يطرأ في هذه الأوقات مصطلح السلفية المعاصرة عند بعض الكتاب وبعض المحللين السياسيين، ويختلفون في إطلاق هذا المصطلح، فبعضهم يُطلقه على المنفتحين في فتاواهم على أمور كانت من المحرمات عند السلفيين في زمنٍ ماض كالتبرج للمرأة، وإباحة اختلاطها بالرجال في العمل، أو كالربا في البنوك أو العمل الديمقراطي، وغير ذلك، مع تمسكهم بأصول السلفية في التوحيد.
وبعضهم يُطلق اللقب على من يقولون بوجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، ومناصحته سِراً، ما تيسر ذلك.
فتجد هاتين الفئتين تُسميان بالسلفية المعاصرة في سياق الذم وليس سياقاً مثنياً مادحاً؛ وسوف أقف مع هذا المصطلح قليلاً، لأقول:
إن السلفية في حقيقة أمرها معاصرة، أي أنها مواكبة للعصر، بمعنى أنها تسعى لأن يكون العصر على وفقها، وليس بمعنى أن تكون هي مُتَغيرة بِتَغَيُّر العصر، والمفهوم الآخر هو من أودى بكثير من الناس، وجعلهم لا يشعرون بانتمائهم لعصرهم إلا إن وافقوه ولو على حساب انتمائهم وسلفيتهم، فبدأوا بمخالفته قليلاً زاعمين بأنهم باقون على سلفيتهم، ثم بدأ التنازل القليل يتبعه تنازل قليل أيضا، ثم يمضي الرجل في سلك التنازلات حتى يصير بعيداً جداً، لا عن السلفية وحدها بل عن الإسلام الصحيح أيضاً، فتجدهم متعلقين بالشوائب لا تكاد ترى أحداً منهم بريئاً منها، ولا أعني الشوائب في العمل فتلك عفا الله عنا وعنهم لن ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى وهو خير عاصم، ولكن أعني الشوائب العقدية والفكرية، إضافة إلى التعالم، فهو نسأل الله السلامة يتعالم كي يسوِّغ ما هو عليه من نقائص.
فهذا النوع لا يمكن أن يكون سلفياً فضلاً عن أن يكون سلفياً معاصراً، وأحسن ما يوصف به أن يقال: هو ليبرالي متأسلم، أو أي كلمة على هذا النحو يمكن أن تعبر عنه، وأظنه لن يأباها، فمصطلح الليبرالية فاتن لمثل هؤلاء يتشفقونه ويترشفونه.
أما النمط الآخر الآخر، وهو نمط القائلين بطاعة ولي الأمر في المنشط والمكره، فكل السلفية الصحيحة على هذا المنهج، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي نرى فيه الفتن يميناً وشمالاً، ولا نرى هذه الفتن تأتي إلا من قِبَل الاختلاف على ولاة الأمور وشتمهم على المنابر وإثارة الناس عليهم، نعم إن السلفيين لا يقولون بتقديس ولاة الأمر، كما يزعمه هؤلاء المتربصون أو لنقل المتصيدون، لكنهم يرون أن نصيحتهم في السر هي الصحيحة إن وُجِد لها مجال، لأن النصيحة في العلن لن تكون موجهة لولي الأمر، بل هي موجهةُ لقائلها نفسه، إذ هو الذي سيكسب منها ملء ثيابه رياء وسمعة؛ ولو كانت سراً لحفظ هذا الناصح نفسه وبلغ ما يريد، فإن صَدَقَ في نيته فسوف يكون لها أثر يقيناً شاهده الناصح أو لم يُشاهده، فإن لم يكن لها أ ثر فليس على الناصح أكثر من أن يُبَلِّغ.
وعموماً فمن كان على نهج السلف رضي الله عنهم في التوحيد والعبادات، لكنه يخالف في طاعة ولي الأمر فمنتهى القول فيه: إنه سلفيٌ لديه نزعةٌ خارجية، وهذه النزعة تكبر وتكبر حتى يكون خارجياً صرفاً، إلا أنه ليس كخوارج الزمن الأول، الذين لا يكذبون، بل نمط جديد يناسب هذا العصر، فهم يكذبون ويخالفون المعتقد إذا جاءت الأمور على غير ما يشتهون، فهم حَرِيُّون بأن يوصفوا بالمُعَاصَرة، لأن الكذب والتغير من أبرز سِمَات العصر.
نعم هناك من السلفيين من غلب عليهم داء الحسد، عافانا الله وإياهم، فهم لا يرون رجلاً يبرز ويصبح مسموع الكلمة وله شيء من الصيت، ولو كان على المنهج نفسه، أي منهج السلف ووجوب السمع والطاعة في المنشط والمكره، إلا حاولوا إقامة الدنيا عليه، واتهامه وتنقصه، والإزراء به، وليس لهم حجة عليه إلا الكذب، وادِّعاء كونه ليس سلفياً أو إخوانياً أو صوفياً أو ما شاءوا من المفتريات، فهؤلاء موجودون بالفعل، لكنهم قليلون بالنسبة للسلفيين، ثم إنهم في الغالب الأعم ليسوا من طلبة العلم، وإنما هم من رعاع الناس وإن كانوا يتزيون بزي أهل العلم، أو يتكلمون على منوالهم؛ لكن السلفية ليست الوحيدة التي ينتمي إليها أمثال هؤلاء، بل إن من غير السلفيين من تكون الوقيعة في الناس بانتقاصهم والكذب عليهم خصيصةً من خصائص مذهبهم.
