(الحداثة الرجعية) مصطلح مهم شدني إليه عبدالله الغذامي ـ مع حفظ الألقاب ـ عندما وصف أدونيس بذلك، ولأن (الحداثة الرجعية) تحمل بداخلها (ديالكتيك/جدلية) مغرية وفاتنة، فقد شدني أكثر التأكد من معناها ودلالاتها واستخدامها، مما فتح لي أبواباً أوسع وأكثر دقة في معنى (الحداثة) وإشكالاتها في العالم العربي منذ الحكم العثماني (راجع: رسالة شبلي شميل إلى جلالة السلطان المعظم عبدالحميد خان بعنوان شكوى وآمال 1896م) وما بعد العثماني (راجع: طه حسين بعد توقيع معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر» 1938، وعبدالله القصيمي في فاتحته لكتاب «هذه هي الأغلال» بقوله: مرفوع إلى باعث العرب ومقيم دولتهم الملك عبدالعزيز آل سعود 1946).
أطرح هذه النماذج لأنها تحمل روح ومسؤولية (أوطانها) حتى ولو كانت خارج السلطة، وتجاهلت رموز الأيديولوجيا الشمولية في العالم العربي (حسن البنا، ميشيل عفلق) المشغولة بالسلطة أولاً ثم الإصلاح، والتي أثبتت فشلها فيما رأيناه من نتائج إنقلابات (العسكريتاريا العربية) بوجهها القومي/عبدالناصر 1956، مرورًا بوجهها الديني/عمر البشير 1999، وصولًا لنتائج ما سمي (الربيع العربي 2011) كمالات طبيعية لأي (حداثة رجعية) تستدمج بداخلها نقيضها (الثوري) وبالتالي تضطر لأن تكون (شمولية) ولو لم ترد ذلك.
ينسب استخدام المصطلح لأول مرة إلى جيفري هيرف في كتابه الصادر 1984 بعنوان: (الحداثة الرجعية) دَرَس فيه دور الأيديولوجيا السياسية التي جعلت النازيين الألمان يرفضون بشدة (عقلانية التنوير) مع الحماس الشديد لتبني (التكنولوجيا الحديثة)، مع إمكانية سحب هذه (الحداثة الرجعية) على تاريخ (العسكريتاريا العربية) وصولًا إلى (النظام الإيراني) وجماعات الإسلام السياسي مثل تنظيم القاعدة وداعش، وفي هذا من الوجاهة الكثير.
بينما جماعة الآميش لا تحمل نقيضها المتوتر بداخلها، فهي جماعة تقف ضد الحداثة بوجهها (التقني) ووجهها (الفكري)، بخلاف (الحداثة الرجعية) المستبطنة نقيضها مما يؤدي إلى توترات اجتماع سياسية تظهر في أي بلد بالعالم غامر باستدماج نقيضه، ولهذا نراها عارية في أوروبا من خلال محاولتها استدماج (رجعية المهاجرين) داخل (حداثتها) والحل لهم ولغيرهم هو في (التعليم ثم التعليم ثم التعليم) .
نعود إلى الغذامي في وصفه لأدونيس بالحداثة الرجعية، ولأني قارئ جيد لبعض كتب الغذامي المليئة بالحداثة الرجعية فهي مؤسسة على بناء تقليدي، يربط ما بين مفاهيمه الحديثة ومفهوم الأصمعي في (الفحولة) بالمعنى التراثي، وهنا يصبح (الشاعر الحداثي) المتميز في (فردانيته) فحلاً!؟!!، بينما الفردانية مصطلح حداثي إن قولبناه ليكون متسقًا مع (سرير بروكرست الغذامي في النقد الثقافي) فلن يخرج سوى مفهوم (الصعلوك في القبيلة) أو (الزنديق في الدين) ولهذا فلا يمكن إسقاط الفردانية (علميًا) على الفحولة التي لا علاقة لها بفردانية الشاعر الحداثي، إلا بتخريجات لغوية ستؤدي إلى تناقض في المعايير المستخدمة، والقفز على الواقع التاريخي ليس منهجًا علميًا أيضًا، فوصف (المتنبي بالشحاذ العظيم) وصف غير علمي، لأن عطاء الأمراء زمن المتنبي نوع من الاعتراف التبادلي ما بين (السلطة والشاعر) رغم الذم، ويشبه ما تمنحه (الجوائز والتكريمات) في زمننا المعاصر (جاسم الصحيح نموذجًا: «16» جائزة على الأقل، ومع تكرار مشاركته في بعضها يصل العدد إلى «25» جائزة بقيمة مالية ذات أصفار كثيرة)، فهل نصم هذا الشاعر الاستثنائي بأوصاف الغذامي للمتنبي؟!!.
