علي الشريمي

ولأن ذاكرتي ليست مثقوبة، ما زلت أتذكر ردود الأفعال عبر مواقع التواصل الاجتماعي إبان جرائم القتل التي حدثت في السنوات الماضية من قبل العاملات المنزليات في السعودية، وكيف انطلقنا حينها نكيل الاتهامات ليس فقط لهذه العاملة المجرمة، ولكن لشعبها بأكمله، متهمين إياهم بأوصاف تخرجهم عن الآدمية، ولم نفكر لحظة في دورنا في هذه الأحداث. كنت أتساءل وقتها عن دور الإعلام وحقوق الإنسان في تغيير هذه الذهنية! اليوم جاءت المبادرة الرائعة من وزارة الإعلام، والتي ستنطلق غدا الأربعاء، عن «تعزيز التواصل مع المقيمين» وهي إحدى مبادرات برنامج «جودة الحياة» لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. هذه المبادرة الإعلامية تكرس في واقعها تعزيز قيم حقوق الإنسان والتي تسهم في بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، ولعل شعار المبادرة (انسجام عالمي) لهو خير شاهد على ما نقول. هذه المبادرة تسعى إلى تسليط الضوء على حياة المقيمين وما يتمتعون به من حقوق، ما يشكل خطوة رائدة نحو تعزيز الإيجابية والانفتاح على الثقافات المختلفة بإيجاد بيئة حاضنة تسهم في تمكين المقيمين من المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز شعور الانتماء لديهم، وهو الأمر الذي يؤثر بشكل إيجابي في استقرار المجتمع وتنوعه.

تتجلى حقوق الإنسان في وجوب التأكيد على أن لكل مقيم الحق في حياة كريمة تتميز بالاحترام والتقدير، وتشمل هذه الحقوق الحق في العمل، والحق في التعليم، والحق في التعبير والتجربة الثقافية. ومن خلال الممارسات العملية التي تشمل تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية والمعارض المتنوعة، وتوفير الفرصة أمام المقيمين لتبادل ثقافاتهم وتجاربهم، ما يسهم في تعزيز الوعي المتبادل بين الجنسيات المختلفة. علاوة على ذلك، تمثل احترام حقوق الإنسان دعامة رئيسة لتحقيق التوازن الاجتماعي. فكلما زادت مساحات التفاعل بين المواطنين والمقيمين، كلما تعززت روح التضامن والتعاون. وتمثل الفعاليات الحديثة التي تستهدف ثقافات متعددة من خلال عروض فنية وغنائية وحرف يدوية تجسيدًا لهذا التعاون، والتي تهدف إلى إبراز جوانب التنوع الثقافي ومساهماته في بناء مجتمع أكثر تلاحمًا. إن تعزيز حقوق الإنسان ليس مجرد واجب أخلاقي، بل يُعد ضرورة اقتصادية أيضًا. فالمقيمون، بمساهماتهم الفعّالة في مختلف القطاعات، يسهمون بصورة مباشرة في تعزيز الاقتصاد الوطني. وعندما تتاح لهم الفرص للتعبير عن ثقافاتهم والمشاركة في الحياة الاجتماعية، ينعكس ذلك إيجابًا على جودة الحياة في المملكة، ويصبح ترسيخ الحقوق جزءًا لا يتجزأ من رؤية المملكة 2030. في الختام، إن التعزيز الحقيقي لحقوق المقيمين يتطلب جهدًا جماعيًا ووعيًا مجتمعيًا، إضافة إلى استدامة الفعاليات التي تُعتبر جسورًا للتواصل والانفتاح.