عبدالوهاب بدرخان

بادر الرئيس الأمريكي إلى «تهنئة» رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد قتل زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار، وقبل ذلك كان جو بايدن وجد أن اغتيال زعيم «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله حقق نوعاً من «العدالة». وعلى رغم ما بين بايدن وبنيامين نتنياهو من «خلافات» ومشاعر سلبية مؤكدة فإن الرابطة الصهيونية التي تجمعهما ظلت هي الحاسمة والسائدة طوال عام الحرب، فلم تتأثر بممارسات «الإبادة» الإسرائيلية التي ظهرت وتظهر حالياً بكامل منهجيتها ضد سكان شمال غزة، ولا بالتدمير الاجرامي لضاحية بيروت وقرى الجنوب اللبناني. للمرة الأولى يخسر رئيس أمريكي إمكان الادعاء بأنه حافظ على عالمية «المبادئ الأمريكية» وإنسانيتها، ويخسر أيضاً إمكان أن يترك «إرثاً» ولو ببساطة وقف لإطلاق النار. أما نتنياهو فكلما قتل ودمر يخرج ليقول إنه يريد المزيد لأن «الحرب لم تنته»، ولأن كل ما حصل حتى الآن كان مقدمات للوصول إلى المواجهة الحقيقية، المباشرة، مع إيران.

لم تكن الشراكة الإستراتيجية، الأمريكية- الإسرائيلية، موضع تشكيك في أي وقت، لكنها لم تكن على الوضوح الذي تظهر به هذه الأيام في الشرق الأوسط. فبعد عام كامل أمضت واشنطن نصفه الأول في إحباط مشاريع وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ونصفه الثاني في محاولات ملتبسة الفشل لإنهاء الحرب ومنع امتدادها إلى لبنان، يبدو الجانبان الآن في انسجام كامل على الجبهتين، وحتى على الجبهات الأخرى في سوريا واليمن. لم يعد هناك غموض أمريكي في أن إيران هي المستهدفة حيثما يوجد وكلاؤها، وحتى في أراضيها بعدما أقدمت على مهاجمة إسرائيل مباشرة. لم تكن واشنطن جازمة في رفض (أو إدانة) أي عمليات إسرائيلية داخل إيران، بما فيها اغتيال إسماعيل هنية في طهران، لكنها سلمت لإسرائيل بحقها في الرد على إيران، بدليل النقاش العلني حول تجنب المنشآت النفطية والنووية.

عارضت الولايات المتحدة دائماً إشعال حرب مع إيران، وعرضت في الاتصالات معها تسويات لمنع توسيع نطاق حرب غزة ولإقناعها بضبط ميليشياتها في لبنان واليمن والعراق. لكن طهران قرأت موازين القوى على غير حقيقتها، فلم ترَ أي مؤشرات لهزيمة «حماس» ولم تأخذ في الاعتبار تداعيات العبث الهمجي بالسكان والعمران في غزة، كذلك لم تقدر ولا قدر «حزبها» اللبناني أن هذا المصير الوحشي المفتعل قد يتكرر في لبنان على رغم أن إسرائيل استبقته بشريط أرض محروقة حدودياً قبل أن تبدأ حملتها الحالية. كانت طهران تكتفي بأي عملية عسكرية محدودة كي تثبت أن «محورها» باق عنصر تهديد إقليمي لإسرائيل ولغيرها، وأن على واشنطن أن تطور عروضها لإرضاء إيران والاعتراف بدورها الإقليمي.

لكن إخفاق الجهد الدبلوماسي قاد واشنطن إلى الأخذ بالمنطق الإسرائيلي الذي تعامل مع غزة على أنها أرض وبيئة حاضنتان لـ«حماس» تسويغاً لإبادتهما، واعتبر أن ضرب «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن وأي موقع إيراني في سوريا بمثابة ضرب لإيران نفسها وإضعاف لنفوذها. لذلك لم تتردد واشنطن أخيراً في تبني ما صرحت به وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بيربوك من إباحة لاستهداف المدنيين، إذ أعلنت الخارجية الأمريكية ما لم تعلنه سابقاً في شأن غزة، معترفة لإسرائيل بـ«الحق في استهداف جماعة حزب الله حتى لو كانت مختبئة في مبان مدنية». وهكذا أسقط حتى مجرد الكلام عن ضرورة حماية المدنيين. فما ذكر عن «إنذار» أمريكي لإسرائيل كي تحسن الوضع الإنساني في شمال غزة تحول إلى «مهلة شهر» لإيصال مساعدات، وفهم الإسرائيليون أن لديهم الوقت لمواصلة المجازر اليومية وسياسة التجويع من أجل التهجير.

في هذه المرحلة من الحرب، لا يزال الكثير مما كان يعتبر خطأ أو صواباً فوارق بين الشريكين، وتأكد أن إسرائيل تحقق لأمريكا أهدافاً استراتيجية مثلما أن أمريكا تقدم منظومة «ثاد» وقنابل ثقيلة لـ«حمايتها». فالغارات الإسرائيلية على اليمن مهدت لتغيير نوعي في الاستهداف الأمريكي للحوثيين، وهو ما ظهر في استخدام قاذفات «بي 2» للإغارة على مستودعات أسلحة تحت الأرض، وشكل رسالة إلى إيران بأن أمريكا مستعدة إذا اقتضى الأمر لضرب الأهداف الأكثر عمقاً وتحصيناً. وقبل ذلك كانت واشنطن بعثت برسائل عدة لطهران بأنها في صدد تعديل لائحة الأهداف التي تريد إسرائيل ضربها في إيران، ما يعني أن طبيعة الاتصالات بينهما تغيرت لتقتصر على درء خطر حرب كبرى على إيران نفسها.

* ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»