هل وصف أدونيس بالحداثة الرجعية صحيح؟ لنحاول استكناه مجلة فصول العدد 2/1997 وعنوانها (الأفق الأدونيسي) تضمنت (دراسات/إضاءات/شهادات) حول أدونيس، استكتبت (38) ناقدًا وشاعرًا ومؤرخًا أدبيًا فيهم كمال أبو ديب، ومنهم تقريبًا (17) من غير العرب (فرنسا، إسبانيا ، اليونان، كندا، بريطانيا... ) في (425) صفحة، دراسة الغذامي في (6) صفحات، وكانت بعنوان (دراسات: ما بعد الأدونيسية: شهوة الأصل) (ص9 إلى ص15).
على مستوى (قسوة وخشونة النقد) كانت أمينة غصن ص 191 أشدهم على أدونيس بعنوان (هوية أدونيس السرية) والمفارق أن بعض الدراسات النقدية عن أدونيس في مجلة فصول بما فيها دراسة الغذامي (يكاد بعضها يهدم بعض) أقول هذا لأني انتهيت من القراءة وأنا أشعر مثلًا بإمكانية وصف اليوت بالحداثة الرجعية في قصيدته (الأرض اليباب) وبالأدوات نفسها التي يستخدمها بعض النقاد ومنهم الغذامي، مما أكد لي عدم الارتهان لكل من البنيوية والتفكيك دون مراعاة هنَّاتهما الواردة في كتاب (المرايا المحدبة/من البنيوية إلى التفكيك لعبدالعزيز حمودة).
تخرج من (فانتازيا المرايا المحدبة) في بعض صفحات مجلة فصول لتستعيد (عقلك النقدي) مع رسول حمزتوف عندما قال: (أما أنا فأمسك نفسي عن قول شيء في الناقد، إنما بودي أن أقدم له بعض النصائح: 1/ السيء سمّه دائمًا سيئًا، والجيد سمّه جيدًا. 2/ إذا مدحت شيئًا، فلا تعد إلى ذمّه، وإذا ذممته فلا تعد إلى مدحه. 3/ لا تحاول أن تصنع من الحبة قبة، فضلًا عن تحويل القبة إلى حبة. 4/ تكلم عما في الكتاب، لا عما ليس فيه. 5/ لا تستنجد بالثقاة ذوي الكلمة المسموعة بدءاً من بيلنسكي لتؤكد أفكارك، إذا كانت أفكارك هي أفكارك حقاً، فحاول تثبيتها بعقلك وحده. 6/ عبر عن أفكارك الواضحة بلغة مفهومة وواضحة، أما أفكارك غير الواضحة فلا تعبر عنها إطلاقاً. 7/ لا تكن دوارة تميل مع الريح. 8/ لا تحاول أن توحي للآخرين بما لم تفهمه أنت بعد. 9/ إذا لم يكن في جيبك مائة روبل، فلا تتظاهر بأنك تملكها. 10/ إذا لم تكن في قريتك منذ مدة بعيدة، ولا تعرف كيف تسير الأمور هناك، فلا تؤكد للناس أنك عائد لتوك من هناك. تمنياتي هذه ليست جديدة، إنها تشبه أول سطر من جدول الضرب، إنما لو حققها كل ناقد بأمانة، لكان ما أنجزه النقد عندنا أكثر بكثير) ص296، بلدي/ رسول حمزاتوف.
ختامًا: أرجو ألا ينشغل القارئ ببردعة الغذامي في (النقد الأدبي/الثقافي) متجاهلين ما أوردته في المقال عن (الحداثة الرجعية/الحمار الوحشي) الذي ركبته كثير من الدول والشعوب في عالمنا العربي، ثم فاجأها جموحه في (الربيع العربي) فتعود إلى ضرب (بردعة الحداثة شعرًا ونقدًا)، ولعل في هذا إجابة متأخرة على الاستفهام (الاستنكاري) لأحد المفكرين السياسيين في أن (أكثر المتحدثين عنه ــ جدل الحداثة والتقاليد ــ هم الأدباء، وأكثر المعارضين لهم هم المشايخ ــ مبينًا: أن منظومة القيم والمعايير التي تعد جوهر الحداثة، منتشرة في كل جوانب حياة المجتمع، بينما يركز الأدباء على «الأشكال» الأدبية الحديثة، أكثر من تركيزهم على القيم المعيارية للحداثة) راجع مقاله بالشرق الأوسط: (الحداثة التي لا نراها).
