هل توجد تفرقة وعدم اهتمام وقلة تمثيل للأعراق الأخرى غير العروق الأوروبية في إنتاج الأدوية؟
وهل صممت الأدوية لكي تناسب الإنسان الأوروبي الغربي، ولم يتم الاهتمام ببقية الأعراق؟!
هل تم إعطاء الأدوية وجرعاتها لكي تناسب البيض الأوروبيين دون مراعاة للاختلافات الجينية لدى العرب والآسيويين والأفارقة؟
أسئلة مثيرة ومطروحة، لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقتها تساؤلات وأطروحات عدة، ففي دراسة أجريت عام 2009 وجد بحث منهجي في التنوع الجغرافي الحيوي السكاني للدراسات الوراثية والجينية أن 96% من المشاركين في جميع دراسات الارتباط على مستوى الجينوم في ذاك الوقت كانوا من أصول أوروبية (GWASs).
وحتى عندما أعيد نفس موضوع البحث عام 2016 لم تتغير النتائج كثيرا، وبقي العرق الأوروبي مسيطرا، فيما لم يتم تمثيل بقية الأعراق بالشكل المتوازن.
وما زال العرق الأوروبي يشكل 78% من الدراسات، مع أن الأوروبيين لا يشكلون إلا 16% من سكان العالم.
ويقول متخصصون، إنه لا يجب معاملة كل البشر والمرضى كأن لهم جسما واحدا متشابها، فالموضوع ليس كأنّه ثوب واحد يناسب كل الناس لأن جيناتهم واستجاباتهم للأدوية مختلفة كليا، بل إن هذا عكس المنطق العلمي!
للأسف البعض ما زال يعامل المرضى كأنهم فقط فئتان، أطفال وكبار، دون النظر إلى خلفياتهم العرقية.
الجين المختلف
كمثال صارخ وواضح، هناك حوالي 25% من الأدوية الموصوفة يتم استقلابها من خلال جين يسمى CYP2D6.
هذا الجين معروف عنه أنه مختلف اختلافا كبيرا في الأعراق، وله كثير من النسخ المختلفة (حوالي 100 نسخة)، وبعض نسخه في بعض الأعراق تكون سريعة الاستقلاب، وبعضها بطيئة الاستقلاب، وهذا يؤثر كثيرا على فعالية الدواء، فيكون تأثير الدواء إما قويا وشديدا في بعض النسخ والأعراق، أو قد يكون بطيئا وضعيفا في نسخ وأعراق أخرى، وهو ما قد يسبب زيادة في الأعراض الجانبية لبعض الأعراق، وربما قلة فعالية في بعض الأعراق الأخرى.
والشيء المهم في هذا الموضوع أن كثيرا من الأدوية المهمة والدارجة يتم استقلابها بهذا الجين، مثل كثير من أدوية القلب وأدوية الخفقان والأدوية النفسية وغيرها، وهذا التأثير لا يمكن إنكار أثره الواضح.
أمثلة كثيرة
من الأمثلة أيضا على الأدوية التي يتم استقلابها من خلال الجين CYP2D6، أدوية مهبطات البيتا، وهي أدوية شائعة تستخدم للقلب والضغط، وأدوية مضادات الاكتئاب، وأدوية مضادات عدم انتظام ضربات القلب والمسكنات، وعدد من الأدوية النفسية، وغيرها كثير.
ويمكن تصنيف البشر إلى 4 مجموعات رئيسة تقريبا على حسب نشاط ونسخة الجين CYP2D6، وذلك وفق التالي:
1ـ مجموعة استقلاب فائق السرعة
2ـ مجموعة استقلاب طبيعي
3ـ مجموعة استقلاب متوسط
4ـ مجموعة استقلاب ضعيف أو غير فعال.
فمثلا بعض نسخ الجين التي يصاحبها ضعف شديد في الوظيفة تكون منتشرة في الآسيويين، وتقل جدا في الناس الذين تعود أصولهم إلى شمال أوروبا.
وقد يصل ضعف الوظيفة في بعض نسخ الجين إلى 45% في الآسيويين، بينما لا يتجاوز حوالي 2% من المنحدرين من شمال أوروبا.
