هاجد الأصلعي

المملكة العربية السعودية رائدة العمل العربي والإسلامي منذ نشأتها والتي تملك تقاليد ثابته ومعايير استراتيجية خالدة في السياسة الخارجية وتعمل وفق مبدأ الدبلوماسية الهادئة والمتزنة وبقناعة ومعرفة عن دورها القيادي على المستوى الإقليمي والدولي وخاصة القضايا العربية والإسلامية، حيث تسير في هذا الإطار بوعي وحكمة عبر أساليب دبلوماسية متعددة تتسم بالحكمة والذكاء والفعالية دون صخب او ضوضاء.

وتتجسد هذه السياسة في مواقف المملكة العربية السعودية ورعايتها الدائمة للقضية الفلسطينية منذ مهدها عام 1948م ، وانه لمن العدل والانصاف القول بأن هذه القضية هي القضية الأولى للمملكة كما جاء على لسان ملوكها من أيام الملك عبدالعزيز يرحمه الله الى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله ، والكل يتذكر موقف الملك سعود يرحمه الله عندما سلم الأستاذ احمد الشقيري ممثل منظمة التحرير الفلسطينية مقعد المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة حتى يستطيع ممثل فلسطين ان يدافع عن بلاده من اعلى منبر دولي.

ان المملكة العربية السعودية بوصفها الراعي الرسمي للقضية العربية التاريخية (قضية فلسطين) قامت بأدوار عظيمة على مر التاريخ على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والإعلامي وغير ذلك، ولا يسعنا في هذه المقالة الحديث عن ذلك لأنه يحتاج الى مجلدات، ولكن كان هناك زخم غير مسبوق في دعم هذه القضية بعد القمة العربية الإسلامية الغير عادية التي عقدت في نوفمبر2023م بالرياض من اجل تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وقد توجت تلك الجهود بإعلان سمو وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين على اطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري بشأن الملف الفلسطيني وجهود السلام وذلك على هامش اعمال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين داعياً الانضمام لهذا التحالف مؤكداً بذل كل الجهود من اجل تحقيق مسار موثوق لا تراجع عنه من اجل تحقيق السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط والعالم بأسره، وان يكون الاجتماع الأول لهذا التحالف في العاصمة السعودية ( الرياض )، وقد اكد سموه في خطابه التاريخي ان المملكة العربية السعودية تدعو كافة الدول المحبة للسلام الانضمام لذلك التحالف، مؤكداً ان المملكة العربية السعودية سوف تبذل قصارى جهدها لإنهاء هذا الصراع من اجل المحافظة على السلم والامن الدولي، وقد أضاف سموه في خطابه التاريخي ان الدفاع عن النفس لا يمكن ان يبرر قتل عشرات الالاف من المدنيين وممارسة التدمير الممنهج والتهجير القسري واستخدام سياسة التجويع والتحريض والتجريد من الإنسانية، والتعذيب الممنهج في ابشع صوره وغيرها من الجرائم الموثقة وفقاً لتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

ان العالم اليوم يشهد تصعيداً اقليمياً خطيراً يقود الى حرب إقليمية تهدد منطقتنا والعالم بأسره، وقد طالبت المملكة في خطاب سمو وزير الخارجية بالوقف الفوري للحرب القائمة ووقف جميع الانتهاكات المخالفة للقوانين والأعراف الدولية ومحاسبة جميع معرقلي عملية السلام وعدم تمكينهم من تهديد امن المنطقة والعالم، وتسأل سموه ماذا تبقى من مصداقية النظام العالمي وشرعيته امام وقوفونا عاجزين عن وقف آلة الحرب، وإصرار البعض على التطبيق الانتقائي للقانون الدولي في مخالفة صريحة لأبسط معايير المساواة والحرية وحقوق الانسان.

وقد أعربت المملكة العربية السعودية عن بالغ تقديرها للدول التي اعترفت بفلسطين داعية كافة الدول للتحلي بالشجاعة واتخاذ ذات الموقف الدولي بالاعتراف بفلسطين والانضمام الى الاجماع الدولي المتمثل باعتراف 149 دولة بفلسطين كدولة كاملة غير منقوصة السيادة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

ان مبادرة حل الدولتين هو الحل النموذجي لكسر حدة الصراع والمعاناة، وتنفيذ واقع جديد تنعم فيه المنطقة وجميع دول العالم بما فيها إسرئيل بالأمن والتعايش السلمي، وباعلان تحالف حل الدولتين نرى انه قد حان الوقت الى تحرك فعال وعملي وواقعي على المستوى الدولي لتنفيذ تلك المبادرة.

ومن خلال متابعتنا لردود الأفعال لأغلب المواقف الدولية نجدها تسير في الاتجاه نفسه، فعلى المستوى الإقليمي رحب مجلس التعاون الخليجي بتلك المبادرة، جاء ذلك على لسان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الأستاذ جاسم البديوي وقد أشاد بجهود اللجنة الوزارية التي تم تشكيلها من قبل القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، وأشاد بجهودها الدبلوماسية الكبيرة في حشد الدعم العالمي لوقف اطلاق النار وانهاء العدوان الغاشم على غزة واسهامها بتعزيز الاعتراف بالدولة الفلسطينية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وقد جدد البديوي دعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربي لعقد مؤتمر دولي يضم جميع الأطراف المعنية لإنهاء الاحتلال مع ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

وقد رحبت رابطة العالم الإسلامي بإعلان المملكة العربية السعودية اطلاق هذه المبادرة ( التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين) وقد نوه الشيخ محمد العيسى الى دعوة جميع الدول للانضمام الى هذه المبادرة التي ستساهم في التوصل الى السلام العادل والشامل، كما ثمن الجهود الاستثنائية التي تبذلها المملكة العربية السعودية وما حققه حراكها المتواصل والتفاعلي حول العالم من تقدم تاريخي في حشد الشركاء الدوليين ومحبين السلام لدعم القضية الفلسطينية.

