في المشهد المتطور باستمرار للأدب وإنشاء المحتوى، يمكن أن تدفع الرغبة في الاعتراف، الأفراد، إلى سلوكيات غير عادية. ومن بين هؤلاء، نجد مجموعة فرعية من الكتاب الذين، على الرغم من افتقارهم إلى المهارات الراقية التي يتمتع بها أقرانهم، مصممون على أن يُرى ويُعترف بهم، وغالبًا ما يلجأ هؤلاء الكتاب إلى إستراتيجيات غير تقليدية، وأحيانًا تقترب من التدابير اليائسة، لنحت مكانهم في سوق مزدحمة.
ففي عالم يفيض بالمحتوى، يعد التميز تحديًا هائلًا، وغالبًا ما يواجه الكتاب المتواضعون الواقع القاسي المتمثل في أن الموهبة وحدها لا تضمن الظهور، خاصة أنه مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الذاتي، انخفضت حواجز الدخول، ما أدى إلى تدفق الأصوات المتنافسة على الاهتمام، وبالنسبة للعديد من الناس، يولد هذا التشبع شعورًا بالإلحاح واليأس.
للحصول على التقدير، قد يتبنى بعض الكتاب إستراتيجيات استفزازية. وقد يشمل ذلك آراء مثيرة للجدل، أو حتى الدخول في مشاحنات عبر الإنترنت لجذب الانتباه. أما الترويج الذاتي فهو طريق آخر قد يتم اتخاذه، ففي حين أن تسويق الذات أمر ضروري في بيئة اليوم، فإن الخط الفاصل بين الترويج الصحي والتضخيم الذاتي العدواني يمكن أن يتلاشى بسهولة؛ بمعنى أنه قد يغمر الكتاب المتواضعون وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات حول عملهم، ويبحثون باستمرار عن التحقق من خلال الإعجابات والمشاركات، وهذا السعي الدؤوب يمكن أن يؤدي إلى التنفير مما يصل بالكاتب إلى حلقة مفرغة من خيبات الأمل.
ومنهم من قد يقوم بالانتحال أو تقليد الكتاب الناجحين، وبدلًا من تنمية الأداء المتفرد، يختارون التقليد، معتقدين أنه إذا تمكنوا من تكرار ما ينجح، فسوف يكتسبون الاعتراف أيضًا، وهذا لا يقوض مصداقيتهم فحسب، بل يساهم أيضًا في خفض قيمة المحتوى المتداول.
ومن قصص هذه النوعية من الكتاب والتي تحتاج للرجوع إلى المراجع حتى تتضح الرؤية وقراءة المشهد كما ينغي له أن يقرأ، حادثة الكاتب والشاعر الألماني «أوسكار ماريا جراف» وهو كاتب اشتراكي يساري ألماني، والذي لم يجد أعماله ضمن قائمة الكتب التي تم إحراقها في بداية الحقبة النازية، فكتب رسالة الاعتراض طالبا من الجرائد أن تنشرها، حيث قال ساخرًا إنه شهد العديد من نعم النظام الجديد. فخلال غيابه العرضي عن ميونيخ، صادرت الشرطة مخطوطاته وأوراقه التجارية وكتبه، التي وُصِفَت بأنها جاهزة للحرق، (وهذا الخبر يتعارض تمامًا مع وضع أعماله في القائمة البيضاء)، واضطر إلى ترك منزله وعمله وأرضه الأصلية لتجنب معسكرات الاعتقال. ولكن ما أثار دهشته هو أنه وجد اسمه مدرجًا على «قائمة المؤلفين البيضاء» في ألمانيا الجديدة، حيث تمت التوصية بكل كتبه باعتبارها تجسيدًا للروح الألمانية «الجديدة».
وأضاف أن «الرايخ الثالث» طرد كل الأدب الألماني تقريبًا، ونأى بنفسه عن الشعر الألماني الحقيقي، ودفع أغلب كتابه الأكثر أهمية إلى المنفى (هنا يقصد نفسه)، وصار من المستحيل نشر أعمالهم في ألمانيا. وأن جهل بعض الكتاب المتغطرسين والتخريب الجامح للحكام الحاليين قاموا باستئصال كل ما له أهمية عالمية من شعر وفن محلي وتم استبدال مصطلح «ألماني» بالقومية الضيقة الأفق. وكان يعتقد أنه لم يستحق مثل هذا العار وله الحق في المطالبة بتسليم كتبه إلى لهب المحرقة النقي وعدم سقوطها في أيدي وعقول عصابة القتل البنية الملطخة بالدماء.