من الأمثلة المعروفة كذلك اختلاف تأثير مادة الكودين المسكنة على الأشخاص بناء على خلفياتهم العرقية، فنجد أن الجين من النسخة عالية الاستقلاب والتي قد تؤدي إلى سمية المورفين توجد بنسبة 28% في العرب وفي أناس شمال إفريقيا، بينما الجين عالي الاستقلاب فقط 10% في البشر ذوي الأصول القوقازية، و3% فقط في الأفارقة الأمريكيين.
حساسية الأفارقة
مثال آخر لعلاج يستخدم بكثرة حول العالم، هو الوارفارين، أو مسيل الدم، كما يطلق عليه العامة، والاستجابة له تكون عادة من خلال جينات مثل CYP2C9 VKORC11، وقد وجد أن المرضى من أصول إفريقية قد تكون لديهم حساسية زائدة منه، مما يتطلب جرعات أعلى لتحقيق فائدة علاجية، بينما بعض المرضى خصوصا من أصول آسيوية تكون لديهم قلة تحسس للمسيل، ويحتاجون عادة جرعة أقل.
وهذا ينطبق على الأدوية الأخرى، فإن عدم وصف بعض الأدوية بناء على التنوع الجيني والعرقي للشخص يؤدي إلى أعراض جانبية على المرضى، أو يسبب قلة فعالية أو زيادة سمية للدواء.
خطورة التكوين
إضافة للأمثلة السابقة على فعالية الأدوية تجاه جينات وقلة فعاليتها تجاه جينات أخرى، فإن بعض الأدوية مثل كاربامازبين، وهو أحد علاجات الصرع والتحكم بالتشنجات تزيد خطورتها بالنسبة للمرضى من أصول آسيوية بسبب تكوينهم الجيني، وقد يصل إلى 172 ضعفا بالنسبة لهم، وهذا قد يؤدي إلى زيادة الإصابة بمتلازمة ستفينز جونسون، وهي متلازمة خطيرة، يطلق عليها تقشر الأنسجة والبشرة التسممي، بينما استخدام علاج مثل الثايوبورين وهو أحد علاجات سرطانات الدم في المرضى من أصول آسيوية، فإن النسبة ترتفع بسبب تكوينهم الجيني إلى 620 ضعفا، مما قد يسبب كبت وكبح نخاع العظم، لذلك يفضل استخدام أدوية بديلة عنه.
فروقات واضحة
على مستوى المنطقة العربية وشمال إفريقيا، وعلى الرغم من التشابه في بعض الخصائص الجينية بين السكان فيها، إلا أن هناك فروقات ملحوظة في جين CYP2D6 وهذه الفروق تختلف باختلاف نسخة الجين، فهناك زيادة في بعض النسخ (عالية الاستقلاب) في شمال إفريقيا والجزائر مثلا، ومتوسطة في السعودية، وتقل جدا في مصر كمثال.
وفي المقابل فإن نسخا من الجين التي قد (لا تعمل) تجدها قليلة إلى حد ما في السعودية ولكنها تزيد في مصر، بينما نسخ الجين (ضعيفة العمل) تزيد في الأردن مثلا وتقل في فلسطين وتندر في الجزائر.
أما الجزيرة العربية وخصوصا السعودية فتوجد نسخة معينة معروفة من النوع (ضعيفة العمل) تكثر في السعودية ومن ثم الإمارات، وهذه النسخة من الجين بين السكان السعوديين أعلى نسبة منها، مقارنة بالسكان الآخرين، مثل الصينيين والمكسيكيين والقوقازيين لكن تنخفض إلى أقل من النصف في الجزائر مثلا، وهكذا دواليك.
تأثر النظام الصحي
مع كل ما مضى، هل الموضوع مجرد حصر في مجموعات عرقية معينة، أم أن له تأثيرًا على النظام الصحي ككل؟
الدراسات تشير إلى أن هناك عدة أدوية درج استخدامها للمرضى بينما فعاليتها تتراوح بين (50 - 75%) فقط.
