المفاضلة لا بد أن تحصل بين خريجي وخريجات الثانوية العامة في المدينة أو المنطقة التي تخدمها الجامعة أو المؤسسة التعليمية، وما فاض بعد ذلك من مقاعد تتم المنافسة عليه من قبل خريجي المناطق الأخرى

انتهى الأسبوع الماضي موسم القبول بالجامعات السعودية، وبدأ موسم الإحباطات والامتعاضات من تخبط بعض نتائج القبول للطلبة والطالبات كتخصصات أو أماكن الجامعات. تطورت عملية القبول الجامعي في السنوات الأخيرة بتركيز كبير على الكم وليس الكيف، فنجد أن تزايد أعداد الجامعات والكليات والتخصصات في مناطق المملكة المختلفة لم يكن الحل لمشكلة قبول عدد من الطلبة والطالبات حسب رغباتهم – ونحن نتحدث عمن استوفى الشروط المطلوبة للتخصص – لتطفو على السطح نفس القصة في صفحات الصحف، قصة معاناة الطالب أو الطالبة أصحاب النسب المركبة العالية وقبولهم في تخصصات وأماكن خارج قائمة رغباتهم.
النقاش والحوار في القضية أعلاه لطالما دار في حلقة مفرغة منذ عدة سنوات، لأنه غالبا ما تمحور حول تزايد أعداد خريجي الثانوية العامة ومحاولة مواكبة هذا التزايد ورمي المسؤولية على خطط وزارتي التعليم العالي ووزارة التخطيط لاستيعاب هذه الأعداد.
تزايدت مباني الجامعات السعودية في مناطق عدة بالمملكة وما زالت المشكلة قائمة والحل غامض ومجهول. لم تنجح اللجان في الوصول إليه لتستمر دوامة أعداد الخريجين والخريجات كسبب رئيس في وضع أغلبهم في تخصصات لا يرغبون بها حتى مع وجود الجامعات الجديدة ورصد الميزانيات لها.
في كل عام يتم غض البصر عن مشكلة قبول الخريجين والخريجات في غير رغباتهم وقبولهم في جامعات تتطلب السفر عن أماكن سكنهم إلى أن تهدأ رياح الإحباط والشكاوى، ولكن هذا العام تم التفاعل من بعض المصادر المطلعة لصحيفة الوطن لتعلن أن التاريخ تم صنعه بوجود فائض في المقاعد الدراسية الجامعية لأول مرة في تاريخ المملكة، وأن ما تم شغله منها حسب ما أعلنت وزارة التعليم العالي حتى الأربعاء الماضي هو 5? فقط! هذا التصريح التأريخي هو دليل حي على وفرة إنتاج المقاعد الدراسية الجامعية وسوء توزيعها وإدارتها.
التصريح بوجود فائض مقاعد جامعية لهذا العام ونسبة إشغال متدنية وتزايد أعداد المحبطين من أصحاب النسب العالية، كلها أسباب تدين آلية القبول للجامعات السعودية. هذه الآلية التي تركز على النسب والأرقام وتغفل عن عامل مهم جدا ألا وهو مكان سكن المتقدمين للجامعات وتوزيعاتهم، فمن سوء التخطيط وضعف آلية القبول، على سبيل المثال، أن نرى من تم قبوله بالمفاضلة في جامعة بالرياض وهو خريج ثانوية عامة في المنطقة الشرقية، ونرى من تم قبوله في جامعة الملك سعود بالرياض في تخصص متوافر بجامعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو خريج ثانوية عامة في الخرج.
ما نشهده من ضرب بالخلاط وتوزيع عشوائي لا يأخذ بالاعتبار سوى التحصيل العلمي وإغفال للتوزيع السكاني والمجتمعي هو أحد الأسباب الرئيسية لشغل 5? فقط من المقاعد الجامعية، إضافة لمنهجية الاستعداد لاختبارات القدرات والتحصيلي المجحفة والتي لا يتسنى للجميع الحصول عليها إما لانعدام المراكز أو عدم القدرة على دفع رسومها.
المفاضلة لا بد أن تحصل بين خريجي وخريجات الثانوية العامة في المدينة أو المنطقة التي تخدمها الجامعة أو المؤسسة التعليمية وما فاض بعد ذلك من مقاعد تتم المنافسة عليه من قبل خريجي المناطق الأخرى والتي تتوافر لديهم نفس التخصصات. أما في حال عدم وجود التخصص المطلوب والمستوفاة شروطه، وهذا نادر في ظل تعدد الجامعات وتخصصاتها حول المملكة، حينها فقط تتم المنافسة بشكل مركزي.
آلية القبول الحالية في الجامعات السعودية هي أحد الأسباب الرئيسية في ضعف التنمية للمناطق الطرفية، فالطلبة والطالبات يتمركزون في الجامعات بالمدن الرئيسية، وبتواجدهم تتكاثر وتتمركز الخدمات وينتهي الحال بمبان جامعية مغلقة وبيئة خدمية ضعيفة بسبب النزوح الدراسي وما يليه من نزوح وظيفي.
هذه الآلية تشكل ثقلا وعبئا على الجامعات بسبب القادمين من خارج المدينة التي تنتمي إليها، فقوائم السكن الطلابي تطول وطلبة المدينة يقبعون في منازلهم بانتظار العام الذي يليه للتقديم مرة أخرى لتهدر سنوات شبابهم وينهشهم الفراغ.
تم تدشين المرحلة الأولى لمشاريع المدن الجامعية بمناطق المملكة المختلفة ووضع حجر الأساس للمرحلة الثانية قبل بضعة أشهر بتكلفة تجاوزت الـ 81 مليار ريال، ومن المؤسف حقا أن يتم تطبيق نفس آلية القبول الحالية فتصبح المدن الجامعية خاوية على عروشها كآثار شاهدة على ضعف تزامن التخطيط الجامعي العمراني مع التخطيط الإنساني المجتمعي.