وفلسطين الحبيبة قلب الأمة العربية النابض، هي اليوم مصدر أحزاننا وتفكيرنا، وهي الضائع الذي لنا، والضالة التي قريتك فيها، وذكرياتنا التاريخية فيها، ومسجدنا الأقصى أولى القبلتين فيها، أقف على أبواب المستقبل أتطلع إلى ما وراءه لعلّ بشيراً يأتي مع الصباح ومعه الخبر!!
معذرة إذا قاتلت إسرائيل على الورق وتعاظمتُ في معركة ليس فيها جريح ولا قتيل، هذا هو مصابنا وهو الذي عطل فعالية مئتي مليون عربي!! لا أريد أن أكدر صفوك بهذيان رجل مشى ثم أوقفته الحياة أمام حائط سميك وقالت له: أفي إمكانك أن تخترق هذا الحائط لترى ما وراءه؟ ظننت أن الأمر سهل فحاولت أن ألمسه بتجربة الأيام معي فضحكت مني وقالت: كم وقف واقفون في مكانك هذا فتساقطوا من الإعياء تحت حوافر أحصنة الدهر !!
لا أدري، يا عزيزي، كيف ترى، ويرى الآخرون من إخواننا أبناء الشعب الفلسطيني، مسارهم مع الأحداث؟ أقول لا أدري لأني في عزلة الصحراء بين جبلي أجا وسلمى، مقيم. عجزت أن أتحرّر من عصور مضت لألتحق بهذا العصر وأكون من أهله، فقدّرتُ أن معايشة العصر في قيمه الجديدة قد تحل مشاكلي الذاتية، مشاكل السأم والقلق فسعيتُ إليها.
وعلى مقعد الدرس أوقفني فيلسوف هذا العصر وأخذ يملي علي فلسفته ونظرته إلى الحياة، حاولت أن أجادله بزهير بن أبي سلمى وامرئ القيس والمتنبي وقيس وليلى وجميل بثينة، فغضب مني وقال: أجاهلية دفنها العصر في قبر لا بعث لها منه؟ فبادلته غضباً بغضب، فلم يمهلني إلى أن أعتذر له، بل طردني من الدرس وقال: لا تعد إلي، فأنت من جيل انقرض ويبست أضلاعه على قيم الصحراء وعلى عروبة طعامها الضب ولحم الجمل...
فإذا جاء تفكيري من نوع غذائي قد لا تهضمه لأنه تفكير شاخ وضعف أن يصعد بك إلى مكان يستشرف القوى في أشرس الظروف وأكثرها انفعالاً، لهذا وقبل أن تفكروا وتستشرفوا لأنفسكم الطريق الوعرة لا تمشوا على أقدامكم امشوا إليها وفيها وعليها على جماجمكم، تحملكم إرادة قادرة على الانضباط، حافظوا على هذه الإرادة، فإنكم من دونها قد تفقدون السارية التي تحمل الأثقال وبمقدار معرفتكم ما في الطريق من حفر أو صخور تستطيعون السير. فقريتك التي تحن إليها حنين أم الحوار إلى حوارها المذبوح، لا يوصلك إليها غير أن تكون خطاك خطى مدروسة وعاقلة، فأنت لك أمة ولك تاريخ ولك حق شرعي في قريتك، هذه الأمة التي أنت منها، حذار أن تدخل الصراع معها لا تستنفد قواك في جدل، مرتبته عتبة الوقوف عليها، والطريق طويل، مُضنٍ. قد تضنّ عليك الأيام في سفرك بصباح ضنّ على رجل قبلك فقال:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
إن كفاح الشعب الفلسطيني البطل وتضحياته لا أحد ينكرها عليه داخل فلسطين وخارجها، فالقضية حتى الآن كما أتصور لم يحملها أهلها من المحيط إلى الخليج فهي ليست قضيتكم وحدكم، وليست فراغاً في التاريخ تبحث عن شعار هنا أو هناك، أو عن نسب، فالذين سرقوها من جسد الأمة العربية الممدد على قارات آسيا وإفريقيا لم يتلصصوا إليها في ظلام الليل العربي ويسرقوها بوعد بلفور إلا عالمين بما يفعلون. فقد زرعوا أخبث الأمراض في جسد الأمة ثم ألحقوا بهذا الزرع زرعاً لا يقل عنه خبثاً، قسموا هذا الجسد الممدد في آسيا وإفريقيا إلى دويلات وكيانات هي ما يعاني منه الإنسان العربي اليوم ضياعه عن هويته في التاريخ وفي الوجود الواحد.
لا نستسهل الطريق الطويلة ونَعْدُ عليها عدو جواد امرئ القيس فنقع صرعى من الإعياء على جنباتها لا سمح الله، لا أدري... أقول لا أدري والألم يشوي عظامي أأنتم إخواننا راضون عن سياستكم في هذا العام وما قبله مع إخوانكم العرب؟ أقول لا أدري، ولكني أنصح أن تبتعدوا بالقضية الفلسطينية عن خلافات إخوانكم العرب وحجتكم في ذلك واضحة.