دب الحماس بالكاتب المسرحي والشاعر الألماني «برتولد بريشت» الذي كان من حقبة الفنون الماجنة في برلين في ألمانيا؛ بمعنى من يطبل للفاشل؟ إما مستفيد وإما حاقد! المهم أنه كتب قصيدة مستوحاة من رسالة «أوسكار» يقول فيها: «عندما أمر النظام بحرق الكتب غير القانونية، حملت فرق من الثيران البلهاء عربات ضخمة محملة بالكتب إلى النيران. ثم غضب كاتب منفي، وهو أحد أفضل الكتاب، بعد أن قام بفحص قائمة النصوص المطرودة: لقد تم استبعاده ! هرع إلى مكتبه، ممتلئًا بالغضب والاحتقار، ليكتب رسائل شرسة إلى الحمقى في السلطة: احرقوني! كتب بقلمه المشتعل: ألم أكن دائمًا أنقل الحقيقة؟ والآن ها أنتم تعاملونني ككاذب ! احرقوني !»
ولو أننا على الأقل تمعنا في الأحداث لوجدنا أن «أوسكار» لم يتم نفيه، بل اختار أن يغادر البلاد، ثم إنه لم يكن من «أفضل الكتاب» بدليل أن كتبه لم تحقق نجاحًا في الولايات المتحدة أو ألمانيا، حتى بعد وفاته في عام 1967. ويذكر أيضًا في سيرته أنه انخرط في السياسة اليسارية رغم أنه لم ينضم قط إلى أي حزب سياسي، وفي عام 1933، ذهب إلى المنفى (إراديًا)، أولًا إلى النمسا، ثم إلى تشيكوسلوفاكيا وأخيرًا إلى الولايات المتحدة، وأثناء وجوده في النمسا، كتب رسالته المفتوحة (احرقوني)، وكان له ما طلب (بالطبع خوفًا منه ومن غضبه)، ونظرًا لأن ألمانيا كانت مقسمة، لم يعد إلى ألمانيا بعد الحرب، وفي النهاية أصبح مواطنًا أمريكيًا وهو الذي لم يتعلم اللغة الإنجليزية قط!
تذكرني هذه الشخصية ليس فقط بالكتاب المغمورين ممن يسعى إلى الشهرة بأي طريقة، بل وأيضًا بالشخصيات المهزوزة التي تخرج خارج حدود الوطن وتبدأ بتلفيق القصص عنه لتشد الانتباه إليها، ولكن دائمًا ما يتحولون إلى مجرد فقاعات هواء فارغة تنتهي بأول شكة دبوس.
ففي عالم يفيض بالمحتوى، يعد التميز تحديًا هائلًا، وغالبًا ما يواجه الكتاب المتواضعون الواقع القاسي المتمثل في أن الموهبة وحدها لا تضمن الظهور، خاصة أنه مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الذاتي، انخفضت حواجز الدخول، ما أدى إلى تدفق الأصوات المتنافسة على الاهتمام، وبالنسبة للعديد من الناس، يولد هذا التشبع شعورًا بالإلحاح واليأس.
للحصول على التقدير، قد يتبنى بعض الكتاب إستراتيجيات استفزازية. وقد يشمل ذلك آراء مثيرة للجدل، أو حتى الدخول في مشاحنات عبر الإنترنت لجذب الانتباه. أما الترويج الذاتي فهو طريق آخر قد يتم اتخاذه، ففي حين أن تسويق الذات أمر ضروري في بيئة اليوم، فإن الخط الفاصل بين الترويج الصحي والتضخيم الذاتي العدواني يمكن أن يتلاشى بسهولة؛ بمعنى أنه قد يغمر الكتاب المتواضعون وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات حول عملهم، ويبحثون باستمرار عن التحقق من خلال الإعجابات والمشاركات، وهذا السعي الدؤوب يمكن أن يؤدي إلى التنفير مما يصل بالكاتب إلى حلقة مفرغة من خيبات الأمل.
ومنهم من قد يقوم بالانتحال أو تقليد الكتاب الناجحين، وبدلًا من تنمية الأداء المتفرد، يختارون التقليد، معتقدين أنه إذا تمكنوا من تكرار ما ينجح، فسوف يكتسبون الاعتراف أيضًا، وهذا لا يقوض مصداقيتهم فحسب، بل يساهم أيضًا في خفض قيمة المحتوى المتداول.