أطرح هذه النماذج لأنها تحمل روح ومسؤولية (أوطانها) حتى ولو كانت خارج السلطة، وتجاهلت رموز الأيديولوجيا الشمولية في العالم العربي (حسن البنا، ميشيل عفلق) المشغولة بالسلطة أولاً ثم الإصلاح، والتي أثبتت فشلها فيما رأيناه من نتائج إنقلابات (العسكريتاريا العربية) بوجهها القومي/عبدالناصر 1956، مرورًا بوجهها الديني/عمر البشير 1999، وصولًا لنتائج ما سمي (الربيع العربي 2011) كمالات طبيعية لأي (حداثة رجعية) تستدمج بداخلها نقيضها (الثوري) وبالتالي تضطر لأن تكون (شمولية) ولو لم ترد ذلك.
ينسب استخدام المصطلح لأول مرة إلى جيفري هيرف في كتابه الصادر 1984 بعنوان: (الحداثة الرجعية) دَرَس فيه دور الأيديولوجيا السياسية التي جعلت النازيين الألمان يرفضون بشدة (عقلانية التنوير) مع الحماس الشديد لتبني (التكنولوجيا الحديثة)، مع إمكانية سحب هذه (الحداثة الرجعية) على تاريخ (العسكريتاريا العربية) وصولًا إلى (النظام الإيراني) وجماعات الإسلام السياسي مثل تنظيم القاعدة وداعش، وفي هذا من الوجاهة الكثير.
بينما جماعة الآميش لا تحمل نقيضها المتوتر بداخلها، فهي جماعة تقف ضد الحداثة بوجهها (التقني) ووجهها (الفكري)، بخلاف (الحداثة الرجعية) المستبطنة نقيضها مما يؤدي إلى توترات اجتماع سياسية تظهر في أي بلد بالعالم غامر باستدماج نقيضه، ولهذا نراها عارية في أوروبا من خلال محاولتها استدماج (رجعية المهاجرين) داخل (حداثتها) والحل لهم ولغيرهم هو في (التعليم ثم التعليم ثم التعليم) .
نعود إلى الغذامي في وصفه لأدونيس بالحداثة الرجعية، ولأني قارئ جيد لبعض كتب الغذامي المليئة بالحداثة الرجعية فهي مؤسسة على بناء تقليدي، يربط ما بين مفاهيمه الحديثة ومفهوم الأصمعي في (الفحولة) بالمعنى التراثي، وهنا يصبح (الشاعر الحداثي) المتميز في (فردانيته) فحلاً!؟!!، بينما الفردانية مصطلح حداثي إن قولبناه ليكون متسقًا مع (سرير بروكرست الغذامي في النقد الثقافي) فلن يخرج سوى مفهوم (الصعلوك في القبيلة) أو (الزنديق في الدين) ولهذا فلا يمكن إسقاط الفردانية (علميًا) على الفحولة التي لا علاقة لها بفردانية الشاعر الحداثي، إلا بتخريجات لغوية ستؤدي إلى تناقض في المعايير المستخدمة، والقفز على الواقع التاريخي ليس منهجًا علميًا أيضًا، فوصف (المتنبي بالشحاذ العظيم) وصف غير علمي، لأن عطاء الأمراء زمن المتنبي نوع من الاعتراف التبادلي ما بين (السلطة والشاعر) رغم الذم، ويشبه ما تمنحه (الجوائز والتكريمات) في زمننا المعاصر (جاسم الصحيح نموذجًا: «16» جائزة على الأقل، ومع تكرار مشاركته في بعضها يصل العدد إلى «25» جائزة بقيمة مالية ذات أصفار كثيرة)، فهل نصم هذا الشاعر الاستثنائي بأوصاف الغذامي للمتنبي؟!!.
