كن مرناً يا صديقي.. فأفكارك التي تتطرف بالإيمان بها الآن، قد يأتي اليوم الذي لا تستطيع أن تصف كم كنت موهوماً حين اعتنقتها.. فكلما تعلقتَ بالأفكار زاد تسليمك بها وصَعُب عليك الخلاص منها، وتأكد أن الآخرين يعتقدون أنهم على حق وأنك على باطل كما تفعل أنت تماماً.. فالاختلاف سمة إنسانية، ولن تجد جماعة من البشر يشكلون نسخاً كاربونية من بعضهم إلا كان الجمود أبرز صفة توحدهم.. ولا تندهش، نعم هناك بمكان آخر من لا يؤمنون بما تعتقده أنت أساساً، ولا تتفاجأ حين تعلم أن كثيراً مما تعرفه زادك جهلاً، وكثيرا مما كنت تحسبه ضلالاً زادهم تنويراً.. فشكك بأنك ترتكب خطأ أهم من يقينك بأنك على صواب.. فالذين يعجزون عن انتقاد ما هم عليه يفعلون ذلك خوفاً من تحريك راكد اعتادوه حتى أصبح عرفاً، ويثير أسئلة يزعمون أنهم في غنى عنها حتى صارت ميتة، ليس هذا وحسب بل ويرغمونك على ألا ترى إلا ما يرون، وألا تشذ عما يتقفون عليه، فالموت مع الجماعة رحمة والانقياد مع القطيع أمان.
وبكل مرة هناك المنقذ الذي يعلقون عليه كل ما يخصهم، بما في ذلك عقولهم، ليستخدمها عوضاً عنهم، وهناك أبداً من هو مسؤول عن خريطة سير حياتهم، وترتيب الأجوبة المعلبة تجاه كل القضايا، هو المخلص من أن يتورط أحدهم بالتفكير، المتفاني في سبيل راحتهم من أن تشقى أنفسهم بالوعي، هم أفضل حالاً حين لا يصنعون شيئاً، ولديهم دائماً القدرة على ابتكار عدو حين تموت فكرتهم الواهنة، والتوجس بأن مؤامرة ما تحيط بهم حين يعجزون.. ورغم ذلك لديهم ذلك الوهم بأنهم أجود الكائنات التي سكنت المعمورة، لم؟ كيف؟ لا أحد يعرف..
ما أعرفه يا صديقي هو أن أحدهم قد كذب عليك فاستيقظ قبل أن يهرب بك، عنك.