علي الشريمي

حينما يعبر الضوء من بين ظلال الماضي إلى آفاق المستقبل تنبض عاصمة السعودية، الرياض، بحياة جديدة تملؤها الألوان والأزياء التي تحكي بين ثناياها قصص بانورامية.

ففي قلب المدينة النابضة، تتجلى رؤية جديدة، حيث يصبح كل ذوق، كل تصميم، وكل قطعة من القماش نقطة انطلاق نحو الإبداع والتفرد. ومثلما تحتضن ميلانو وباريس ونيويورك عروش الموضة، هاهي الرياض تمتشق عباءة التألق، وتخطو نحو الأمام كوجهة رائدة ومبتكرة في عالم الموضة، حيث شهدت في الأيام الخمسة الماضية حدثا بارزا، وهو النسخة الثانية من «أسبوع الأزياء بالرياض»، الذي أضفى لمسة من السحر والإبداع على مشهد الأزياء العالمي. أقيم الحدث في ثلاثة أماكن: «قصر طويق»، و«المدينة الرقمية»، و«حي جاكس»، حيث اجتمعت تحت سقف واحد البراندات السعودية التي استطاعت في تصاميمها مزج الفخامة الحديثة وجمالية التراث العريق.

وقد قدّم المصممون السعوديون المبدعون قصصا تجسد تنوع الثقافة السعودية، مستلهمين الألوان والأنماط التي تحكي قصص الأصالة والحداثة. كثيرة هي الأسماء السعودية اللامعة التي تألقت في هذا الحدث الاستثنائي، والتي لا تسع هذه المساحة الضيقة ذكرها، ولكن لفتت انتباهي المصممة البارعة والمبدعة «كوثر الهريش»، التي جسدت في مجموعتها «كاف باي كاف» الفجوة الفريدة بين الطبيعة والتكنولوجيا. ففي عرضها استطاعت أن تضفي سحرا خاصا بتقديم أول عارضة أزياء سعودية بالروبوت، وسمتها «سارة»، حيث افتتحت الفعالية في يومها الخاص بكاريزما لا مثيل لها. كانت «سارة» رمزا للابتكار، جاذبة الأنظار بعيدا عن كل ما هو تقليدي، لتعكس مزيجا فريدا من التقنية والأزياء، وتؤكد رؤية المملكة نحو المستقبل المشرق.

من الواضح جدا أن البيئة في المملكة تتطور فيها صناعة الأزياء بشكل متسارع جدا، حيث أسهمت هذه الصناعة بـ1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022، أي ما يعادل 12.5 مليار دولار أمريكي (46.9 مليار ريال سعودي)، وهو السبب الذي وفر فرص عمل لـ230 ألف شخص، أي ما يعادل 1.8% من إجمالي القوى العاملة. كما تشكل مكونات سلسلة البيع بالتجزئة والجملة ما يعادل 60% من إجمالي قيمة نظام القطاع حاليا.

هذه بعض الأرقام التي قرأتها في تقرير قطاع الأزياء السعودية الأخير 2023، الذي أصدرته هيئة الأزياء، والذي يركز بشكل كبير على تحقيق رؤية 2030، وهو ما من شأنه التركيز على تطوير العلامات التجارية السعودية لترتقي بمنتجاتها ليس فقط في السوق المحلية، بل على مستوى السوق الإقليمية والعالمية، ولعل كلمة الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء، بوراك شاكماك، أشبه بخارطة طريق بقوله: «نحن في المملكة نضع حاليا أسس مستقبل الأزياء».

عودة مرة أخرى للحدث، إذ شاهدت في العروض الحية والمباشرة كيف يتفاعل المراسلون والمصورون من كل العالم مع الجماهير السعودية والعربية والأجنبية، الأمر الذي سيعكس صورا رائعة وإيجابية عن وطننا الذي أصبح وجهة للجمال، والملاحظة الأهم التي أعجبتني - أظنها أعجبت الكل - هي الكفاءات الوطنية العالية التي كانت تُدير وتُشرف على كل تفاصيل هذا الحدث العالمي الكبير، وهم بكل فخر وإعجاب من خيرة شباب وشابات الوطن الذين يتحدثون لغات عدة، ويعملون بكل شغف وحب وحماس، ويعكسون بصدق وجمال روعة هذا الوطن الغني بتاريخه وحضارته.

أخيرا.. الأضواء التي سُلطت على التصميمات الفاخرة والابتكارات المتألقة في عالم الأزياء لم تكن سوى بداية لحكاية جديدة تكتبها الرياض كأيقونة تجسد الأحلام واقعا ملموسا.