وكذلك هناك قوم من السلفيين لهم تصورات تخص بلادهم، فيظنون من خالف هذه التصورات مخالفاً للسلفية، كمن يعيش في بلد تقوم الدولة فيه على الأحزاب، فيُكَوِّنُ بعض السلفيين حزباً يجري على سالف وطنهم، يُقِرُّه النظام وتحميه الدولة، فيعترض عليهم الآخرون، وليس علينا في ذات هذا الاعتراض إذ قد يكون صحيحا، لكن الذي علينا به هو الإخراج من السلفية، فهذه الأمور لا تُخرج من السلفية حقيقة، لكن من السلفيين من يقولون بعدم سلفية إخوانهم الذين دخلوا في هذه الأحزاب، ولا شك أن هذا قول باطل قال على خلافه الشيخان ابن باز وابن عثيمين، اللذان أجازاً المشاركة السياسية في البلدان التي تتيح ذلك، إما لتقليص الشر أو لزيادة الخير، كما أن السلفية لا تُعارِض أن يأخذ الإنسان حقاً من حقوقه، فبما أن هذه الانتخابات وتلك الأحزاب أعطيت من قِبَل الدولة لجميع الشعب، فعلى ما يأخذ الجميع ما استقر في تلك البلاد على أنه حق، ويُحرم السلفيون منه! بل الصواب أن دخول السلفيين في هذه المجالات أمر صائب إذا كانوا بدخولهم يرفعون شراً، أو يوقعون خيراً، مع علم الجميع أن الانتخابات غير مشروعة، وأن الأمر منوط بأهل الحل والعقد، وشرح ذلك يطول.
وهؤلاء السلفيون الذين يرون من خالف تلك التصورات مخالفاً للسلفية لا يمثلون السلفية الحقة وهم من القلة بمكان، فلا يمكن مطلقاً أن تنسب السلفية إليهم ويعترض عليها بهم.
إذن فإن السلفية منهج اتباع وليست منهج ابتداع، وهي من السعة بحيث تشمل كل من يأبى اتباع غير منهج السلف في العقائد والعبادات، وهي من الضيق بحيث يكون من خالف منهج السلف في العقائد والعبادات خارجاً عنها.
وبعضهم يُطلق اللقب على من يقولون بوجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله، ومناصحته سِراً، ما تيسر ذلك.
فتجد هاتين الفئتين تُسميان بالسلفية المعاصرة في سياق الذم وليس سياقاً مثنياً مادحاً؛ وسوف أقف مع هذا المصطلح قليلاً، لأقول:
إن السلفية في حقيقة أمرها معاصرة، أي أنها مواكبة للعصر، بمعنى أنها تسعى لأن يكون العصر على وفقها، وليس بمعنى أن تكون هي مُتَغيرة بِتَغَيُّر العصر، والمفهوم الآخر هو من أودى بكثير من الناس، وجعلهم لا يشعرون بانتمائهم لعصرهم إلا إن وافقوه ولو على حساب انتمائهم وسلفيتهم، فبدأوا بمخالفته قليلاً زاعمين بأنهم باقون على سلفيتهم، ثم بدأ التنازل القليل يتبعه تنازل قليل أيضا، ثم يمضي الرجل في سلك التنازلات حتى يصير بعيداً جداً، لا عن السلفية وحدها بل عن الإسلام الصحيح أيضاً، فتجدهم متعلقين بالشوائب لا تكاد ترى أحداً منهم بريئاً منها، ولا أعني الشوائب في العمل فتلك عفا الله عنا وعنهم لن ينجو منها إلا من عصمه الله تعالى وهو خير عاصم، ولكن أعني الشوائب العقدية والفكرية، إضافة إلى التعالم، فهو نسأل الله السلامة يتعالم كي يسوِّغ ما هو عليه من نقائص.
فهذا النوع لا يمكن أن يكون سلفياً فضلاً عن أن يكون سلفياً معاصراً، وأحسن ما يوصف به أن يقال: هو ليبرالي متأسلم، أو أي كلمة على هذا النحو يمكن أن تعبر عنه، وأظنه لن يأباها، فمصطلح الليبرالية فاتن لمثل هؤلاء يتشفقونه ويترشفونه.
