إذا ما عمدنا إلى استطلاع رأي الشباب عن المستقبل الذي يتطلعون إليه والطموحات التي يرغبون تحقيقها سنجد أن الارتباط والإنجاب لن يكونا من أول أولياتهم، وأن إتمام الدراسة والعمل في وظيفة مناسبة يسبقان الزواج بمراحل

بالأمس القريب، كان القلم سيف العالم والأديب والكاتب في الصحافة الورقية، وكان حاملوه قلة من حيث العدد، لكننا اليوم وبفضل الله نتابع معا فرسانا من الشباب يحملون القلم ويجيدون استخدامه، فلهم - بحمد الله سبحانه- من العقل وبعد النظر ما يثلج القلوب المستكينة، ويريح نفوسا جبلت على القلق وجلد الذات، فلندعم هؤلاء كما دعمنا قبلهم من مجتمع آمن بنا وفتح الأبواب لنا.
فنحن بحمد لله إذا ما عمدنا إلى النظر في طرح الشباب الواعي ندرك أننا بحول الله سنكون بأيد أمينة، وأن القضية التي علينا استيعابها تماما والتعامل معها بحذر هي طرق استيعاب هؤلاء الشباب، ليس في الأنشطة الرياضية والترفيهية التي يحاول بعضنا حصر اهتمامهم بها، والإكثار من مجالاتها وميادينها، بل هناك عدة مجالات يمكن استثمار طاقاتهم العقلية والبدنية فيها، بما يعود عليهم وعلينا بالفائدة المرجوة، كما أنه من الضرورة بمكان الاهتمام المباشر بتمكينهم من إنشاء أسر خاصة بهم، خاصة أن سن الزواج في تأخر ملحوظ، بدعوى البحث عن تحقيق الذات وضعف القدرة المالية، وإذا كان على الدولة دور أساسي في حل هذه المعضلة، فإن الدور الذي دائما ما نتطرق إليه على هون هو دور أولياء الأمور والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع بكافة أدواره، فابننا أصبح يتحرج من الأقدام على هذه الخطوة لعجزه عن الوفاء بمتطلبات الزواج، أو لخوفه من تبعاته المادية التي قد لا تنتهي إلا مع كفنه، والفتاة أصبحت تخشى من الإقدام على هذه الخطوة قبل إتمامها دراستها بل وحصولها على عمل مضمون يحفظ كرامتها، فهي تخشى من نتائج زواج هو بالنسبة لها غير محسوب العواقب، فرغبتها في احتضان طفل يوازيه خوفها عليه من طلاق أصبح السمة العامة لزواج هذه الأيام.
وإذا ما عمدنا لاستطلاع رأي الشباب عن المستقبل الذي يتطلعون إليه والطموحات التي يرغبون تحقيقها سنجد أن الارتباط والإنجاب لن يكونا من أول أولياتهم، وأن إتمام الدراسة والعمل في وظيفة مناسبة يسبقان الزواج بمراحل، بل إن الفتيات يعتقدن - وهن محقات في ذلك- بأنهن أثمن وأغلى من أن يخضعن لتجربة مهددة، أما الشاب فيؤمن -وهو محق أيضا فيما يذهب إليه- أن حلم الزواج بعيد المنال على الأقل في بداية العشرينات من عمره فهو سيكبل بمصاريف لا قبل له بها، بل إن المحظوظ اليوم من يجد عملا يمكنه من تحمل تبعات الزواج، والمصاريف التي أعنيها هنا لا تنحصر في المهر وما يستتبعه من مناسبات، بل في توفير السكن اليسير ومستلزمات المنزل من أثاث وأجهزة وعلاج، بل قد يصل الأمر إلى عجزه عن توفير الطعام والملبس، فالمؤشرات وعلى الدوام تصعد إلى أعلى، فعلى أيامنا كان للريال قيمة عالية جدا، واليوم نجد التجار يحاولون جاهدين إيهامنا بما يخالف الواقع، فيعمدون مع سبق الإصرار والترصد إلى خفض قيمته، فعلى سبيل المثال قد نسمع عن انخفاض سعر سلع معينة عالميا، إلا أن أسعارنا لا تتراجع إلى الوراء مهما كان هذا الانخفاض ملحوظا في الدولة المصدرة.. وغدا سيقبل علينا شهر رمضان المبارك، وهو أنموذج لارتفاع الأسعار بشكل جنوني، بل إن المعتمرين من خارج البلاد أكثر حظا منا نحن السعوديين فشركات السياحة الخارجية توفر العمرة بأسعار معقولة جدا وخدمات مناسبة، في حين نجد أن الأسعار المعتمدة لنا كمواطنين لا تتناسب والخدمات المعروضة، وعند الاعتراض نجدهم يقولون إنه الموسم.
