حمزة شحاتة

أنكر صديق لي أني أديب وشاعر؛ وقال إني فيلسوف، وهو يعرف أني لا أدعي الفلسفة جهلا بها.

وهكذا غدوت بلا موقف؛ إلا موقف مسؤوليتي الضئيلة «كمخلوق» مسن؛ محكوم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ؛ ليؤدي ضريبة السن الثقيلة، في بقية عمره المجدبة. هذا الصديق من أبر أصدقائي، وأعرفهم بي، وأحبهم إلى صواب رأيي، وعمق معرفة، وصدق سريرة، وطهارة وجدان، والتزاما للحق، وجهرا به أحسن الله إليه؛ فقد حط عن عاتقي الموهون عبئا ما كان أحوجني إلى التخفف منه؛ منذ تجشم الناس لي، وتجشمت لهم؛ تلك المشقة في ما لم تتحقق به لنا معا أية جدوى ـ آمين.

***

بعد الخمسين لا يكون أمام الرجل غير الندم.. الندم على أنه لم يطلق لنفسه من قبل عنان شهواتها.. أو على أنه أطلق لها عنان شهواتها.

وللمرأة نفس الدور؛ ولكن قبل الأربعين.

أما المتزوجون فندامتهم على الزوجية فقط.

تجديف..

أليس في الوسع القضاء على شعار العمل للأجيال القادمة؟ هذا الشعار البالي من القدم.. الحلم الكبير الذي لم يكتب له قط أن يتحقق لجيل من الأجيال قبلنا على نحو ثابت. إن الأنبياء كانوا منطقيين.. إنهم بثوا الإيمان في قلوب جماهيرهم بأن الحياة عمل شاق، ومتاعب، وكدح مرير. جزاء احتمالها جنة الخلود في العالم الآخر.

***

كلتاهما تشكل خطرا مباشرا على عقلك: المرأة التي تحبها والمرأة التي تحبك، ولا سبيل لتوقي الجنون في الحالتين إلا بمعجزة خارجية.

***

هناك حكمة في كل اصطلاح.. فشهر العسل فترة ضرورية لتخفيف آثار الصدمة.. كما أن فترة الخطوبة اختبار لقدرة الزوجين على الخداع، والصبر؛ باعتبارهما ضمانا لمد أجل العِشرة بعد الزواج وقتا يكفي لإنتاج الأطفال الذين يصنعون التسوية الجبرية للعلاقة إن لم تسبقهم إليها المحكمة بطريقتها المألوفة في علاج المعضلات.

النذالة.. والتسامح..

في الحياة الزوجية؛ لا يضع حدا حاسما للأمور؛ إلا نذالة الرجل، أو تسامحه. وهنا لا معدى عن أن ترتفع النذالة إلى مستوى التسامح، أو ينحط التسامح إلى مستوى النذالة.

هذا مغلق.

1959*

شاعر وأديب سعودي «1909 – 1972».