صفوق الشمري

من أبرز المعوقات التي تواجه القطاع الصناعي الخاص في المملكة هي قلة الإبداع والتطوير والأبحاث. العديد من الشركات تفضل الربح السريع على حساب الاستثمار في البحث والتطوير، ما يؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية على المدى الطويل، وفي الوقت الذي يتنافس فيه العالم الصناعي على الابتكار والتطوير، تظل بعض الشركات السعودية عالقة في نمط تقليدي لا يتماشى مع متطلبات السوق العالمية.

لن أتكلم عن الصناعات المعقدة والمتطورة تقنيا مثل التكنولوجيا الحيوية رغم انه مجالنا لأننا ذكرنا ذلك في مقالات سابقة لكن سأتكلم عن صناعة محببة ومعروفة للجميع ولي شخصيا كمستهلك ومهتم ولنأخذ صناعة العطور كمثال. هذا المجال، رغم بساطته الظاهرة، يعكس بوضوح مشكلة الإبداع في الصناعة السعودية! العود، الذي يعتبر من أهم مكونات العطور في الثقافة السعودية، لم يتم استغلاله بشكل إبداعي من قبل الشركات المحلية. بالرغم من أن العود كان موجودًا في السوق السعودي لعقود، إن الشركات المحلية لم تطور منتجاتها لتتناسب مع الأذواق العالمية.

في عام 2007 أدخل المصمم ( توم فورد) العود إلى عطوراته، ما جعلها ترندًا عالميًا في الفخامة والرقي.

هذا الابتكار جذب انتباه العالم إلى العود، وأصبح الناس في الغرب والشرق يستسيغون رائحته بفضل الطريقة المبدعة التي قدم بها. تبع ذلك العديد من المصممين العالميين، سواء من الماركات العالمية أو عطور النيش، مما جعل العود رمزًا للفخامة والثراء.

وأيضًا المصمم الفرنسي الشهير فرانسيس (كوكرجيان) كان له دور كبير في إدخال العود إلى العطور الراقية. بفضل خلفيته الأرمنية اللبنانية، استطاع كوكرجيان تقديم العود بطريقة راقية ومبدعة تناسب جميع الأذواق. هذا الابتكار جعل عطور العود الغربية دليلًا على المكانة والثراء، وأصبحت تُشمّ عند كبار رجال الأعمال في الغرب والشرق أثناء اللقاءات والاجتماعات. تصوروا صار الناس يشترون منتجات العود وعطوره من أسماء غربية بينما هو موجود في الثقافة والتراث السعودي منذ عقود !. وحتى بعض الشركات الخليجية طورت نفسها مع الوقت، ومن يعمل بجد يصل، حتى لو بدأ صغيرًا فهناك شركة عمانية اشتغلت على نفسها وباحترافية وجلبت مصممين عالميين والآن أصبحت من اشهر بيوت عطور النيش ولها معجبيها في الشرق والغرب !

للأسف، تظل عقلية بعض الشركات في السوق المحلية محصورة وتقليدية، وتهدف إلى الربح السريع دون إبداع أو ابتكار. رغم أن بعض العطور المحلية قد تكون جيدة، إلا أنه لا يوجد عمل مدروس ومحترف لجعلها عالمية وللتصدير. ويجب أن تتبنى الشركات السعودية الخاصة استراتيجية دولية قابلة للانتشار، تشمل الاستثمار في البحث والتطوير، والتعاون مع مصممين عالميين، والتسويق الفعال على المستوى الدولي.

تعكس مشكلة الإبداع في صناعة العطور السعودية واقعًا مشابهًا في العديد من القطاعات الأخرى، سواء كانت معقدة أو متطورة. بصراحة، لا يوجد إبداع ملموس وعالمي حاليًا إلا في شركات صندوق الاستثمارات العامة، لأنها بنيت على أساس الإبداع والتميز والمعايير العالمية.

قبل سنوات، كتبت واخترت الشركة الأولى في المملكة، ولم اختر أرامكو أو سابك كما توقع البعض. وذكرت شركة كانت ليست بتلك الشهرة في وقتها للقارئ العادي، وهي ( أكوا باور)!، أكوا باور لأنها نافست عالميًا ونجحت في عشرات الدول قبل أن تدخل بقوة إلى السوق المحلية. هذا النجاح يعكس أهمية الإبداع والابتكار في تحقيق التميز العالمي. وكنت أتمنى أن يحذو القطاع الخاص في المجالات الأخرى كما فعلت أكوا باور!

أحد الأسباب المحتملة لكسل بعض رواد الصناعة السعوديين قد يكون الاستكانة للراحة أو تأثير قطاع العقار الذي أثر سلبًا في الإبداع بالصناعات الأخرى. الصناعي قد يتساءل: لماذا أتعب وأبدع واستثمر في الأبحاث والتسويق بينما يمكن للعقاري أن يجلس مرتاحًا ويربح أضعاف ما يربحه الصناعي؟، الله يعين وزارة الصناعة !!

ربما لن ينهض القطاع الصناعي الخاص كما نأمل، رغم الدعم غير المحدود من الدولة والتسهيلات، إلا إذا أدرك الصناعيون مكانتهم وتم تحجيم تأثير قطاع العقار. يجب أن يكون هناك توازن بين القطاعات المختلفة لضمان تحقيق التنمية المستدامة والابتكار في جميع المجالات.

الصناعة السعودية للقطاع الخاص بحاجة إلى تغيير جذري في نهجها نحو الإبداع والتطوير. ويجب على الشركات أن تدرك أن الربح السريع ليس مستدامًا، وأن الاستثمار في البحث والتطوير هو السبيل الوحيد للبقاء في المنافسة العالمية. ومن خلال تبني استراتيجيات مبتكرة.

إن الصناعة السعودية بحاجة إلى نهج جديد يركز على الإبداع والتطوير. يجب على الشركات أن تستفيد من الدعم الحكومي والتسهيلات المتاحة لتبني استراتيجيات مبتكرة تضمن لها التميز على المستوى العالمي. فقط من خلال هذا النهج يمكن للصناعة السعودية أن تحقق النجاح المستدام وتصبح رائدة في مختلف المجالات.