محمد إبراهيم الحسيني

كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحًا حين جلس السيد آرثر كوين خلف مكتبه الضخم، محاطًا بأكوام من التقارير والأوراق كأنها أدلة تنتظر من يربط خيوطها. كان آرثر مديرًا عامًا لشركة مرموقة، عرف عنه الحسم والبصيرة، لكن اليوم بدت عليه ملامح الحيرة، وكأنه أمام لغز مستعصٍ.

آنسة إيما، تعالي فورًا ! قالها بصوتٍ عميق يقطعه توترٌ مكتوم.

ظهرت إيما، مساعدته المخلصة، حاملة دفتر ملاحظاتها الصغير، وعلى وجهها نظرة جاهزة لأي طارئ.

ما الأمر يا سيدي؟

لدينا مشكلة. مشروعنا الجديد، نظام التوصيل الذكي، يبدو واعدًا جدًا، لكن قسم التدقيق الداخلي يقول إنه مخالف للوائح الحالية. الفريق يُقسم بأن الفكرة ستحدث ثورة، لكن اللوائح تقف عائقًا. ماذا نفعل؟ هل نتجاهل القواعد، أم نُخاطر بفرصة الابتكار؟

كان الموقف أشبه بمتاهة فكرية، حيث تصطدم رغبة المدير بالمحافظة على القواعد.

ابتسمت إيما بحكمة وقالت: «القواعد مثل القضبان؛ هي تحمينا، لكنها أحيانًا تمنعنا من الطيران. لنتحقق: هل يمكن تعديل القضبان بدلًا من كسرها؟»

عقد آرثر اجتماعًا طارئًا جمع فيه فريق المشروع وقسم التدقيق الداخلي. جلس الجميع حول الطاولة الطويلة، كل طرف مستعد للدفاع عن قضيته.

لنبدأ بالمشروع، قال آرثر للفريق. «أقنعونا لماذا يجب أن نخاطر».

بلهفة شديدة، شرح قائد الفريق كيف سيقلل نظام التوصيل الذكي التكاليف ويزيد رضا العملاء، وكيف أن هذه الفرصة قد تكون نقطة تحول للشركة.

تدخل ممثل قسم التدقيق الداخلي قائلًا: «الفكرة مذهلة، لكن اللوائح ليست عبثية. إذا تجاهلناها، قد نخسر أكثر مما نربح».

وقف آرثر، يراقب الجميع بنظرات المحقق المتمرس. ثم قال: «الحقيقة دائمًا في التفاصيل. لن نختار بين القواعد أو الابتكار؛ سنبحث عن طريق ثالث يجمعهما».

بعد أيام من العمل المشترك، توصل الفريقان إلى حل وسط: إطلاق المشروع كتجربة محدودة تحت إشراف دقيق، مع تعديل مؤقت للسياسات لضمان التوافق مع اللوائح.

عندما أُطلق المشروع، أثبت نجاحه الكبير، وأصبح نموذجًا يُحتذى به عن كيفية تحقيق التوازن بين الجرأة والانضباط.

في نهاية اليوم، قال آرثر لإيما بابتسامة: «القيادة الحقيقية ليست في كسر القواعد أو التمسك بها بعناد، بل في معرفة كيف نُشكلها لتناسب رؤيتنا».

كان ذلك درسًا خالدًا للجميع: إن أعظم الابتكارات تولد عندما تجد الحلول مكانها بين الخطوط، مثل أي لغز محلول في عالم شرلوك هولمز.