والدراسات تشير في أوروبا إلى أن (3.5 - 6.5% من المرضى) يتم إدخالهم إلى المستشفى بسبب مضاعفات للأعراض الجانبية للأدوية أو (التفاعلات الضارة للأدوية)، بينما حتى المرضى المنومين داخل المستشفيات لا يسلمون من ذلك، فهناك حوالي 15% من المنومين أنفسهم قد يتعرضون إلى أعراض جانبية من الأدوية المعطاة لهم.
في 2015 خلص بيان المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية في بريطانيا (نايس)، إلى نتيجة أن 72% من الأعراض الجانبية يمكن تفاديها لو تمت الإجراءات اللازمة، وهذه التفاعلات الدوائية الضارة تكلف بريطانيا وحدها حوالي 500 مليون جنيه إسترليني.
طرق العلاج
تختلف طريقة العلاج ووصف العلاج المناسب بناء على العرق والأصول، وليست فقط المشكلة في الأعراض الجانبية وحدها.
وكمثال على اختلاف طريقة العلاج، أظهر عدد من الدراسات أن الأمريكيين من أصل إفريقي يستجيبون بشكل أقل إيجابية للعلاج الأحادي بحاصرات بيتا مقارنة بالبيض، وبسبب التكوين الجيني يتم تخفيف فعالية حاصرات بيتا لدى الأمريكيين من أصل إفريقي، ويرجع ذلك على الأرجح إلى انخفاض نشاط الرينين في البلازما.
بالمقابل، لوحظ انخفاض أكبر في ضغط الدم وإطلاق الرينين في البلازما استجابةً للبروبرانولول لدى الرجال الصينيين مقارنة بالرجال البيض في الولايات المتحدة.
كما لوحظت أيضًا اختلافات سكانية في الاستجابة لمثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ARBs) مشابه لضعف الاستجابة لحاصرات بيتا، وتكون مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين أقل فعالية لدى الأمريكيين من أصل إفريقي مقارنة بالبيض، وعلى العكس من ذلك لوحظ أن المرضى من أصل إفريقي يستجيبون بشكل أفضل لمدرات البول مقارنة بالبيض.
عوامل أخرى
لا تلعب الجينات فقط دورا في كيفية الاستجابة للأدوية، بل هناك عوامل أخرى مثل ما فوق الجينات وعوامل بيئية وغذائية مختلفة وكلها تختلف من مجتمع إلى آخر.
لذلك، فإن شركات الأدوية، مدعوة إلى الاعتراف بأهمية التنوع العرقي في تطوير الأدوية وتحديد الجرعات. ويجب أن تعكس الأبحاث والتجارب السريرية التنوع الجيني للسكان الذين سيستخدمون هذه الأدوية.
من هنا يمكن القول إنه في المستقبل، ستُعد كتابة الوصفات الطبية دون الاستناد إلى نتائج الفحص الجيني - الدوائي خطأً طبيًا وسوء ممارسة، نظرًا لأهمية التحليل الجيني في تحديد العلاج المناسب لكل فرد.
توصيات لفعاليات أفضل للأدوية
ـ إجراء دراسات سريرية تشمل مشاركين من خلفيات عرقية متنوعة
ـ تحليل البيانات الجينية لفهم كيف يمكن للتنوع العرقي أن يؤثر على استجابة الأدوية
ـ تطوير الأدوية بناءً على الاحتياجات العلاجية للمجتمعات المتنوعة
ـ توفير معلومات واضحة حول كيفية تأثير الجينات على فعالية وسلامة الأدوية.
توصيات للقطاع الصحي والمستشفيات
ـ دعوة المستشفيات والمؤسسات الطبية إلى دمج الفحوصات الجينية في نظام الرعاية الصحية لتحسين النتائج العلاجية.
ـ يفضل أن تشمل الفحوصات
1ـ التقييم الجيني للمرضى قبل وصف الأدوية
2ـ تحديد الجرعات بناءً على المعلومات الجينية لضمان الفعالية وتقليل المخاطر
3ـ التوعية الطبية حول أهمية الفحوصات الجينية للمهنيين الصحيين
4ـ التعاون مع الخبراء والمختصين في الجينات والجينومكس لتفسير النتائج وتطبيقها بشكل صحيح.