ومن قصص هذه النوعية من الكتاب والتي تحتاج للرجوع إلى المراجع حتى تتضح الرؤية وقراءة المشهد كما ينغي له أن يقرأ، حادثة الكاتب والشاعر الألماني «أوسكار ماريا جراف» وهو كاتب اشتراكي يساري ألماني، والذي لم يجد أعماله ضمن قائمة الكتب التي تم إحراقها في بداية الحقبة النازية، فكتب رسالة الاعتراض طالبا من الجرائد أن تنشرها، حيث قال ساخرًا إنه شهد العديد من نعم النظام الجديد. فخلال غيابه العرضي عن ميونيخ، صادرت الشرطة مخطوطاته وأوراقه التجارية وكتبه، التي وُصِفَت بأنها جاهزة للحرق، (وهذا الخبر يتعارض تمامًا مع وضع أعماله في القائمة البيضاء)، واضطر إلى ترك منزله وعمله وأرضه الأصلية لتجنب معسكرات الاعتقال. ولكن ما أثار دهشته هو أنه وجد اسمه مدرجًا على «قائمة المؤلفين البيضاء» في ألمانيا الجديدة، حيث تمت التوصية بكل كتبه باعتبارها تجسيدًا للروح الألمانية «الجديدة».
وأضاف أن «الرايخ الثالث» طرد كل الأدب الألماني تقريبًا، ونأى بنفسه عن الشعر الألماني الحقيقي، ودفع أغلب كتابه الأكثر أهمية إلى المنفى (هنا يقصد نفسه)، وصار من المستحيل نشر أعمالهم في ألمانيا. وأن جهل بعض الكتاب المتغطرسين والتخريب الجامح للحكام الحاليين قاموا باستئصال كل ما له أهمية عالمية من شعر وفن محلي وتم استبدال مصطلح «ألماني» بالقومية الضيقة الأفق. وكان يعتقد أنه لم يستحق مثل هذا العار وله الحق في المطالبة بتسليم كتبه إلى لهب المحرقة النقي وعدم سقوطها في أيدي وعقول عصابة القتل البنية الملطخة بالدماء.
دب الحماس بالكاتب المسرحي والشاعر الألماني «برتولد بريشت» الذي كان من حقبة الفنون الماجنة في برلين في ألمانيا؛ بمعنى من يطبل للفاشل؟ إما مستفيد وإما حاقد! المهم أنه كتب قصيدة مستوحاة من رسالة «أوسكار» يقول فيها: «عندما أمر النظام بحرق الكتب غير القانونية، حملت فرق من الثيران البلهاء عربات ضخمة محملة بالكتب إلى النيران. ثم غضب كاتب منفي، وهو أحد أفضل الكتاب، بعد أن قام بفحص قائمة النصوص المطرودة: لقد تم استبعاده ! هرع إلى مكتبه، ممتلئًا بالغضب والاحتقار، ليكتب رسائل شرسة إلى الحمقى في السلطة: احرقوني! كتب بقلمه المشتعل: ألم أكن دائمًا أنقل الحقيقة؟ والآن ها أنتم تعاملونني ككاذب ! احرقوني !»
ولو أننا على الأقل تمعنا في الأحداث لوجدنا أن «أوسكار» لم يتم نفيه، بل اختار أن يغادر البلاد، ثم إنه لم يكن من «أفضل الكتاب» بدليل أن كتبه لم تحقق نجاحًا في الولايات المتحدة أو ألمانيا، حتى بعد وفاته في عام 1967. ويذكر أيضًا في سيرته أنه انخرط في السياسة اليسارية رغم أنه لم ينضم قط إلى أي حزب سياسي، وفي عام 1933، ذهب إلى المنفى (إراديًا)، أولًا إلى النمسا، ثم إلى تشيكوسلوفاكيا وأخيرًا إلى الولايات المتحدة، وأثناء وجوده في النمسا، كتب رسالته المفتوحة (احرقوني)، وكان له ما طلب (بالطبع خوفًا منه ومن غضبه)، ونظرًا لأن ألمانيا كانت مقسمة، لم يعد إلى ألمانيا بعد الحرب، وفي النهاية أصبح مواطنًا أمريكيًا وهو الذي لم يتعلم اللغة الإنجليزية قط!
تذكرني هذه الشخصية ليس فقط بالكتاب المغمورين ممن يسعى إلى الشهرة بأي طريقة، بل وأيضًا بالشخصيات المهزوزة التي تخرج خارج حدود الوطن وتبدأ بتلفيق القصص عنه لتشد الانتباه إليها، ولكن دائمًا ما يتحولون إلى مجرد فقاعات هواء فارغة تنتهي بأول شكة دبوس.