عبدالحميد اليحيى

مواسم الترفيه تعيد الوطن حيث كانت «الرياض أنموذجًا» المملكة العربية السعودية بلد الاعتدال والبساطة على مدار أربعين عامًا. ففي عام 1979 حصل حدثٌ جلل عمّ منطقة الشرق الأوسط تمثل في سيطرة المتظاهرين الإيرانيين على الوزارات والمؤسسات السيادية ما أدّى لسقوط الشاه. وبدأ حلم تصدير الثورة للدول العربية. استغل أعداء الوطن والوطنية (البلد القُطري) متمثلين برجال دين وكهنوت ليستعدوا الشعوب ضدّ حكّامها كي تتسنى لهم الفرصة لترسيخ جذور فكرهم الدخيل على الوطن، والمجتمع، فيحكموا السيطرة على البلد برمّته تحت اسم «الصحوة». لم تجد الدولة بدًّا في حينها إلا أن تساير هؤلاء الذين ما بدأوا حتى أطلقوا على أنفسهم أوصافًا ونعوتًا لا تطلق إلا على العباقرة من الفلاسفة. فأحدهم علّامة، والآخر فضيلة الشيخ، والثالث العالم، ومجموعة منهم كانت أكثر تطرفًا في الأمر فأطلقوا على أنفسهم وجماعتهم العلماء الربانيون؛ وكأنّهم شقّوا عن صدور جماعتهم ليطّلعوا على بواطنها! وخلقوا انطباعًا لدى جمهور الشعب أن من لم يكن داخل هذه الدائرة فهو عالم سلطة، ومنافق لا يؤخذ منه، ولا يُعتدّ برأيه. حتى أن أحدهم أغلظ القول على فضيلة مفتي البلاد حينها الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز، ووصفه بالجبن، ومداراة السلطة على حساب الدين والعقيدة! مع أن هذا الشخص لم يكن يتجاوز الثلاثين من عمره وقتها! لقد مارسوا جميع أنواع التشبيح على كل من لم يكن من ضمن عباءتهم. لم يتركوا شيخًا، ولا عالمًا، ولا أديبًا، ولا شاعرًا، ولا كاتبًا، لم يمارسوا ضدّه صنوف التفسيق، والتبديع، والتخوين، والمروق من الملة، حتى وإن لم يصرحوا بذلك بشكل مباشر خوفًا من القضاء الذي لا يجرؤون على التطرق إليه بسوء لأنه يحكم بالشريعة. لا أعلم ما هو هذا البلد الذي يحتاج إلى صحوة إسلامية، وكأنّنا كنّا في سبات عن الدين، مع أن الدستور هو القرآن الكريم. والشريعة الإسلامية هي التي تطبّق في محاكمنا. فعن أي صحوة يتحدّثون! هذه الحالة المتأزمة التي خلقوها وأغرقوا الوطن في وحلها جعل منهم مسيطرين على كل شيء في البلد، فلقد أصاب الناس شيء من الكآبة، والإحباط المرير ممّا ولّد لديهم الرغبة بالانطواء، والركون بعيدًا عن الشأن العام. فرأينا أفرادا في التعليم العام والجامعات. جاملوا في إعطاء الدرجات ومضايقة المخالفين تحت ذريعة محاربة أعداء الله! كل هذا خلق لدى مبدعي الوطن رعبًا حقيقيًا على ذواتهم، وعلى أسرهم، وعلى أرزاقهم فلم يكونوا يتوانون عن محاربة المثقفين بوظائفهم التي يعتاشون منها؛ مما جعل شريحة كبيرة من كتّاب ومثقفيّ بلدنا ينزوونَ خلف بيوتهم إحباطًا وخذلانًا. أعرف روائيًا خرج من عباءتهم فلم يألوا إلًّا ولا ذمّةً في محاربته، حتى أنهم كانوا يفرغون شبابًا من عندهم كي يذهبوا للمكتبات ويطلبوا منهم عدم بيع كتب هذا الأديب! أصبح الجو العام متأزمًا وأفضل مكان للترفيه لدى الشعب هو المطار مغادرًا للخارج. خلقوا من البشر جمادات لا حس ولا شعور. الشعب أصبح حلمه السفر كي يعيش كإنسان طبيعي بضعة أسابيع، ومن ثمّ يعود لبلده وروتينه في الحياة وهكذا دوّامة لا تنتهي حتى تبدأ من جديد. المفاجأة السارّة هي الفكر الذي حمله ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حيث أعاد للشعب روحه المغتالة فأحيا الحياة في النفوس وبثّ السرور بين أبناء الشعب من خلال مواسم الترفيه البريء في أرجاء الوطن، فأصبحنا نرى أبناء جلدتنا من المطربين من أمثال راشد الماجد وعبدالمجيد عبدالله وفنان العرب محمد عبده، والذين لم نكن لنحلم بمشاهدتهم وهم يحلقون في سماء الفنّ والإبداع في وطنهم، إضافة إلى العديد من الفعاليات الشعبية والعالمية، وشباب الوطن وفتياته مسرورون سعيدون بالحياة الجديدة التي بثّت في بلدهم والتي كانوا يفتقدونها من قبل. الأمير محمد بن سلمان عمل على إزالة التأزم في الجو العام. وجعل من الشعب أفرادًا طبيعيين كغيرهم من الشعوب الأخرى، يحتفلون ويحضرون الحفلات والمهرجانات وغير ذلك. روحًا جديدة بثّت وكأنّ شعبًا جديدًا خُلقَ من جديد.