الأحساء: عدنان الغزال

أثار استخدام المفردات «العامية» في الأعمال الروائية جدلًا واسعًا بين الروائيين السعوديين، حيث دعا بعضهم إلى تقليص استخدامها قدر المستطاع للحفاظ على توازن اللغة الصِّرفة من شوائب اللهجات واللغات الأخرى ضمن التصنيف المكتوب، فيما رأى آخرون أن كتابة الرواية باللهجة «المحكية» أو «الدارجة» ليس دلالة على ضعف العمل، بل رأوا الأمر على العكس، حيث شددوا على أن تلك اللهجة ترفع من شأن الرواية وتبرز قيمتها، حيث تعكس واقعيتها وقربها من القارئ.

مصطلحات معربة

يؤكد الروائي عبدالعزيز الجاسم، أن غالبية قراء «السرد»، يتفقون على ضرورة الالتزام بكتابة مفردات اللغة الفصحى في القصة العربية سواء الرواية أو القصة، وشتى تصنيفات القص، وقال «هذا من المندوب إليه واقعًا، لأننا نقدم أعمالًا، تصنَّف ضمن النتاج العربي في فهرسة الكتب، إلا أننا قد نستطيع تبرير استخدام بعضٍ من العاميّة بين طيات العمل السردي، وذلك للضرورة القصوى التي لا تدع بديلًا عنها بين صفحات العمل، فبعض المفردات أو الأمثال الشعبية لا تجد ما يقابلها في العربية الفصحى، بل إن بعض التراكيب العامية الاجتماعية لا يمكن إيصالها للقارئ إلا من خلال كتابتها بذات طريقة نطقها في العامية، ناهيك عن وجود بعض المصطلحات المعرّبة لسانًا عن لغات أخرى والتي لا يقابلها لفظ في العربية الفصحى كالتلفاز على سبيل المثال».

إضفاء الحيوية

يضيف الجاسم «يذهب بعض اللغويين إلى أن استخدام العامية في الحوار ضمن النص السردي، يمكن أن يضفي بعض الحيوية عليه، وهذا رأي قد يتفق كما يختلف فيه النقاد بحسب نظرتهم للنصوص السردية، ففي بعض الأحيان يستخدم القاص كلمة أو مصطلحًا أجنبيًا يقوم بكتابته بذات اللغة المحكي بها كالإنجليزية مثلا، إلا أن هذا الأمر، قد يقتصر على مفردة واحدة أو عبارةٍ يتيمة في العمل السردي ككل، وهذا وارد في عدة أعمال رغم أن بعض النقاد يعزو وجود هكذا زوائد لاستخدام المتأخرين من القاصّين أو الروائيين لها؛ بينما قد نجد مفردة نحو «جنتلمان» معرّبةً في أعمال رائدة مثل روايات الأديب نجيب محفوظ، كما نجد بعض الألفاظ العامية «النابية» بعضها في أعمال الأديب الراحل عبدالرحمن منيف، وهذان اسمان يقعان ضمن أسماء الرواد في مجال السرد العربي، ويعبّران عن مدارس كبيرة في زمنهما وحتى يومنا الحالي، لذا لا يمكن أن أصرّح برفضي الكلي لاستخدام اللهجة المحكية أو اللغة العامية في النصوص السردية».

المصداقية والجمال

يوضح ماجد العرجي، وهو باحث في الأدب والبلاغة والنقد، أن ظاهرة كتابة الرواية باللهجة المحكية أو الدارجة، ليست مجرد ميزة، بل هي جزء من اختيار فن الرواية، وقد سار على هذا النهج عدد من الأدباء العظام، مثل: نجيب محفوظ، الذي أبدع في رواياته بلغة دارجة، ويوسف إدريس، وغيرهم كثيرون.

ولفت إلى أن دائرة انتشار الرواية المكتوبة باللهجة المحكية، قد تكون محدودة، فاللهجات تختلف، كما هو الحال في الخليج العربي أو المغرب العربي، وهنا يظهر ذكاء المبدع في كيفية انتشار روايته، حيث يمزج بعض الكتّاب بين الفصحى والدارجة، مما يضفي على النص مزيدا من المصداقية والجمال في الحوار والتناسق.

الحوار اليومي

يبين الدكتور محمد الشمري «دكتوراه في الأدب والبلاغة والنقد»، أن إدخال اللهجة المحكية المحلية في الرواية لا يقلل من قيمتها، ولا يعني الضعف، موضحًا أن «اللهجة العامية، تقدم لغات الشخصيات، وتعزّز اللحظات الحوارية بواقعيتها، إضافة إلى أنها تصل إلى مجموعة كبيرة من شرائح المجتمع».

ويضيف «اللهجة المحكية يفهمها المثقف والعامي على حد سواء، واستخدامات اللهجة المحكية في الرواية تتخذ عدة أشكال منها الاستخدام الطفيف كأن يستخدم الروائي جملا متقطعة من الحوار بالعامية للدلالة على صدق الحوار، وحرارته، واستخدام الكتابة باللهجة العامية فيه مراعاة للمتلقي لكي يفهم القصة أو الحوار الذي يدور في الرواية، واللهجة العامية هي وجه من وجوه لغتنا العربية بل هي لغة الحوار اليومي التي تدور في الحياة العامة، فلا بأس من اللجوء إلى العامية في بعض مواقف الراوية أو القصة، إذا عجزت اللغة الفصحى عن سبر المنطوق وجس حرارته».

