عبدالله مفرح عسيري

تُعد القراءة في مختلف مجالات العلوم والمعرفة من أعظم النعم التي تثري العقل البشري بجمال التعلم والتفكر والتدبر، مما يضيء نور العلم في دجى ظلام المجتمعات الإنسانية، ويوقظ بعض الأمم من سباتها الطويل، فالقراءة هي ثقافة وعلم وفكر وفن ووعي، وهي تنبع من خطط واستراتيجيات وتوجيهات صائبة يقف خلفها قادة الفكر والمربين والمسؤولين في قطاعات التعليم والثقافة والجهات المعنية.

لقد أدرك الغرب عبر القرون الماضية الأخيرة، أهمية القراءة وأنها مفتاح النهوض والإبداع والابتكار والتقدم، فتنافسوا في سباق السباحة الفكرية والغوص العميق في محيطات وبحار المجلدات والكتب العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والروايات والفنون، مما أطلق آفاق إبداع تفكيرهم إلى أقصى حدود المعرفة والعلوم والابتكارات والاكتشافات، هذا النشاط الفكري الساخن والمستمر والجذاب فرض على أنفسهم أمانة توجيه التزام أبنائهم والأجيال القادمة للسير على نفس النهج، وهذا ما نراه الآن واقعاً محسوساً من خلال لغة الأرقام والإحصائيات المنشورة عن نسب كثرة ساعات القراءة، وما نتج عن ذلك من غزارة الإنتاج الفكري والثقافي والصناعي والتقني والطبي والحضاري والتنموي والاقتصاد المعرفي الخ...

وعند دراسة الإحصائيات عبر التاريخ، نجد بأن هناك علاقة طردية بين نهضة الأمم المتقدمة، وارتفاع نسبة زيادة القراء من أبناء شعوبها، وعند الاطلاع عن أحصائيات القراءة في العالم العربي، فللأسف ان النتائج مخيبة للآمال، فقد ذكرت بعض التقارير الصحفية عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بأن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأميركي يقرأ 6 دقائق يوميًا، وقالت المنظمة إن معدل ما يقرأه الفرد في أرجاء العالم العربي سنويًا هو ربع صفحة فقط، بينما مؤسسة الفكر العربي أصدرت تقريرًا يفيد بأن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق سنويًا.

أن أسباب العزوف عن القراءة في العالم العربي متعددة، منها إخفاق الجهات المعنية كوزارات التعليم والثقافة في الاهتمام بهذا الجانب، وضعف الأسرة العربية في حث أبنائها على القراءة، وعدم توفر المكتبات العامة في الأحياء السكنية، وانشغال الكثير بوسائل التواصل الاجتماعي، وقد تكون هناك أسباب شخصية أو قناعات بعدم الفائدة من القراءة، أو الادعاء بعدم توفر الوقت الكافي.

لا شك أن الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية في العالم العربي يمكنها إيجاد المحفزات التي تدفع الأفراد للقراءة، ولكنها تحتاج إلى إمكانات مالية وبشرية وخطة استراتيجية متكاملة تشمل أهدافًا عامة يمكن تحقيقها، وتحتاج إلى دعاية مشوقة وتوجيهات مرنة ومشجعة.

أما المبادرات التي تطلق من فترة لأخرى من قبل المؤسسات المعنية أو الأفراد فهي مجهودات رائعة تسهم في رفع مستوى الوعي بأهمية القراءة، خاصة في المراحل الأولية من الطفولة.

الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن مؤشر المعرفة والإبداع الفكري يرتقي مع زيادة ورقي المعلومات المعرفية والعلمية المتنوعة المستقاة من شغف قراءة الكتب والمجلدات والمراجع المعتمدة والنافعة والمفيدة، والابتعاد الذكي عن دائرة مؤلفات معاول هدم الفكر الإنساني والأخلاقي والقيمي التي تستهدف التشويش أو التضليل او الإنحراف الفكري للفرد أو الأسرة أو المجتمع.

ختامًا، أتمنى من مؤسسات التعليم والثقافة والاعلام في بلادنا التنسيق مع الجهات المعنية الأخرى، في تقديم مبادرات نوعية تسهم في تحقيق جودة الحياة من خلال دعم كل ما يشجع ويحفز جميع فئات المجتمع وخصوصاً الأبناء على شغف القراءة والتعلم خارج المناهج التعليمية، وتهيئة الأجواء المناسبة لهم، وإنشاء مكتبات في كل مدرسة وفي الأحياء أن أمكن، وحث الطلاب والطالبات على استدامة القراءة وتخصيص حصص مكتبية لهم، وتحفيزهم، وعدم إغفال مكافأة المتفوقين منهم، ليصبح لدينا مجتمع فكري علمي تنموي يتسم بالحيوية المجتمعية التي هي مرتكز أساسي من مرتكزات رؤية الوطن 2030.