عبدالله الزازان

تجتاز سوريا اليوم مرحلة دقيقة من تاريخها الحديث إلى واقع جديد، واضعة وراءها مخلفات مرحلة سابقة، والدخول لمرحلة جديدة بأفكار وطموحات وأهداف ومنطلقات وإشراقات، مكونة بذلك نموذجًا حضاريًا وإنسانيًا يعتمد على أساليب العصر في أفكاره وتقنياته وأدواته.

فسوريا اليوم شيء آخر مختلف، تحمل آمال وطموحات المستقبل، تتمثل فيها ملامح صورة الغد القادم فكرًا وتقنيةً وقوةً وحيويةً، عاقدة العزم على المضي في سبيل أحلام وآمال ساورت الأذهان، لمجتمع تميز بالنبوغ والتفكير الطليق والجرأة والإقدام في تنفيذ ما يلوح له. فلم تعد هنالك حواجز أو حدود أو قيود تستطيع أن تُجهض طموحات السوريين.

سوريا الجديدة بفكرها وآمالها وأمانيها وأحلامها وطموحاتها وطرق حياتها ونظمها السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية، تمتلك الشروط الموضوعية لتحول حضاري فريد يقوم على الوعي الفكري والنضج الحضاري والتوازن النوعي والتعدد الثقافي.

فالواقع السوري اليوم يعتبر مثالًا حيًا للتعايش السلمي والتقارب الاجتماعي بين مكونات المجتمع بمختلف ألوانه وأطيافه الدينية والسياسية والمذهبية والعرقية.

فالإنسان السوري مفطور على العدل والمساواة والتعايش والتسامح من منطلق القيم الإنسانية والكرامة المتساوية للبشر.

المجتمع المتعدد يفرض نمطًا معينًا من التعايش المشترك والاحترام المتبادل والانسجام الاجتماعي على قواعد الوحدة الوطنية.

فإستراتيجية الإدارة السورية الجديدة تقوم على تبني نهضة حضارية شاملة أصيلة ومعاصرة ومتجددة، وخلق نمط اجتماعي شامل يستوعب الجميع ويضمن تحديد العلاقات في إطار الوحدة الوطنية

فالمتغيرات التي تجري في الواقع تلعب دورًا رئيسًا في ترسيخ بنية سوريا الجديدة، لتنقلها إلى أدوار حضارية مستقبلية وحضور فاعل في المسرح الإقليمي والعالمي.

وإذا كان وضوح الرؤية أساس هذه المرحلة، فهو وضوح لن يكون إلا من خلال القطعية الكاملة مع الواقع القديم، وتصفية الحساب معه نهائيًا، وقطع الارتباط بأي طريق غير وطني، وكشف التناقضات التي تتخفى وراء الشعارات البراقة، وتفعيل حركة حوار واسعة وشاملة تسع الجميع بمختلف أطيافهم وشرائحهم الاجتماعية، تنبني على قيم الحرية والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعي والمساواة وحقوق الإنسان، فالحوار الوطني مبدأ أساسي لمستقبل الوحدة الوطنية السورية وضمان لعيش مشترك في الإطار المجتمعي الكبير، والسبيل الوحيد لعلاقات متوازنة تستند إلى المبادئ والقيم والأخلاق الإنسانية.

مشروع الحوار الوطني جزء من إستراتيجية متكاملة تدفع نحو إعادة صياغة علاقات حضارية وإنسانية بين مختلف مكونات المجتمع على أسس وضوابط واضحة وقاعدة وطنية.

لذلك فالخطاب السوري اليوم يقوم على إعلاء قيم الحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، ويقدم تعريفًا واضحًا للوطنية السورية بمعناها الحقيقي من منظور حضاري وإنساني، وواقعية سياسية وتعدد ثقافي وتوازن في المصالح لكي ينعم كل إنسان بحياة كريمة.

وإن كنت أرى أن تنظر سوريا في المستقبل إلى سياسة التحالفات والمحاور والصداقات للمحافظة على مركزها وسيادتها، وذلك لحفظ التوازن مع الدول، وهو وسيلة لضمان الدفاع والتفوق والسيادة. من أجل الحفاظ على مصالحها وسيادتها، مستعينة بحلفائها للوقوف معها في ظل عالم تفتك به الصراعات والأخطار والانقسامات الحادة، والضغط والابتزاز والمحاصرة المستمرة، وعدو مدمر متأهب جاثم خارج وداخل الحدود يبطش بالدول والبشر، العدوانية مكون بنيوي في عقله وسلوكه، وحروبه على مرأى من العالم.

وفي الوقت نفسه أمام ضغوطات إقليمية ودولية تحمل أجندات وعناوين مفتعلة كحماية الأقليات والحريات الدينية ومقاومة الإرهاب، كل هذا أمام قانون دولي صوري لا يكفل السلام على الأرض، وضعف في القواعد القانونية التي تحكم العلاقات الدولية، وغياب الأساس الأخلاقي في السياسة الدولية.

وهذا ما سبب النتائج الفظيعة للحروب، (فالحق والعدل في القضايا الدولية أو القضايا بين الدول لا يكفيان بذاتهما ما لم تصاحبهما قوة تقف إلى جوارهما. واليوم، القوة المجردة معيار للقبول بحكم الأمر الواقع، بعيدًا عما إذا كان من يحوزها محقًا أو غير محق)، حيث نرى منطق القوة يفعل فعله المدمر في حياة البشر والدول أمام مرأى من العالم.

واليوم كثير من الدول تربطها اتفاقيات ومعاهدات وتحالفات من أجل حفظ سيادتها ومصالحها، فبريطانيا، مثلًا، عقدت تحالفات ومعاهدات دولية كان آخرها معاهدة واشنطن عام 1922 وكندا واليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية والبرتغال والفلبين وأستراليا ونيوزيلندا ترتبط بمعاهدات وتحالفات ودول أخرى، وقد تكون المعاهدات والتحالفات سرية أو علنية.