إن اللافت للنظر أننا نعيش في دولة يسعى معظم شبابها إلى الانخراط في العمل في القطاع الحكومي الذي يتفوق وبمراحل على القطاع الخاص في تقديره للموظف، وفي تحقيقه للأمن الوظيفي الذي بدوره يحقق الأمن له ولأسرته، ويجدر بي هنا الإشارة إلى أني قابلت منذ أيام مواطنة ذكرت لي أنها جامعية، تخصص رياضيات وتعمل كمدرسة في مدرسة أهلية براتب (1700) ريال، فقلت: استقيلي وتقدمي لحافز، وهنا قد تحققين أمرين أولا: ضمان حصولك على عمل يقدر مؤهلاتك ويحسن تقييمها فحافز سيتكفل بالبحث عن عمل يناسب تخصصك، ثانيا ستنالين رعاية حكومية وهي أفضل مما تنالينه حاليا من تلك المدرسة، ثم كيف تمارس المدارس الخاصة هذا التعسف تجاه أبنائنا، وما موقفها من صندوق تنمية الموارد البشرية، الذي يسهم لمدة 24 شهراً بمبلغ إضافي للراتب الذي يتقاضاه المواطن الذين يعمل في القطاع الخاص، وبنسبة 75% من الراتب المحدد في عقد العمل وبما لا يتجاوز 2000 ريال شهريا، فقيل لي إن الوضع سيتحسن- بحول الله - عند تفعيل القرار مع شوال القادم.! ولكني وكما أعلم هذا القرار مطبق في الشركات الخاصة.
وفي نفس اليوم سمعت من مديرة إحدى المؤسسات الخاصة وهي غير سعودية كلاما صاغته بحيث تظهر المالكة بشكل فائق الإنسانية، فقالت المالكة إنسانة بمعنى الكلمة فهي تقدم رواتب شهرية لسيدات سعوديات وهن في بيوتهن لا يعملن، هنا توقفت.. فقد تذكرت أن الأنظمة المعتمدة في نظام العمل السعودي تحتسب عمل المرأة السعودية بعمل اثنين من المواطنين الذكور عند احتسابها نسبة السعودة في المنشآت الأهلية، ومن هنا أتمنى ألا تكون هذه السيدة قد تلاعبت بالقوانين لتنجو من الرقابة، أتمنى ألا تكون قد سجلت أسماء هؤلاء المواطنات على أنهن موظفات يعملن لديها لتحقيق السعودة، كما أتمنى ألا تكون قد قدمت لهن رواتب غير مناسبة خاصة أننا نعلم يقينا أن الجهات المعنية في الدولة تقدم قرابة 2000 ريال لكل موظف سعودي يعمل في شركة خاصة، هذا ما أكدته لي مديرة في إحدى الشركات الخاصة السيدة (سحر العيسى).
وأخيرا؛ شبابنا تائهون وأخشى أن يصبحوا ضائعين في خضم انشغالنا عنهم، وليتنا عند تقييم أوضاعهم نتذكر ما كنا فيه من دلال وحفاوة وكيف كانت المؤسسات الحكومية والخاصة تهرع إلينا وتتنافس لاستقطابنا.. ومن هنا أتقدم لكافة شبابنا بنين وبنات بالاعتذار إذا كنا قد خذلناهم أو تخلينا عن أحلامهم، أو ضممنا أيدينا عنهم وأقفلنا أبوابنا أمامهم، وإن كان الاعتذار في هذه الحالة لا يكفي.