وهل صممت الأدوية لكي تناسب الإنسان الأوروبي الغربي، ولم يتم الاهتمام ببقية الأعراق؟!
هل تم إعطاء الأدوية وجرعاتها لكي تناسب البيض الأوروبيين دون مراعاة للاختلافات الجينية لدى العرب والآسيويين والأفارقة؟
أسئلة مثيرة ومطروحة، لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقتها تساؤلات وأطروحات عدة، ففي دراسة أجريت عام 2009 وجد بحث منهجي في التنوع الجغرافي الحيوي السكاني للدراسات الوراثية والجينية أن 96% من المشاركين في جميع دراسات الارتباط على مستوى الجينوم في ذاك الوقت كانوا من أصول أوروبية (GWASs).
وحتى عندما أعيد نفس موضوع البحث عام 2016 لم تتغير النتائج كثيرا، وبقي العرق الأوروبي مسيطرا، فيما لم يتم تمثيل بقية الأعراق بالشكل المتوازن.
وما زال العرق الأوروبي يشكل 78% من الدراسات، مع أن الأوروبيين لا يشكلون إلا 16% من سكان العالم.
ويقول متخصصون، إنه لا يجب معاملة كل البشر والمرضى كأن لهم جسما واحدا متشابها، فالموضوع ليس كأنّه ثوب واحد يناسب كل الناس لأن جيناتهم واستجاباتهم للأدوية مختلفة كليا، بل إن هذا عكس المنطق العلمي!
للأسف البعض ما زال يعامل المرضى كأنهم فقط فئتان، أطفال وكبار، دون النظر إلى خلفياتهم العرقية.
الجين المختلف
كمثال صارخ وواضح، هناك حوالي 25% من الأدوية الموصوفة يتم استقلابها من خلال جين يسمى CYP2D6.
هذا الجين معروف عنه أنه مختلف اختلافا كبيرا في الأعراق، وله كثير من النسخ المختلفة (حوالي 100 نسخة)، وبعض نسخه في بعض الأعراق تكون سريعة الاستقلاب، وبعضها بطيئة الاستقلاب، وهذا يؤثر كثيرا على فعالية الدواء، فيكون تأثير الدواء إما قويا وشديدا في بعض النسخ والأعراق، أو قد يكون بطيئا وضعيفا في نسخ وأعراق أخرى، وهو ما قد يسبب زيادة في الأعراض الجانبية لبعض الأعراق، وربما قلة فعالية في بعض الأعراق الأخرى.
والشيء المهم في هذا الموضوع أن كثيرا من الأدوية المهمة والدارجة يتم استقلابها بهذا الجين، مثل كثير من أدوية القلب وأدوية الخفقان والأدوية النفسية وغيرها، وهذا التأثير لا يمكن إنكار أثره الواضح.
أمثلة كثيرة
من الأمثلة أيضا على الأدوية التي يتم استقلابها من خلال الجين CYP2D6، أدوية مهبطات البيتا، وهي أدوية شائعة تستخدم للقلب والضغط، وأدوية مضادات الاكتئاب، وأدوية مضادات عدم انتظام ضربات القلب والمسكنات، وعدد من الأدوية النفسية، وغيرها كثير.
ويمكن تصنيف البشر إلى 4 مجموعات رئيسة تقريبا على حسب نشاط ونسخة الجين CYP2D6، وذلك وفق التالي:
1ـ مجموعة استقلاب فائق السرعة
2ـ مجموعة استقلاب طبيعي
3ـ مجموعة استقلاب متوسط
4ـ مجموعة استقلاب ضعيف أو غير فعال.
فمثلا بعض نسخ الجين التي يصاحبها ضعف شديد في الوظيفة تكون منتشرة في الآسيويين، وتقل جدا في الناس الذين تعود أصولهم إلى شمال أوروبا.
وقد يصل ضعف الوظيفة في بعض نسخ الجين إلى 45% في الآسيويين، بينما لا يتجاوز حوالي 2% من المنحدرين من شمال أوروبا.