هل وصف أدونيس بالحداثة الرجعية صحيح؟ لنحاول استكناه مجلة فصول العدد 2/1997 وعنوانها (الأفق الأدونيسي) تضمنت (دراسات/إضاءات/شهادات) حول أدونيس، استكتبت (38) ناقدًا وشاعرًا ومؤرخًا أدبيًا فيهم كمال أبو ديب، ومنهم تقريبًا (17) من غير العرب (فرنسا، إسبانيا ، اليونان، كندا، بريطانيا... ) في (425) صفحة، دراسة الغذامي في (6) صفحات، وكانت بعنوان (دراسات: ما بعد الأدونيسية: شهوة الأصل) (ص9 إلى ص15).
على مستوى (قسوة وخشونة النقد) كانت أمينة غصن ص 191 أشدهم على أدونيس بعنوان (هوية أدونيس السرية) والمفارق أن بعض الدراسات النقدية عن أدونيس في مجلة فصول بما فيها دراسة الغذامي (يكاد بعضها يهدم بعض) أقول هذا لأني انتهيت من القراءة وأنا أشعر مثلًا بإمكانية وصف اليوت بالحداثة الرجعية في قصيدته (الأرض اليباب) وبالأدوات نفسها التي يستخدمها بعض النقاد ومنهم الغذامي، مما أكد لي عدم الارتهان لكل من البنيوية والتفكيك دون مراعاة هنَّاتهما الواردة في كتاب (المرايا المحدبة/من البنيوية إلى التفكيك لعبدالعزيز حمودة).
تخرج من (فانتازيا المرايا المحدبة) في بعض صفحات مجلة فصول لتستعيد (عقلك النقدي) مع رسول حمزتوف عندما قال: (أما أنا فأمسك نفسي عن قول شيء في الناقد، إنما بودي أن أقدم له بعض النصائح: 1/ السيء سمّه دائمًا سيئًا، والجيد سمّه جيدًا. 2/ إذا مدحت شيئًا، فلا تعد إلى ذمّه، وإذا ذممته فلا تعد إلى مدحه. 3/ لا تحاول أن تصنع من الحبة قبة، فضلًا عن تحويل القبة إلى حبة. 4/ تكلم عما في الكتاب، لا عما ليس فيه. 5/ لا تستنجد بالثقاة ذوي الكلمة المسموعة بدءاً من بيلنسكي لتؤكد أفكارك، إذا كانت أفكارك هي أفكارك حقاً، فحاول تثبيتها بعقلك وحده. 6/ عبر عن أفكارك الواضحة بلغة مفهومة وواضحة، أما أفكارك غير الواضحة فلا تعبر عنها إطلاقاً. 7/ لا تكن دوارة تميل مع الريح. 8/ لا تحاول أن توحي للآخرين بما لم تفهمه أنت بعد. 9/ إذا لم يكن في جيبك مائة روبل، فلا تتظاهر بأنك تملكها. 10/ إذا لم تكن في قريتك منذ مدة بعيدة، ولا تعرف كيف تسير الأمور هناك، فلا تؤكد للناس أنك عائد لتوك من هناك. تمنياتي هذه ليست جديدة، إنها تشبه أول سطر من جدول الضرب، إنما لو حققها كل ناقد بأمانة، لكان ما أنجزه النقد عندنا أكثر بكثير) ص296، بلدي/ رسول حمزاتوف.
ختامًا: أرجو ألا ينشغل القارئ ببردعة الغذامي في (النقد الأدبي/الثقافي) متجاهلين ما أوردته في المقال عن (الحداثة الرجعية/الحمار الوحشي) الذي ركبته كثير من الدول والشعوب في عالمنا العربي، ثم فاجأها جموحه في (الربيع العربي) فتعود إلى ضرب (بردعة الحداثة شعرًا ونقدًا)، ولعل في هذا إجابة متأخرة على الاستفهام (الاستنكاري) لأحد المفكرين السياسيين في أن (أكثر المتحدثين عنه ــ جدل الحداثة والتقاليد ــ هم الأدباء، وأكثر المعارضين لهم هم المشايخ ــ مبينًا: أن منظومة القيم والمعايير التي تعد جوهر الحداثة، منتشرة في كل جوانب حياة المجتمع، بينما يركز الأدباء على «الأشكال» الأدبية الحديثة، أكثر من تركيزهم على القيم المعيارية للحداثة) راجع مقاله بالشرق الأوسط: (الحداثة التي لا نراها).