فهد عريشي

خلال حضوري لإحدى ندوات معرض الكتاب الأخير بالرياض، طرحت المحاورة الدكتورة نورة القحطاني سؤالًا على أستاذ اللغة العربية في جامعة بكين (الدكتور فو جيمن)، حول الفروقات بين الإبل في السعودية والصين، وهو سؤال أثار فضولي حول دور هذا الكائن التاريخي في الحضارات المختلفة.

جاء رد الدكتور فو، ليكشف عن الفروق الدقيقة التي تميز الإبل في البلدين، ليرسم صورة أعمق لعلاقة الإنسان بالإبل عبر العصور، ودورها في تشكيل ملامح التاريخ الاقتصادي والثقافي لكل منهما. أوضح الدكتور فو، أن الإبل في السعودية ذات سنام واحد وفي الصين ذات سنامين.

الإبل العربية التي تتنوع سلالاتها، تمتاز بقدرتها الفائقة على التكيف مع بيئة الصحراء الجافة ودرجات الحرارة العالية، ما جعلها الرفيق الدائم للبدو في تنقلاتهم، وساهمت في جعلها وسيلة رئيسة للتنقل والتجارة بين مناطق الجزيرة العربية. وذكر أن الإبل السعودية تحمل خصائص تُسهم في قدرتها على التحمل لفترات طويلة من الجوع والعطش، فضلًا عن تكوين جسدي يمكّنها من السير بسرعة لمسافات طويلة، ما جعلها بحق (سفن الصحراء). في المقابل، الإبل في الصين، وهي من سلالة الإبل ذات السنامين، تختلف في بنيتها ووظائفها. فقد نشأت هذه السلالة في بيئة جبلية باردة، ما جعلها أكثر قدرة على التكيف مع درجات الحرارة المنخفضة والثلوج. وتعد هذه الإبل، بفضل سناميها اللذين يخزنان الطاقة والدهون، أكثر تحملًا للبرد والمشقة، وهو ما جعلها الخيار الأمثل للرحلات الطويلة التي كانت تقطعها القوافل عبر طريق الحرير. كما أن الإبل الصينية كانت عنصرًا أساسيًا في التجارة بين الشرق والغرب، حملت البضائع مثل الحرير، والشاي، والتوابل، وعبرت بها التضاريس الجبلية الوعرة، لتصل إلى أسواق آسيا الوسطى والشرق الأوسط. ولها دورها الثقافي للإبل في الأدب والموروث الشعبي لكلا البلدين. في الأدب العربي، ظهرت الإبل كرمز للصبر والتحمل، وتغنى بها الشعراء منذ عصر الجاهلية حتى اليوم، كما في قصائد امرئ القيس وعنترة بن شداد، حيث ارتبطت الإبل بصورة الرحلة الطويلة في الصحراء وما تحمله من معاناة وشوق. ولطالما رمزت الإبل في المخيال العربي إلى الوفاء والقوة، واعتبرها العرب رفيقًا لهم في أسفارهم الموحشة، وقد ترددت هذه الرمزية في معظم النصوص الأدبية والشعرية، ما جعلها جزءًا من الهوية الثقافية للأدب العربي. أما في الأدب الصيني، فقد ارتبطت الإبل بالسفر والترحال، لكنها اكتسبت رمزية مختلفة. فقد ظهرت في الحكايات الشعبية الصينية رفيقة للتجار الذين يجوبون الصحاري والجبال، وساعدتهم على تخطي المخاطر والصعاب. تناولت النصوص الصينية القديمة قصص قوافل الإبل التي تجوب مسافات شاسعة، محمّلة بالبضائع والأحلام، لتصبح الإبل رمزًا للاستكشاف والمغامرة، ولتوثيق علاقات الصين مع جيرانها في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. إضافة إلى الدور الأدبي، فقد كانت الإبل جسرًا للتواصل بين الحضارات عبر طريق الحرير، حيث ساهمت في نقل المعارف بين الشرق والغرب. على ظهورها، تنقلت المخطوطات الفلسفية والطبية من بلاد العرب إلى الصين، وعادت بالعلوم الصينية في الرياضيات والطب والفلك، ما جعلها جزءًا من تاريخ التبادل المعرفي والثقافي بين العالمين. من بغداد إلى كاشغر، ومن صحراء الربع الخالي إلى جبال شينجيانغ، لعبت الإبل دورًا حاسمًا في تعزيز هذه الروابط.

الإبل، على الرغم من اختلاف سلالاتها واستخداماتها بين السعودية والصين، كانت عنصرًا حاسمًا في بناء الحضارات. لم تكن مجرد وسيلة نقل، بل شكلت رافدًا مهمًا من روافد الاقتصاد والثقافة. وجودها في طريق الحرير جعلها شاهدًا حيًا على تفاعل الثقافات والشعوب، ومساهمًا في رسم معالم التواصل الحضاري على مر العصور. لذلك، يمكن القول إن الإبل، سواء في صحراء السعودية أو جبال الصين، لم تكن مجرد حيوان عادي، بل رمزًا للتحدي والصمود في وجه الظروف، وجسرًا للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب.