يشارك الناقد الدكتور عبدالله الغذامي، في مقالة أخيرة، سيدة أوكرانية احتجاجها على الصراع حول الأرض، وهو يستدعي احتجاجها على الحرب في بلادها حين تقول: هنالك أرض تكفي للجميع، يشعر الغذامي بكثير من الألفة مع هذه الصرخة كما يصفها، فهي برأيه صرخة إنسانية، تصح في حرب أوكرانيا كما تصح في حرب غزة، السيدة العجوز كأنها قدمت مفتاحا لموقف يكفيه الانحياز لفريق ضد آخر في الأحداث الجارية. فكما تدين السيدة روسيا وأوكرانيا دون فرق، يجد الغذامي نفسه يدين كل المتخاصمين على الأرض فكل فريق يدعي حمايتها، والقول له، لكنه يفسدها في حقيقة الأمر.
مفهوم ما تذهب إليه السيدة الأوكرانية وهي في ارتباكات العمر، وتعب الحياة، عباراتها مأخوذة من معجم الحيرة، ورغبة الخلاص، بينما الغذامي الأكاديمي الذي أشبع النصوص تفكيكا ونقدا، وهو يترحل بين المدارس والمناهج النقدية خلال عقوده الطويلة لا أظن أنه يفضل الركون إلى التبسيط في فهم متواليات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فحتى هذه الأرض التي تكفي للجميع تختلف تعريفاتها وحدودها بين المتخاصمين، سردياتها ومجازاتها، الأمر الذي يعزز من استمرار فرص الصراع في الحاضر والمستقبل كما كان في الماضي.
هي حرب «المعاني» إذا شئنا أن نستعير من الغذامي عباراته وهو يلوح لوجود «عملية خطف المعاني»، لكنها ليست بنحو المتاجرة دائما، فالأرض الوطن بالنسبة للفلسطيني في غزة هو مساحة محتلة، جرى تحويلها إلى سجن كبير، عبر ممارسات لا تختلف عن ممارسات الفصل العنصري البغيضة التي عرفتها جنوب إفريقيا، هذه صورة الأرض كما تصفها الممارسات الإسرائيلية، قبل اتفاق أوسلو وبعده، وهذه واحدة من جذور الأزمة، الحرب على صورة «الوطن» التي يريدها الفلسطيني والعمل على تجريفها، فالأرض ليست التراب بل المعاني التي تؤسس لها الشراكة في هذا التراب، والاعتراف الذي يهبه قوة الوجود، وكل تهديد لهذه الصور هو دعوة للانخراط في حروب رمزية وحروب مادية من أجل السيادة على الأرض، واستعادة الوطن المحاصر على الأرض وفي السرديات الإسرائيلية.
هذا الحصار الدائم في غزة، وذاك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والتفتيت لهذا الجزء الصغير المتبقي للدولة الفلسطينية المتخيلة هو ما يهيئ دائما الأسباب لدورة العنف، والتي تواجهها آلة الحرب الإسرائيلية في كل مرة بكثير من الوحشية، وحشية تكشف عن الرغبة في تدمير كل الآمال الفلسطينية وإحالتها إلى مجرد شعارات للتفاوض في كل مرحلة، فالسلام الذي تلوح به إسرائيل منذ عقود، وكانت أوسلو بوعودها التي استحالت إلى وهم باتفاق الفرقاء في هذه القضية، يشبه برأي المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه قطارا يدهس الجميع على طول الطريق وهو يتجه نحو ما يسمى السلام!
باعتقادي أن هنالك هشاشة في فهم الأسباب والدوافع لطبيعة النزاع حول الأرض في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهشاشته تتأتى من تبسيط بنية الصراع، والنظر إليها باعتبارها تنازعا على حدود مساحة جغرافية وهي مسألة قابلة للتسوية بالتصالح وتقاسم الأرض، بينما هي في الواقع صراع بين عقلية استعمارية لفظها التاريخ، وبين جماعة إنسانية تتمسك بهويتها وأرضها، وإلا لا تفسير لكل حروب الإبادة وصور المجازر الفظيعة التي عرفها الصراع، وكانت الدليل على أن جهود إقامة الدولة الإسرائيلية لا تكتمل إلا بمصادرة الهوية العربية عن الأرض.
ويبقى السؤال الذي لا نعرف له طريقا في مقالة الغذامي: هل تكفي الأرض حقا للجميع، بمن فيهم اللاجئون الذين خصهم قرار الأمم المتحدة رقم 194 بحق العودة، وأصبحوا اليوم أجيالا بالملايين؟ هل مساحة 11 % من أراضي فلسطين المقترحة للدولة الفلسطينية ستحل القضية، في وقت تستمر فيه الممارسات المنهجية في مصادرة الأراضي وتهجير المدنيين؟
مفهوم ما تذهب إليه السيدة الأوكرانية وهي في ارتباكات العمر، وتعب الحياة، عباراتها مأخوذة من معجم الحيرة، ورغبة الخلاص، بينما الغذامي الأكاديمي الذي أشبع النصوص تفكيكا ونقدا، وهو يترحل بين المدارس والمناهج النقدية خلال عقوده الطويلة لا أظن أنه يفضل الركون إلى التبسيط في فهم متواليات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فحتى هذه الأرض التي تكفي للجميع تختلف تعريفاتها وحدودها بين المتخاصمين، سردياتها ومجازاتها، الأمر الذي يعزز من استمرار فرص الصراع في الحاضر والمستقبل كما كان في الماضي.
هي حرب «المعاني» إذا شئنا أن نستعير من الغذامي عباراته وهو يلوح لوجود «عملية خطف المعاني»، لكنها ليست بنحو المتاجرة دائما، فالأرض الوطن بالنسبة للفلسطيني في غزة هو مساحة محتلة، جرى تحويلها إلى سجن كبير، عبر ممارسات لا تختلف عن ممارسات الفصل العنصري البغيضة التي عرفتها جنوب إفريقيا، هذه صورة الأرض كما تصفها الممارسات الإسرائيلية، قبل اتفاق أوسلو وبعده، وهذه واحدة من جذور الأزمة، الحرب على صورة «الوطن» التي يريدها الفلسطيني والعمل على تجريفها، فالأرض ليست التراب بل المعاني التي تؤسس لها الشراكة في هذا التراب، والاعتراف الذي يهبه قوة الوجود، وكل تهديد لهذه الصور هو دعوة للانخراط في حروب رمزية وحروب مادية من أجل السيادة على الأرض، واستعادة الوطن المحاصر على الأرض وفي السرديات الإسرائيلية.
هذا الحصار الدائم في غزة، وذاك التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والتفتيت لهذا الجزء الصغير المتبقي للدولة الفلسطينية المتخيلة هو ما يهيئ دائما الأسباب لدورة العنف، والتي تواجهها آلة الحرب الإسرائيلية في كل مرة بكثير من الوحشية، وحشية تكشف عن الرغبة في تدمير كل الآمال الفلسطينية وإحالتها إلى مجرد شعارات للتفاوض في كل مرحلة، فالسلام الذي تلوح به إسرائيل منذ عقود، وكانت أوسلو بوعودها التي استحالت إلى وهم باتفاق الفرقاء في هذه القضية، يشبه برأي المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه قطارا يدهس الجميع على طول الطريق وهو يتجه نحو ما يسمى السلام!
باعتقادي أن هنالك هشاشة في فهم الأسباب والدوافع لطبيعة النزاع حول الأرض في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهشاشته تتأتى من تبسيط بنية الصراع، والنظر إليها باعتبارها تنازعا على حدود مساحة جغرافية وهي مسألة قابلة للتسوية بالتصالح وتقاسم الأرض، بينما هي في الواقع صراع بين عقلية استعمارية لفظها التاريخ، وبين جماعة إنسانية تتمسك بهويتها وأرضها، وإلا لا تفسير لكل حروب الإبادة وصور المجازر الفظيعة التي عرفها الصراع، وكانت الدليل على أن جهود إقامة الدولة الإسرائيلية لا تكتمل إلا بمصادرة الهوية العربية عن الأرض.
ويبقى السؤال الذي لا نعرف له طريقا في مقالة الغذامي: هل تكفي الأرض حقا للجميع، بمن فيهم اللاجئون الذين خصهم قرار الأمم المتحدة رقم 194 بحق العودة، وأصبحوا اليوم أجيالا بالملايين؟ هل مساحة 11 % من أراضي فلسطين المقترحة للدولة الفلسطينية ستحل القضية، في وقت تستمر فيه الممارسات المنهجية في مصادرة الأراضي وتهجير المدنيين؟