انقضت أحداث ومجريات البطولة التي يصنفها كثيرون على أنها الأولى عالميا متقدمة على كأس العالم، وحافظ المنتخب الأفضل والأجدر والأقدر(منتخب إسبانيا) على لقبه وبأسلوبه وطريقته التي ابتكرت وصممت ونفذت ثم صدرت من برشلونة لـ(لا روخا)، وأنجز ديل بوسكي مهمته على خير ما يرام، وخلف أندريس إنييستا زميله العبقري على خلافة نجومية لاعبي كرة القدم الأوروبية أربع سنوات كاملة، ورمت إسبانيا ونجومها كل ادعاءات بعض المحللين الذين قللوا من قيمة وروعة نهج البطل داخل المستطيل الأخضر. والغريب أن من شككوا وقللوا من قيمة ما يقدمه الإسبان هم محللون عرب، اتسم تحليلهم بالسطحية والانطباعية وقلة الرافد المعلوماتي والمعرفي والخلفيات المطلوبة عن اللاعب والمنتخب ككل. أذهلني العبقري أريجو ساكي، بعمق تحليلاته ونظرته الدقيقة للاعب الفرد والمجموعة، وقدرته على سبر أغوار الفريق من حراسة المرمى إلى الجمل التكتيكية والتكنيك الذي يتميز به لاعب عن آخر، ووقفت كثيرا عند خلاصته الجميلة عقب فوز إسبانيا على بلده إيطاليا حينما قالعلى اللاعبين الإيطاليين أن يفتخروا بما حققوا، فقد لعبوا أمام أساتذة!، والقول نفسه أستعيره لنظيره المبتكر، المدرب أرسين فينجر، الذي أحسنت قناة الجزيرة استقطابه محللاً ومنظرا للمباريات الدولية التي تنقلها من وقت إلى آخر، فقد شخص وحلل ووضع يده على جروح ومواطن ضعف كل منتخب، فأضاف للمتابع، وبالتأكيد لمن سيعود إلى هذه التسجيلات مستقبلا، واتسمت نظرته بالعمق مثل ساكي، وامتلك مخزونا رائعا من المعلومات عن كل لاعب من لاعبي المنتخبات المشاركة، وأطلعنا على بعض الخلفيات المفيدة مما جعلت كلماته منتظرة ومحل ترقب. على الطرف الآخر فشل المدرب المصري محسن صالح وزميله المدرب التونسي قيس اليعقوبي وكذلك الأسماء العربية التي شاركت هنا وهناك قبل النهائي، في تقديم تحليل حقيقي ينطوي على بعد نظرة، وعمق تحليل وسبرغور للاعبين والمنتخبات، فكانت آراؤهم انطباعية كمشجعي المدرجات، وظلت معلوماتهم متداولة وضعيفة التواجد في جملهم وعباراتهم، بل كانت هناك أخطاء كثيرة في نطق أسماء اللاعبين والمدربين، وانتهت تحليلاتهم إلى فشل ذريع ناقض النهاية للبطولة. في الوقت الذي شاهدنا هؤلاء يسخرون ويقللون من قيمة وعطاء اللاعب الإسباني، وجاء التفضيل الشخصي على حساب التفضيل الفني المهني، فمنهم من رأى مسألة الاستحواذ التي تعتبر ميزة أدائية فريدة ابتكرها فريق برشلونة وسوقها للمنتخب الإسباني أمر سلبي ومكشوف ومحفوظ عن ظهر قلب بالنسبة للمنتخبات المنافسة، والوقائع على الأرض تؤكد فشل وخيبة النظرة هذه، فقد كان النجم الإسباني في كل تلك المباريات السلبيةـ بنظر المحلل العربي ـ هو الأميز وصاحب جائزة الأفضل بالمباراة، إذن من نصدق؟! المحلل العربي هذا، أم الفنيون القائمون على تقديم جائزة اللاعب الأفضل في كل مباراة؟. والمضحك المبكي لمن تابع تحليل محللينا العرب بعد أن انتهت المباراة النهائية، أنه قد شاهد أصواتا غير الأصوات المحجمة والمقللة من قيمة النجم الإسباني، فأصبح المنتخب الذي لا يقهر والذي لا يوجد به عيوب ولا نواقص، والنهج الأدائي كان بارعا لدرجة عدم قدرة الإيطاليين على مجاراته، سبحان مغير الأحوال، في الوقت الذي نحفظ للمحللين الكبيرين ساكي، وفينجر، اتزانهما وبعد نظرهما وحسن تقييمهما للنجوم، فمنذ المرحلة الأولى شاهدنا هذين القديرين يرشحان الرسام آندريس إنييستا للقب أفضل لاعب في اليورو 2012، وهو ما تحقق بالفعل، بينما الإخوة المحللون العرب منهم من أكد على بيرللو، ومسعود أوزيل، والواقع كذب رؤيتهم وأعطى دلالة على محدودية استشرافهم الفني العميق.
نتمنى من المحلل العربي وهو يعطى فرصة تاريخية في مناسبات كبرى كهذه، نتمنى أن يجتهد في البحث والتقصي وامتلاك الخلفيات المعلوماتية الدقيقة، والتعرف على أساليب التحليل العلمي بعيدا عن الانطباعات والإنشائيات المملة الكربونيةن التي نسمعها بعد كل مباراة منهم، فهل هم فاعلون؟ أشك في ذلك؟!.