بعد انتظار طويل، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية الخطر الكبير الذي يمكن أن تشكّله «ظاهرة الإسلاموفوبيا» على أمنها القومي، والتهديدات الجادة التي تنجم عنها، لذلك أعلن الرئيس جو بايدن أواخر الأسبوع الماضي عن إطلاق إستراتيجية طال انتظارها لمواجهة كراهية المسلمين والعرب التي ازدادت معدلاتها بصورة مقلقة عقب اندلاع الحرب في غزة.
ونظرة سريعة إلى الداخل الأمريكي توضح بجلاء وجود ممارسات غير مسؤولة لدى بعض دوائر اليمين المتطرف، ودعاة الشعبوية الذين يؤمنون بخرافة تفوق العرق الأبيض، ويجاهرون بكراهية المهاجرين واللاجئين، ويدعون إلى طردهم من الحياة العامة وإبعادهم إلى بلادهم، ومصادرة كافة الحقوق التي يكفلها لهم الدستور الأمريكي.
ولا خلاف بين الجميع أن آفة الإرهاب التي ابتلي بها العالم أجمع، ولم تسلم منها دولة من الدول، ودفع ثمنها الباهظ مئات الآلاف من الأبرياء، وتسببت في إراقة الدماء وضياع الموارد وانهيار الدول، هي نتيجة طبيعية لانتشار الكراهية والعنصرية وعدم القدرة على استيعاب المخالفين، سواء كان الاختلاف في الدين، أو العرق، أو اللون، أو اللغة.
وحذر الكثير من الخبراء والأكاديميين الأمريكيين من تجاهل السلطات لانتشار وباء الكراهية في المجتمع، مشيرين إلى أن الاعتداءات المرتبطة بالكراهية لم تعد مجرد حالات فردية، بل تمثل توجهًا بات أقرب إلى التآلف معه، ولم يعد يثير دهشة أحد أو استنكاره.
وتكمن خطورة الإسلاموفوبيا في أن لها وجهين: الأول منشأ الكراهية، والثاني ردة الفعل المتطرفة تجاهها، فكلاهما يحمل نذر المواجهة، ويعتبران تمهيدًا لأعمال إرهابية، لذلك فإن المحصلة النهائية لها هي العنف والعنف المضاد.
ونظرة فاحصة إلى الإستراتيجية التي أطلقها الرئيس بايدن الأسبوع الماضي، والتي جاءت في 64 صفحة توضح أنها -رغم التأخر في إصدارها طيلة الفترة الماضية- إلا أنها تحمل العديد من الإيجابيات في مقدمتها أنها لم تكتف فقط بتجريم الإسلاموفوبيا، بل نصت أيضا على تجريم كراهية العرب أو الاعتداء عليهم أو محاولة انتقاص حقوقهم، حيث نصّت على أن المسلمين والعرب «يستحقون العيش بكرامة، والتمتع بكل الحقوق إلى أقصى حدّ مثل جميع الأمريكيين، فالسياسات التي تؤدي إلى تمييز ضد مجتمعات بأكملها خاطئة، ولا تحمي سلامتنا».
لذلك فإن الوثيقة التي عملت عليها الإدارة الأمريكية، وتم الإعلان عنها قبل شهر تقريبًا من مغادرة بايدن لمنصبه تكتسب أهمية كبيرة، رغم الانتقادات الواسعة التي قوبلت بها بسبب التأخر في إعلانها، فهي تظل وثيقة رسمية يتوقع أن تعقبها إجراءات أخرى، مثل مراجعة وإلغاء قائمة المراقبة الاتحادية، وقائمة حظر الطيران التي تشمل العديد من الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة.
وربما يرى البعض أن الوثيقة لن تكون ملزمة لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي ستتولى مهامها رسميًا في 20 يناير المقبل، إلا أننا يجب أن نضع في اعتبارنا أن ترمب رغم دعوته في وقت سابق إلى حظر دخول مواطني العديد من الدول الإسلامية للولايات المتحدة، إلا أنه عدل عن تلك التوجهات بعد انتخابه، وظلت تلك الدعوات مجرد شعار انتخابي لم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، كما حصل الرئيس الأمريكي الجديد على دعم مقدر من العرب والمسلمين خلال حملته الانتخابية الأخيرة، وهو ما سيضعه في حساباته بكل تأكيد.
وانطلاقًا من دورها الريادي كدولة قائدة للعالمين العربي والإسلامي، فقد دعت المملكة في الكثير من المناسبات إلى التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا ومعاداة العرب، وطالبت بالتصدي لانتشار الكراهية ومحاسبة من يروجون لها، أيًا كانت صفاتهم ومكانتهم.
