حين تشعر بالإحباط، أو بفقدان قيمتك الفردية فإنك تسعى للانضمام إلى مجموعة ما، تذوب معها وفيها كل الفوارق، ومجموعة أو جماعة تعتز بها، وتبدأ بتلقي تعاليمها وتعلم أبجدياتها، ومع مرور الوقت، يتشكل لديك رمز تبدأ بالدفاع عنه دفاعا مستميتا حتى لو لم تفهمه بشكل كامل. هذا ما يحدث في الصراعات، أو القضايا التي يثيرها شخص ما، ثم يغيب، ويبدأ المحبطون الذين يتبعون هذا الشخص باعتناق أفكاره والدفاع عنها، والتضحية لأجلها، دون تفكر فيها، أو قراءتها بشكل مستقل.
يبدأ الفرد بالدفاع المستميت عن أفكار وأحاديث شخص آخر، لا يختلف عنه في التكوين الجسدي، بشر مثله، لكنه القدر الذي ساق أحدهم لأن يقدم نفسه على أنه خبير أو محدث أو داعية أو عالم نفس جيد، والمتلقي قدره أن يكون متلقيا، يستقبل ثم يرسل، ومحور الإرسال عنده دفاع عن أفكار الغير، لا أفكاره، وعن أحاديثهم وتصرفاتهم، ولكنه مجبر حتى لا تهتز صورة البطل أو الرمز التي صنعها في مخيلته لأولئك الذين يتبعهم ويعدهم المثل الأعلى.
الكل يتحدث عن الاستقلالية الآن، الغالبية يقدمون أنفسهم على أنهم مستقلون فكريا، أو سياسيا. في الحقيقة أنهم عكس ذلك، فهم يجدون أنفسهم أفرادا في مجموعات متقوقعة على نفسها، تعتنق أفكارا متشابهة، لديها نفس الأحلام والطموحات، لكن لا أحد منهم يستطيع نقد مجموعته أو دائرته الضيقة، فهو يرى أن أي نقد لها هو تأييد لهجوم الآخرين أو نقدهم لهذه المجموعة، ومنه يبدأ بالدفاع الأعمى، ضاربا بالاستقلالية عرض الحائط، حتى لو علم أن مجموعته شر محض، فيبدأ بالتبرير لهذا الشر أنه شر لا بد منه.
كلما ضعف الفرد وزاد إحباطه، بحث عن مجموعة ينخرط فيها، تحميه على الأقل من الانهزامية، فيصبح حطبا لها، وتصبح قيمته شبه معدومة، أو بالأصح، هي من قيمة مجموعته.