من الأمثلة المعروفة كذلك اختلاف تأثير مادة الكودين المسكنة على الأشخاص بناء على خلفياتهم العرقية، فنجد أن الجين من النسخة عالية الاستقلاب والتي قد تؤدي إلى سمية المورفين توجد بنسبة 28% في العرب وفي أناس شمال إفريقيا، بينما الجين عالي الاستقلاب فقط 10% في البشر ذوي الأصول القوقازية، و3% فقط في الأفارقة الأمريكيين.
حساسية الأفارقة
مثال آخر لعلاج يستخدم بكثرة حول العالم، هو الوارفارين، أو مسيل الدم، كما يطلق عليه العامة، والاستجابة له تكون عادة من خلال جينات مثل CYP2C9 VKORC11، وقد وجد أن المرضى من أصول إفريقية قد تكون لديهم حساسية زائدة منه، مما يتطلب جرعات أعلى لتحقيق فائدة علاجية، بينما بعض المرضى خصوصا من أصول آسيوية تكون لديهم قلة تحسس للمسيل، ويحتاجون عادة جرعة أقل.
وهذا ينطبق على الأدوية الأخرى، فإن عدم وصف بعض الأدوية بناء على التنوع الجيني والعرقي للشخص يؤدي إلى أعراض جانبية على المرضى، أو يسبب قلة فعالية أو زيادة سمية للدواء.
خطورة التكوين
إضافة للأمثلة السابقة على فعالية الأدوية تجاه جينات وقلة فعاليتها تجاه جينات أخرى، فإن بعض الأدوية مثل كاربامازبين، وهو أحد علاجات الصرع والتحكم بالتشنجات تزيد خطورتها بالنسبة للمرضى من أصول آسيوية بسبب تكوينهم الجيني، وقد يصل إلى 172 ضعفا بالنسبة لهم، وهذا قد يؤدي إلى زيادة الإصابة بمتلازمة ستفينز جونسون، وهي متلازمة خطيرة، يطلق عليها تقشر الأنسجة والبشرة التسممي، بينما استخدام علاج مثل الثايوبورين وهو أحد علاجات سرطانات الدم في المرضى من أصول آسيوية، فإن النسبة ترتفع بسبب تكوينهم الجيني إلى 620 ضعفا، مما قد يسبب كبت وكبح نخاع العظم، لذلك يفضل استخدام أدوية بديلة عنه.
فروقات واضحة
على مستوى المنطقة العربية وشمال إفريقيا، وعلى الرغم من التشابه في بعض الخصائص الجينية بين السكان فيها، إلا أن هناك فروقات ملحوظة في جين CYP2D6 وهذه الفروق تختلف باختلاف نسخة الجين، فهناك زيادة في بعض النسخ (عالية الاستقلاب) في شمال إفريقيا والجزائر مثلا، ومتوسطة في السعودية، وتقل جدا في مصر كمثال.
وفي المقابل فإن نسخا من الجين التي قد (لا تعمل) تجدها قليلة إلى حد ما في السعودية ولكنها تزيد في مصر، بينما نسخ الجين (ضعيفة العمل) تزيد في الأردن مثلا وتقل في فلسطين وتندر في الجزائر.
أما الجزيرة العربية وخصوصا السعودية فتوجد نسخة معينة معروفة من النوع (ضعيفة العمل) تكثر في السعودية ومن ثم الإمارات، وهذه النسخة من الجين بين السكان السعوديين أعلى نسبة منها، مقارنة بالسكان الآخرين، مثل الصينيين والمكسيكيين والقوقازيين لكن تنخفض إلى أقل من النصف في الجزائر مثلا، وهكذا دواليك.
تأثر النظام الصحي
مع كل ما مضى، هل الموضوع مجرد حصر في مجموعات عرقية معينة، أم أن له تأثيرًا على النظام الصحي ككل؟
الدراسات تشير إلى أن هناك عدة أدوية درج استخدامها للمرضى بينما فعاليتها تتراوح بين (50 - 75%) فقط.