ولتحقيق هذه الغاية قامت بتنظيم العديد من المؤتمرات في كثير من المدن الأمريكية، تحدث فيها مسؤولون سعوديون عن المخاطر التي تشكلها الإسلاموفوبيا على أمن المجتمعات وسلامتها، كما دعت الأقليات المسلمة في الغرب إلى إلى الانصهار في مجتمعاتها البديلة والتفاعل مع محيطها وعدم الانعزال.
كما قامت السعودية بتأسيس مركز الملك عبدالله، تحت مظلة الأمم المتحدة ورصدت له ميزانيات ضخمة أدت إلى قيامه بدور كبير خلال السنوات الماضية، وتحقيق العديد من النجاحات اللافتة، حيث استطاع المركز إزالة الكثير من الانطباعات السالبة، التي ظلت عالقة في أذهان الأمريكيين عن الدين الإسلامي.
كما وقّعت على معظم الاتفاقيات الدولية الخاصة بمحاربة التمييز، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
لذلك فإن العالم الإسلامي يتطلع مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة إلى التصدي لظاهرة الكراهية باعتبارها قنبلة موقوتة تهدد السلم والأمن العالميين، ولن ينتج عنها سوى التطرف المضاد الذي يؤدي بدوره إلى تغذية تيارات العنف وتفشي الأعمال الإرهابية.
هذا الجهد لا ينبغي أن يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل هو جهد جماعي يجب أن تتشارك فيه كافة دول العالم المحبة للسلام، فالنجاحات التي حققها العالم في جهوده لاستئصال تنظيمات العنف، مثل القاعدة وداعش تبقى بلا جدوى، وعديمة الأثر إذا لم يصاحبها جهد حقيقي للتصدي لتيارات الكراهية والإقصاء، التي يتبناها اليمين الأوروبي المتطرف، الذي يستحق أعضاؤه أن يطلق عليهم «دواعش الغرب».
فهؤلاء هم الذين يمنحون مبررات البقاء للتنظيمات المتطرفة التي تتذرع بممارستهم العدوانية، وتجند البسطاء وأنصاف المتعلمين، بعد أن توهمهم أن تصرفاتها المرفوضة إنما هي دفاع عن الإسلام والمسلمين.
ويبقى الطريق واضحا إذا أردنا أن نعيش في سلام، ويكمن في التصدي لمن يزرعون مفاهيم الكراهية، ويدعون للإقصاء وعدم التسامح، فحصاد هؤلاء سيكون نارًا تقضي على الأخضر واليابس، وسيدخل العالم بسببهم في نفق مظلم لا يبدو في نهايته ضوء.
ونظرة سريعة إلى الداخل الأمريكي توضح بجلاء وجود ممارسات غير مسؤولة لدى بعض دوائر اليمين المتطرف، ودعاة الشعبوية الذين يؤمنون بخرافة تفوق العرق الأبيض، ويجاهرون بكراهية المهاجرين واللاجئين، ويدعون إلى طردهم من الحياة العامة وإبعادهم إلى بلادهم، ومصادرة كافة الحقوق التي يكفلها لهم الدستور الأمريكي.
ولا خلاف بين الجميع أن آفة الإرهاب التي ابتلي بها العالم أجمع، ولم تسلم منها دولة من الدول، ودفع ثمنها الباهظ مئات الآلاف من الأبرياء، وتسببت في إراقة الدماء وضياع الموارد وانهيار الدول، هي نتيجة طبيعية لانتشار الكراهية والعنصرية وعدم القدرة على استيعاب المخالفين، سواء كان الاختلاف في الدين، أو العرق، أو اللون، أو اللغة.
وحذر الكثير من الخبراء والأكاديميين الأمريكيين من تجاهل السلطات لانتشار وباء الكراهية في المجتمع، مشيرين إلى أن الاعتداءات المرتبطة بالكراهية لم تعد مجرد حالات فردية، بل تمثل توجهًا بات أقرب إلى التآلف معه، ولم يعد يثير دهشة أحد أو استنكاره.
وتكمن خطورة الإسلاموفوبيا في أن لها وجهين: الأول منشأ الكراهية، والثاني ردة الفعل المتطرفة تجاهها، فكلاهما يحمل نذر المواجهة، ويعتبران تمهيدًا لأعمال إرهابية، لذلك فإن المحصلة النهائية لها هي العنف والعنف المضاد.