تعبيرية تواصلية

يشير الدكتور عبدالله البطيان «وكيل أدبي معتمد من هيئة الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة، وناشر، وروائي»، إلى أن «اللهجة المحكية، يتداولها الناس فيما بينهم؛ لنقل ما يعبرون عنه من أحوال، وأفعال، وكل محلة لها ما يحكيه أهلها من دوال لفظية تعبر عن طبيعتهم في التواصل، فمحاكاة الإنسان للطبيعة محاكاة بدائية، بما فيها من أصوات؛ تتعاطى بها المشاعر وأغراض الاحتياجات المتنوعة والمستخدمة كأداة للتواصل مع الآخرين، واللغة هي أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم، واللغة مرتبطة بالتفكير والفعل والتطبيق، ولها وظائف تعبيرية وتواصلية، ويمكننا أن نجمل القول في اللغة المحكية بثلاثة عناصر أساسية؛ فاللغة في أصلها نظام صوتي، وظاهرة اجتماعية، تؤدي وظيفة تعبيرية تواصلية».

تراث ثقافي

يضيف البطيان «الفصاحة هي البيان والإيضاح والإعراب، أما اللهجة، فهي طريقة من طرق الأداء في اللغة، فالعربية أصل تتشعب منه لهجات؛ كما ينطبق علينا في المملكة من لهجة الأحساء التي دخلت في التراث الثقافي غير المادي في اليونيسكو، كما يعرف الجميع لهجة أهل نجد ولهجة أهل الحجاز ولهجات أهل الجنوب وكذلك أهل الشمال، وهناك علم اللهجات الذي يدرس العوامل والظواهر المعنية بنشوء اللهجات واختلافها وتنوعها على الرغم من انبثاقها من لغة واحدة، واللغة العامية «العلوم اللغوية» هي اللغة المتداولة بين الناس».

مشاعر القراء

يكمل البطيان «كل ما ذكر يقودنا لطبيعة وسلوكية، اتخذت الأدب والثقافة سلوكًا، وأن ما يكتب من الروايات تحديدًا، أخذت بأدب وطبيعة أهلها الذين كتبوا بنخبويتهم، أما في الشياع، فلن يكون هناك رأي صادم بأن الناس يتناولون ما يحبون من محاكاة ورواء لذا يلتقط الناس اهتماماتهم وما يعجبهم بما يتقارب منهم والقريب من لغتهم (لهجتهم)، وفي وقتنا الحاضر أدب اللهجة الدارجة، محل اهتمام وعناية لما يحمله من موروث وقيم وعادات وسلوك اجتماعي يعبر عن الإنسانية العليا، فالكاتبون باللهجة المحكية، يلامسون مشاعر القراء، ويقتربون من أداة نقل دقة الإحساس وسمو الشعور والقدرة على التعبير وسهولة الوصف في الحبكة الفنية التي يتخذها الراوي في روايته».

ولفت إلى أنه «يتفق مع من يتمكن من أدواته الكتابية ويطوع سرديته بكل التفاصيل بقيمة إنسانية تحفظ حياة مجتمع بأسره سواء اتخذ الفصحى أو اللهجة المحلية ابنة الفصحى المعبرة عنها في ذوقه الأدبي».

مبررات أنصار الكتابة الروائية بالفصحى

ـ الفصحى تشكل العمود الفقري للأدب العربي.

ـ الحاجة للفصحى ضرورية في السرد.

ـ استخدامها يؤدي إلى تجنب خصوصية اللهجة المحكية التي قد لا توصل المعنى بالشكل المطلوب.

ـ المحلية مرهونة بالتواصل في فضائها الاجتماعي.

ـ الفصحى حاملة للمضمون واستخدام اللهجة المحكية يعد خروجا عن ذلك.

ـ استخدام اللهجة المحكية يعيق انتشار السرد عربيا.

ـ دائرة انتشار الرواية المكتوبة باللهجة المحكية قد تكون محدودة.

ـ من مسؤولية الرواة الحفاظ على الفصحى وتعزيز التمسك بها.

ـ المحكية لا تتلاءم مع الكتابة السردية على الرغم من ملاءمتها لكتابة الحوار بين الشخصيات.

حجج أنصار اللهجة المحكية

ـ تترجم الواقع كما هو.

ـ هي أداة التواصل في البيت والشارع والعمل.

ـ تعد لغة الحياة والكتابة بها تعبير عن هذه الحياة.

ـ استخدامها يثري المعجم اللغوي.

ـ المحكية مشتقة من الفصحى.

ـ تعد أصدق في التعبير عن اختلاف الناس فلغة البائع في السوق تختلف عن لغة المهندس، والكتابة بها تجعل السرد أقرب للناس.

ـ بعض التراكيب العامية الاجتماعية لا يمكن إيصالها للقارئ إلا من خلال كتابتها بذات طريقة نطقها.

ـ بعض المفردات أو الأمثال الشعبية لا تجد ما يقابلها في العربية الفصحى.

ـ اللهجة المحكية يفهمها المثقف والعامي على حد سواء.

ـ استخدام العامية في الحوار ضمن النص السردي يضفي بعض الحيوية عليه.

ـ كتّاب اللهجة المحكية يلامسون مشاعر القراء ويقتربون من أداة نقل دقة الإحساس وسهولة الوصف.

أدباء وشعراء كتبوا بالعامية أو استخدموها في أجزاء من أعمالهم

ـ نجيب محفوظ

ـ الطيب صالح

ـ يوسف إدريس

ـ إحسان عبدالقدوس

ـ عبدالرحمن منيف

ـ أحمد لطفي السيد

ـ بيرم التونسي

ـ محمود تيمور

ـ عبدالرحمن الأبنودي

ـ صلاح جاهين

ـ أحمد فؤاد نجم

ـ سيد حجاب