والدراسات تشير في أوروبا إلى أن (3.5 - 6.5% من المرضى) يتم إدخالهم إلى المستشفى بسبب مضاعفات للأعراض الجانبية للأدوية أو (التفاعلات الضارة للأدوية)، بينما حتى المرضى المنومين داخل المستشفيات لا يسلمون من ذلك، فهناك حوالي 15% من المنومين أنفسهم قد يتعرضون إلى أعراض جانبية من الأدوية المعطاة لهم.
في 2015 خلص بيان المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية في بريطانيا (نايس)، إلى نتيجة أن 72% من الأعراض الجانبية يمكن تفاديها لو تمت الإجراءات اللازمة، وهذه التفاعلات الدوائية الضارة تكلف بريطانيا وحدها حوالي 500 مليون جنيه إسترليني.
طرق العلاج
تختلف طريقة العلاج ووصف العلاج المناسب بناء على العرق والأصول، وليست فقط المشكلة في الأعراض الجانبية وحدها.
وكمثال على اختلاف طريقة العلاج، أظهر عدد من الدراسات أن الأمريكيين من أصل إفريقي يستجيبون بشكل أقل إيجابية للعلاج الأحادي بحاصرات بيتا مقارنة بالبيض، وبسبب التكوين الجيني يتم تخفيف فعالية حاصرات بيتا لدى الأمريكيين من أصل إفريقي، ويرجع ذلك على الأرجح إلى انخفاض نشاط الرينين في البلازما.
بالمقابل، لوحظ انخفاض أكبر في ضغط الدم وإطلاق الرينين في البلازما استجابةً للبروبرانولول لدى الرجال الصينيين مقارنة بالرجال البيض في الولايات المتحدة.
كما لوحظت أيضًا اختلافات سكانية في الاستجابة لمثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات مستقبلات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ARBs) مشابه لضعف الاستجابة لحاصرات بيتا، وتكون مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين وحاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين أقل فعالية لدى الأمريكيين من أصل إفريقي مقارنة بالبيض، وعلى العكس من ذلك لوحظ أن المرضى من أصل إفريقي يستجيبون بشكل أفضل لمدرات البول مقارنة بالبيض.
عوامل أخرى
لا تلعب الجينات فقط دورا في كيفية الاستجابة للأدوية، بل هناك عوامل أخرى مثل ما فوق الجينات وعوامل بيئية وغذائية مختلفة وكلها تختلف من مجتمع إلى آخر.
لذلك، فإن شركات الأدوية، مدعوة إلى الاعتراف بأهمية التنوع العرقي في تطوير الأدوية وتحديد الجرعات. ويجب أن تعكس الأبحاث والتجارب السريرية التنوع الجيني للسكان الذين سيستخدمون هذه الأدوية.
من هنا يمكن القول إنه في المستقبل، ستُعد كتابة الوصفات الطبية دون الاستناد إلى نتائج الفحص الجيني - الدوائي خطأً طبيًا وسوء ممارسة، نظرًا لأهمية التحليل الجيني في تحديد العلاج المناسب لكل فرد.
توصيات لفعاليات أفضل للأدوية
ـ إجراء دراسات سريرية تشمل مشاركين من خلفيات عرقية متنوعة
ـ تحليل البيانات الجينية لفهم كيف يمكن للتنوع العرقي أن يؤثر على استجابة الأدوية
ـ تطوير الأدوية بناءً على الاحتياجات العلاجية للمجتمعات المتنوعة
ـ توفير معلومات واضحة حول كيفية تأثير الجينات على فعالية وسلامة الأدوية.
توصيات للقطاع الصحي والمستشفيات
ـ دعوة المستشفيات والمؤسسات الطبية إلى دمج الفحوصات الجينية في نظام الرعاية الصحية لتحسين النتائج العلاجية.
ـ يفضل أن تشمل الفحوصات
1ـ التقييم الجيني للمرضى قبل وصف الأدوية
2ـ تحديد الجرعات بناءً على المعلومات الجينية لضمان الفعالية وتقليل المخاطر
3ـ التوعية الطبية حول أهمية الفحوصات الجينية للمهنيين الصحيين
4ـ التعاون مع الخبراء والمختصين في الجينات والجينومكس لتفسير النتائج وتطبيقها بشكل صحيح.