أما النمط الآخر الآخر، وهو نمط القائلين بطاعة ولي الأمر في المنشط والمكره، فكل السلفية الصحيحة على هذا المنهج، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي نرى فيه الفتن يميناً وشمالاً، ولا نرى هذه الفتن تأتي إلا من قِبَل الاختلاف على ولاة الأمور وشتمهم على المنابر وإثارة الناس عليهم، نعم إن السلفيين لا يقولون بتقديس ولاة الأمر، كما يزعمه هؤلاء المتربصون أو لنقل المتصيدون، لكنهم يرون أن نصيحتهم في السر هي الصحيحة إن وُجِد لها مجال، لأن النصيحة في العلن لن تكون موجهة لولي الأمر، بل هي موجهةُ لقائلها نفسه، إذ هو الذي سيكسب منها ملء ثيابه رياء وسمعة؛ ولو كانت سراً لحفظ هذا الناصح نفسه وبلغ ما يريد، فإن صَدَقَ في نيته فسوف يكون لها أثر يقيناً شاهده الناصح أو لم يُشاهده، فإن لم يكن لها أ ثر فليس على الناصح أكثر من أن يُبَلِّغ.
وعموماً فمن كان على نهج السلف رضي الله عنهم في التوحيد والعبادات، لكنه يخالف في طاعة ولي الأمر فمنتهى القول فيه: إنه سلفيٌ لديه نزعةٌ خارجية، وهذه النزعة تكبر وتكبر حتى يكون خارجياً صرفاً، إلا أنه ليس كخوارج الزمن الأول، الذين لا يكذبون، بل نمط جديد يناسب هذا العصر، فهم يكذبون ويخالفون المعتقد إذا جاءت الأمور على غير ما يشتهون، فهم حَرِيُّون بأن يوصفوا بالمُعَاصَرة، لأن الكذب والتغير من أبرز سِمَات العصر.
نعم هناك من السلفيين من غلب عليهم داء الحسد، عافانا الله وإياهم، فهم لا يرون رجلاً يبرز ويصبح مسموع الكلمة وله شيء من الصيت، ولو كان على المنهج نفسه، أي منهج السلف ووجوب السمع والطاعة في المنشط والمكره، إلا حاولوا إقامة الدنيا عليه، واتهامه وتنقصه، والإزراء به، وليس لهم حجة عليه إلا الكذب، وادِّعاء كونه ليس سلفياً أو إخوانياً أو صوفياً أو ما شاءوا من المفتريات، فهؤلاء موجودون بالفعل، لكنهم قليلون بالنسبة للسلفيين، ثم إنهم في الغالب الأعم ليسوا من طلبة العلم، وإنما هم من رعاع الناس وإن كانوا يتزيون بزي أهل العلم، أو يتكلمون على منوالهم؛ لكن السلفية ليست الوحيدة التي ينتمي إليها أمثال هؤلاء، بل إن من غير السلفيين من تكون الوقيعة في الناس بانتقاصهم والكذب عليهم خصيصةً من خصائص مذهبهم.
وكذلك هناك قوم من السلفيين لهم تصورات تخص بلادهم، فيظنون من خالف هذه التصورات مخالفاً للسلفية، كمن يعيش في بلد تقوم الدولة فيه على الأحزاب، فيُكَوِّنُ بعض السلفيين حزباً يجري على سالف وطنهم، يُقِرُّه النظام وتحميه الدولة، فيعترض عليهم الآخرون، وليس علينا في ذات هذا الاعتراض إذ قد يكون صحيحا، لكن الذي علينا به هو الإخراج من السلفية، فهذه الأمور لا تُخرج من السلفية حقيقة، لكن من السلفيين من يقولون بعدم سلفية إخوانهم الذين دخلوا في هذه الأحزاب، ولا شك أن هذا قول باطل قال على خلافه الشيخان ابن باز وابن عثيمين، اللذان أجازاً المشاركة السياسية في البلدان التي تتيح ذلك، إما لتقليص الشر أو لزيادة الخير، كما أن السلفية لا تُعارِض أن يأخذ الإنسان حقاً من حقوقه، فبما أن هذه الانتخابات وتلك الأحزاب أعطيت من قِبَل الدولة لجميع الشعب، فعلى ما يأخذ الجميع ما استقر في تلك البلاد على أنه حق، ويُحرم السلفيون منه! بل الصواب أن دخول السلفيين في هذه المجالات أمر صائب إذا كانوا بدخولهم يرفعون شراً، أو يوقعون خيراً، مع علم الجميع أن الانتخابات غير مشروعة، وأن الأمر منوط بأهل الحل والعقد، وشرح ذلك يطول.
وهؤلاء السلفيون الذين يرون من خالف تلك التصورات مخالفاً للسلفية لا يمثلون السلفية الحقة وهم من القلة بمكان، فلا يمكن مطلقاً أن تنسب السلفية إليهم ويعترض عليها بهم.
إذن فإن السلفية منهج اتباع وليست منهج ابتداع، وهي من السعة بحيث تشمل كل من يأبى اتباع غير منهج السلف في العقائد والعبادات، وهي من الضيق بحيث يكون من خالف منهج السلف في العقائد والعبادات خارجاً عنها.