريض نفسيا، يحاول القيام بأشياء لا يريد القيام بها. الفضيلة يجب أن تكون حالة سهلة ومسترخية تماما، وتنساب في ذات الإنسان ووعيه وضميره دون خوف أو طمع.
لن تكون الفضيلة وعمل الخير والأمر بالمعروف شيئا تقرر القيام به، لكنها ستكون شيئا طبيعيا تماما مثل الورود على شجرتها. شجرة الورد لا تقوم بضبط وتعذيب نفسها، ولا تتدرب على تطبيق الوصايا. شجرة الورد لا تقوم بأي شيء خارج عن طبيعتها، لهذا تمنحنا جمالا أخّاذا وعطرٍ يملأ الأرض والسماء، دون أي جهد أو عناء.. نعم ستصبح جميع أفعالك فاضلة وخيّرة دون أي عمل منك، تماما مثل الورود التي تنمو وتتفتح دون أي عناء، فالفضيلة الأصيلة ليست إلا أسلوب حياة وفكر وقيم إنسانية.