ونظرة فاحصة إلى الإستراتيجية التي أطلقها الرئيس بايدن الأسبوع الماضي، والتي جاءت في 64 صفحة توضح أنها -رغم التأخر في إصدارها طيلة الفترة الماضية- إلا أنها تحمل العديد من الإيجابيات في مقدمتها أنها لم تكتف فقط بتجريم الإسلاموفوبيا، بل نصت أيضا على تجريم كراهية العرب أو الاعتداء عليهم أو محاولة انتقاص حقوقهم، حيث نصّت على أن المسلمين والعرب «يستحقون العيش بكرامة، والتمتع بكل الحقوق إلى أقصى حدّ مثل جميع الأمريكيين، فالسياسات التي تؤدي إلى تمييز ضد مجتمعات بأكملها خاطئة، ولا تحمي سلامتنا».
لذلك فإن الوثيقة التي عملت عليها الإدارة الأمريكية، وتم الإعلان عنها قبل شهر تقريبًا من مغادرة بايدن لمنصبه تكتسب أهمية كبيرة، رغم الانتقادات الواسعة التي قوبلت بها بسبب التأخر في إعلانها، فهي تظل وثيقة رسمية يتوقع أن تعقبها إجراءات أخرى، مثل مراجعة وإلغاء قائمة المراقبة الاتحادية، وقائمة حظر الطيران التي تشمل العديد من الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة.
وربما يرى البعض أن الوثيقة لن تكون ملزمة لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، التي ستتولى مهامها رسميًا في 20 يناير المقبل، إلا أننا يجب أن نضع في اعتبارنا أن ترمب رغم دعوته في وقت سابق إلى حظر دخول مواطني العديد من الدول الإسلامية للولايات المتحدة، إلا أنه عدل عن تلك التوجهات بعد انتخابه، وظلت تلك الدعوات مجرد شعار انتخابي لم يجد طريقه للتنفيذ على أرض الواقع، كما حصل الرئيس الأمريكي الجديد على دعم مقدر من العرب والمسلمين خلال حملته الانتخابية الأخيرة، وهو ما سيضعه في حساباته بكل تأكيد.
وانطلاقًا من دورها الريادي كدولة قائدة للعالمين العربي والإسلامي، فقد دعت المملكة في الكثير من المناسبات إلى التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا ومعاداة العرب، وطالبت بالتصدي لانتشار الكراهية ومحاسبة من يروجون لها، أيًا كانت صفاتهم ومكانتهم.
ولتحقيق هذه الغاية قامت بتنظيم العديد من المؤتمرات في كثير من المدن الأمريكية، تحدث فيها مسؤولون سعوديون عن المخاطر التي تشكلها الإسلاموفوبيا على أمن المجتمعات وسلامتها، كما دعت الأقليات المسلمة في الغرب إلى إلى الانصهار في مجتمعاتها البديلة والتفاعل مع محيطها وعدم الانعزال.
كما قامت السعودية بتأسيس مركز الملك عبدالله، تحت مظلة الأمم المتحدة ورصدت له ميزانيات ضخمة أدت إلى قيامه بدور كبير خلال السنوات الماضية، وتحقيق العديد من النجاحات اللافتة، حيث استطاع المركز إزالة الكثير من الانطباعات السالبة، التي ظلت عالقة في أذهان الأمريكيين عن الدين الإسلامي.
كما وقّعت على معظم الاتفاقيات الدولية الخاصة بمحاربة التمييز، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
لذلك فإن العالم الإسلامي يتطلع مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة إلى التصدي لظاهرة الكراهية باعتبارها قنبلة موقوتة تهدد السلم والأمن العالميين، ولن ينتج عنها سوى التطرف المضاد الذي يؤدي بدوره إلى تغذية تيارات العنف وتفشي الأعمال الإرهابية.
هذا الجهد لا ينبغي أن يقتصر على الولايات المتحدة فقط، بل هو جهد جماعي يجب أن تتشارك فيه كافة دول العالم المحبة للسلام، فالنجاحات التي حققها العالم في جهوده لاستئصال تنظيمات العنف، مثل القاعدة وداعش تبقى بلا جدوى، وعديمة الأثر إذا لم يصاحبها جهد حقيقي للتصدي لتيارات الكراهية والإقصاء، التي يتبناها اليمين الأوروبي المتطرف، الذي يستحق أعضاؤه أن يطلق عليهم «دواعش الغرب».
فهؤلاء هم الذين يمنحون مبررات البقاء للتنظيمات المتطرفة التي تتذرع بممارستهم العدوانية، وتجند البسطاء وأنصاف المتعلمين، بعد أن توهمهم أن تصرفاتها المرفوضة إنما هي دفاع عن الإسلام والمسلمين.
ويبقى الطريق واضحا إذا أردنا أن نعيش في سلام، ويكمن في التصدي لمن يزرعون مفاهيم الكراهية، ويدعون للإقصاء وعدم التسامح، فحصاد هؤلاء سيكون نارًا تقضي على الأخضر واليابس، وسيدخل العالم بسببهم في نفق مظلم لا يبدو في نهايته ضوء.