سعود بن عبدالمجيد

يشهد عالم الموسيقى اليوم تحولاً جذرياً بفضل التكنولوجيا، حيث أصبح للذكاء الاصطناعي دور محوري في إنتاج وتوزيع الموسيقى، مما يفتح آفاقاً واسعة للإبداع ويثير أيضاً التساؤلات حول أخلاقيات استخدامه وتأثيره على عواطف المستمعين. بفضل الخوارزميات المتطورة، يمكن الآن إنتاج موسيقى تمزج بين الإبداع التلقائي والتحليل الدقيق للبيانات، مما يوفر فرصاً غير مسبوقة للفنانين والموسيقيين.

الغباء الاصطناعي وإبداع الفن الحديث

من بين المفاهيم المثيرة للاهتمام في هذا المجال هو ما يُعرف بـ “الغباء الاصطناعي”، حيث يتم استغلال الأخطاء غير المقصودة التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي لإنتاج أعمال فنية جديدة. عندما تتعرض الخوارزميات لتحديات غير تقليدية، مثل تحويل إيقاع الطبول إلى صوت غيتار كهربائي، تنشأ تجارب موسيقية غير متوقعة تفتح للفنانين أبواباً للإبداع. هذه “الأخطاء” قد تُعتبر من قبيل الصدفة السعيدة التي تضيف عمقاً غير متوقع إلى القطع الموسيقية، مما يُثري التجربة السمعية ويثير فضول المستمعين.

التأثير العاطفي العميق للذكاء الاصطناعي

يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة فريدة على التأثير العاطفي، حيث يستخدم تقنيات دقيقة لتحليل الأنماط العاطفية وابتكار موسيقى تؤثر مباشرة على حالات المستمعين النفسية. تعتمد بعض التقنيات المتقدمة على ترددات ومقامات تُحفّز ردود فعل نفسية مثل الاسترخاء أو الحماس. قد يكون لهذه التقنيات استخدامات مفيدة في مجالات مثل العلاج النفسي، إلا أن استغلالها بشكل تجاري بحت قد يثير الحاجة لتنظيمات صارمة، خاصة إذا استُخدمت بشكل غير أخلاقي للتلاعب بالمشاعر أو توجيه السلوك.

أثر الآلات الناطقة في التراث الموسيقي التقليدي

يخشى بعض المختصين أن تسهم “الآلات الناطقة” في إضعاف التراث الموسيقي. في الماضي، كانت الموسيقى جزءاً من حياة الناس اليومية، حيث يجتمع الأصدقاء والعائلات للغناء والعزف. اليوم، ومع دخول الذكاء الاصطناعي، قد تفقد الموسيقى جزءاً من طابعها العفوي والثقافي، وتصبح أقرب إلى الإنتاج الآلي.

جمالية الفوضى وعيوب التكنولوجيا في الفن الحديث

يحتوي الفن الحديث على عناصر من الفوضى والتجريب التي تجعل العمل الفني أكثر جاذبية وعمقاً. تعكس الأخطاء الصوتية والتشوهات اللحظات التي تتجاوز قدرة التكنولوجيا على تسجيلها بوضوح. في أميركا، يعكس صوت مغني البلوز المتشقق إحساساً بالتحرر، بينما تنقل الأفلام البريطانية ذات الحبيبات الباهتة المشاهد إلى تجربة بصرية توحي بأن اللحظة المسجلة تتجاوز حدود التقنيات التقليدية.

التحديات الأخلاقية

يبقى مستقبل موسيقى الذكاء الاصطناعي واعداً ولكنه محفوف بالتحديات الأخلاقية. من الضروري إيجاد توازن بين استخدام هذه التقنيات المتقدمة والحفاظ على البعد الإنساني والعاطفي للموسيقى، لضمان أن تبقى وسيلة تعبير فنية تسهم في تطور الموسيقى بشكل إيجابي ومستدام.

* نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الموسيقى المهنية