1991*
* كاتب سعودي «1912 - 2007».
معذرة إذا قاتلت إسرائيل على الورق وتعاظمتُ في معركة ليس فيها جريح ولا قتيل، هذا هو مصابنا وهو الذي عطل فعالية مئتي مليون عربي!! لا أريد أن أكدر صفوك بهذيان رجل مشى ثم أوقفته الحياة أمام حائط سميك وقالت له: أفي إمكانك أن تخترق هذا الحائط لترى ما وراءه؟ ظننت أن الأمر سهل فحاولت أن ألمسه بتجربة الأيام معي فضحكت مني وقالت: كم وقف واقفون في مكانك هذا فتساقطوا من الإعياء تحت حوافر أحصنة الدهر !!
لا أدري، يا عزيزي، كيف ترى، ويرى الآخرون من إخواننا أبناء الشعب الفلسطيني، مسارهم مع الأحداث؟ أقول لا أدري لأني في عزلة الصحراء بين جبلي أجا وسلمى، مقيم. عجزت أن أتحرّر من عصور مضت لألتحق بهذا العصر وأكون من أهله، فقدّرتُ أن معايشة العصر في قيمه الجديدة قد تحل مشاكلي الذاتية، مشاكل السأم والقلق فسعيتُ إليها.
وعلى مقعد الدرس أوقفني فيلسوف هذا العصر وأخذ يملي علي فلسفته ونظرته إلى الحياة، حاولت أن أجادله بزهير بن أبي سلمى وامرئ القيس والمتنبي وقيس وليلى وجميل بثينة، فغضب مني وقال: أجاهلية دفنها العصر في قبر لا بعث لها منه؟ فبادلته غضباً بغضب، فلم يمهلني إلى أن أعتذر له، بل طردني من الدرس وقال: لا تعد إلي، فأنت من جيل انقرض ويبست أضلاعه على قيم الصحراء وعلى عروبة طعامها الضب ولحم الجمل...
فإذا جاء تفكيري من نوع غذائي قد لا تهضمه لأنه تفكير شاخ وضعف أن يصعد بك إلى مكان يستشرف القوى في أشرس الظروف وأكثرها انفعالاً، لهذا وقبل أن تفكروا وتستشرفوا لأنفسكم الطريق الوعرة لا تمشوا على أقدامكم امشوا إليها وفيها وعليها على جماجمكم، تحملكم إرادة قادرة على الانضباط، حافظوا على هذه الإرادة، فإنكم من دونها قد تفقدون السارية التي تحمل الأثقال وبمقدار معرفتكم ما في الطريق من حفر أو صخور تستطيعون السير. فقريتك التي تحن إليها حنين أم الحوار إلى حوارها المذبوح، لا يوصلك إليها غير أن تكون خطاك خطى مدروسة وعاقلة، فأنت لك أمة ولك تاريخ ولك حق شرعي في قريتك، هذه الأمة التي أنت منها، حذار أن تدخل الصراع معها لا تستنفد قواك في جدل، مرتبته عتبة الوقوف عليها، والطريق طويل، مُضنٍ. قد تضنّ عليك الأيام في سفرك بصباح ضنّ على رجل قبلك فقال:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
إن كفاح الشعب الفلسطيني البطل وتضحياته لا أحد ينكرها عليه داخل فلسطين وخارجها، فالقضية حتى الآن كما أتصور لم يحملها أهلها من المحيط إلى الخليج فهي ليست قضيتكم وحدكم، وليست فراغاً في التاريخ تبحث عن شعار هنا أو هناك، أو عن نسب، فالذين سرقوها من جسد الأمة العربية الممدد على قارات آسيا وإفريقيا لم يتلصصوا إليها في ظلام الليل العربي ويسرقوها بوعد بلفور إلا عالمين بما يفعلون. فقد زرعوا أخبث الأمراض في جسد الأمة ثم ألحقوا بهذا الزرع زرعاً لا يقل عنه خبثاً، قسموا هذا الجسد الممدد في آسيا وإفريقيا إلى دويلات وكيانات هي ما يعاني منه الإنسان العربي اليوم ضياعه عن هويته في التاريخ وفي الوجود الواحد.
لا نستسهل الطريق الطويلة ونَعْدُ عليها عدو جواد امرئ القيس فنقع صرعى من الإعياء على جنباتها لا سمح الله، لا أدري... أقول لا أدري والألم يشوي عظامي أأنتم إخواننا راضون عن سياستكم في هذا العام وما قبله مع إخوانكم العرب؟ أقول لا أدري، ولكني أنصح أن تبتعدوا بالقضية الفلسطينية عن خلافات إخوانكم العرب وحجتكم في ذلك واضحة.
1991*
* كاتب سعودي «1912 - 2007».