وعلى المستوى الدولي فقد علقت الولايات المتحدة الامريكية شحنة أسلحة الى إسرائيل وبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في الحديث عن الرغبة في وقف اطلاق النار وعدم التوسع خوفاً من حرب شاملة محتملة في المنطقة على اثر التصعيد والتعنت من الجانب الإسرائيلي، وأوقفت كل من هولندا وكندا شحنات أسلحة الى إسرائيل خوفاً من احتمال استخدامها بطرق تنتهك القانون الدولي الإنساني، وأضافت الحكومة الكندية في مارس الماضي ان قرارها بالتجميد سيستمر حتى تضمن ان الأسلحة ستستخدم بما يتفق مع القانون الدول الإنساني، بينما خفضت المانيا والتي تعتبر ثاني اكبر مورد أسلحة لإسرائيل صادراتها من الأسلحة الى إسرائيل، اما إيطاليا والتي تعد ثالث اكبر مورد للأسلحة الى إسرائيل أعلنت إيقاف منح الموافقات الجديدة لتصدير الأسلحة الى إسرائيل طبقاً للقوانين الايطالية والتي تحضر تصدير الأسلحة الى دول تخوض حروباً او التي تنتهك حقوق الانسان.

ومن ثمرات الجهود الدبلوماسية والتي تكللت بإعلان هذا التحالف هو اعلان ثلاث دول أوروبية اعترافها بفلسطين، وثمن الاتحاد الأوروبي على لسان جوزيف يوريل مسؤل السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الأوروبي اعلان هذا التحالف الذي لم يكن كذلك الا بجهود كبيرة بذلتها الدول العربية وشركائهم الأوروبيين، واعرب وزير خارجية النرويج عن تشرفه برئاسة الاجتماع بين السعودية ودول الاتحاد الأوروبي والذي نتج عنه اعلان هذا التحالف ، كما أوضح بأن حل الدولتين هو الحل الأمثل للسلام العالمي.

ولقد تناغم قرار مجلس الامن الدولي رقم ( 2728) مع جميع المطالبات السعودية حيث ركزت الجهود السعودية المبذولة على قاعدتين اساستين وهما: ضرورة وقف اطلاق النار فوراً وتسهيل وصول المساعدات اللوجستية والإنسانية للمدنيين ، مع ضرورة توفير الحماية لهم ، وهذا ما احتواه القرار الاممي بالنص، وهنا يبرز الحراك الدبلوماسي السعودي على المستوى الإقليمي والدولي.

كما ان التحالف الدولي لحل الدولتين يرسخ وبوضوح حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ، بيد ان وضع الملف الفلسطيني في مقدمة الاجندة الدولية يشكل ضغطاً على الحكومتين الامريكية والاسرائلية من اجل اتخاذ إجراءات عملية في تنفيذ تلك المبادرة.

ان الدبلوماسية السعودية تحمل اليوم على عاتقها تحركاً اقليمياً ودولياً غير مسبوق لحل القضية الفلسطينية باطلاقها هذا التحالف الدولي لحل الدولتين واحلال السلام الشامل والعادل في المنطقة، عبر الوسائل والأدوات المتاحة والتي تستخدمها وتسخرها في حل قضايا الامتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأسره.

نحن جزء من هذا العالم نؤثر ونتأثر بما يحدث فيه من احداث مختلفة، والمملكة العربية السعودية لم تفكر يوماً من الأيام بالعيش بمنأى عن قضايا الامتين العربية والإسلامية خاصة وعن قضايا العالم الأخرى، ولأنها تدرك دورها المحوري في تعزيز مكانة العالمين العربي والإسلامي فقد جعلت هذه التحركات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية في الآونة الأخيرة وفق رؤية مستقبلية تسعى من خلالها لتقوية الصف العربي وحل مشاكلة العالقة عبر التاريخ بما يضمن للامة ان تواجه التحديات التي تصتدم بها وقد تعطل مسيرتها.

ان مبادرة حل الدولتين تتطلب جهوداً مضاعفه ومتواصلة من الدبلوماسية السعودية والإقليمية والدولية، وهذا يتطلب عملً شاقاً واستراتيجية طويلة الأمد لضمان نجاحها والعمل المتواصل مع الشركاء الدوليين من العرب والأوروبيين وغيرهم للضغط على إسرائيل بقبول حل الدولتين والدخول في تسويه شاملة مبنية على قرارات الشرعية الدولية.

ان اطلاق التحالف الدولي لحل الدولتين يأتي ليكتب فصلاً من الدبلوماسية السعودية في حل القضية الفلسطينية المتمثل في عقوداً من الدعم، ويمكن القول أن المملكة العربية السعودية تملك المقومات التي تؤهلها لقيادة أي تحالف لتراكم الخبرات السياسية والدبلوماسية والحكمة في اتخاذ القرارات والمكانة الدولية على المستوى العربي والإسلامي والدولي، وهذا كله يجعل العالم اليوم يتفاءل بالحلول التي تجعل العالم يعيش بسلام، وتنتصر الدبلوماسية السعودية بتصدرها المشهد في قيادة هذا التحالف الدولي ووضع الحلول اللازمة لأكبر قضايا العصر.

في قادم الأيام - باذن الله - سوف نشهد حلاً لهذا الصراع التاريخي ونعيش في سلام ووئام بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل جهود هذه الدولة المباركة ممثلة في قيادتها الحكيمة وحكومتها المتفانية في تنفيذ كل السبل للعيش في امن وسلام دائم.