أثار التطوّر العلميّ لتقنيّات الذكاء الاصطناعيّ جَدَلًا حول مَخاطره من جهة، وسُبل الاستفادة من قدراته الفائقة من جهة أخرى، الأمر الذي فَرَضَ على عاتق الحكومات، وعلى وزارات التربية تحديدًا، مسؤوليّاتٍ كبرى، لا سيّما لجهة تطوير مناهجها التدريسيّة ووضْع استراتيجيّات عمل مُواكِبة لمُجمل هذه التغيّرات.
يرمي هذا المقال إلى إثارة التفكير حول ثلاثة أسئلة أساسيّة هي:
1 - كيف يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير التعليم؟
2 - ما هي الإجراءات الواجب اتّخاذها لضمان أخلاقيّات الاستخدام وضمان التعليم الشامل والمُنصف للجميع؟
3 - كيف يُمكن للذكاء الإنساني لدى المتعلِّم أن يتكيّف مع الذكاء الاصطناعي؟
انطلقت محاولات الإجابة عن هذه التساؤلات مع منظّمة اليونيسكو، بالتعاون مع الحكومة الصينيّة، في المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي والتعليم في بكين في العام 2019، تحت شعار «تخطيط التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي، قيادة القفزة». اهتمّ المؤتمر بدراسة مستقبل التعليم بعد العام 2030 وفي صوْغ بعض الاتّجاهات والقضايا الرئيسة التي تؤثِّر في الذكاء الاصطناعي في التعليم. أوّلًا- في الاستفادة
يُمكن التركيز على أربع فئات أساسيّة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير التعليم خلال وضع السياسات التعليميّة وهي:
الإدارة التربويّة، التعليم والتقويم، تمكين المعلّمين وتطوير المناهج، التعلُّم مدى الحياة.
1 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ في الإدارة التربويّة: يُمكن جعْل جوانب محدَّدة من إدارة المدارس آليّة (أنظمة معلومات إدارة التعليم، إدارة سجلّات التلاميذ، متابعة الواجبات المدرسيّة، التفتيش على المدارس...)، ويُمكن أيضًا الاستفادة من البيانات الضخمة النّاتجة عن أنظمة الإدارة التربويّة لتوفير المعلومات للمُعلّمين والإداريّين، وفي بعض الأحيان للتنبّؤ بنتائج التلاميذ وتحديد المعرَّضين لخطر الفشل من خلال تحليل البيانات الضخمة.
من هذه التطبيقات يوجد أويو للتحليل OU Analyse المصمَّم في جامعة المملكة المتّحدة المفتوحة، الذي يهدف إلى تمكين التلاميذ الذين قد يواجهون صعوبات، من إكمال دوراتهم.
2 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقويم:
ثمّة إمكانيّة كبرى في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقييم. يُمكن استعراض بعضها الذي يعتمد على نظام الدروس الخصوصيّة المُستندة إلى الحوار من خلال نظام واتسون توتر Waston Tutor مثلًا، الذي تمَّ تطويره على يد شركة IPM وPearson Education، أو من خلال تقييم الكتابة الآلي المُعتمد مثل برنامج Write to learn أو نُظم تعلُّم القراءة واللّغة بدعْم من الذكاء الاصطناعي مثل برنامج Al teacher أو الروبوتات الذكيّة مثل Nao. إضافة إلى الواقع التربوي الافتراضي VR أو الواقع المعزَّز AR الذي يشكّل تجربة معزّزة للتلاميذ في انتقالهم إلى البيئات الواقعيّة والمتخيّلة.
3 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ لتمكين الأساتذة وتطوير المناهج:يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتمكين الأساتذة من خلال العديد من الأفكار الفعّالة، منها أنموذج «المعلّم المزدوج» للذكاء الاصطناعي. يَعتمد هذا الأنموذج على تقديم معلّم خبير محاضرة عبر الفيديو للتلاميذ في فصلٍ دراسيٍّ بعيد، والذين يتلقّون إرشادات إضافيّة من معلّم محلّي أقلّ خبرة. يمكن من خلال هذا الأنموذج أن يساعد الذكاءُ الاصطناعي المعلّمَ البشريَّ في الكثير من المهامّ، بما في ذلك توفير الخبرة المتخصّصة أو موارد التطوير المهني، والتعاون مع الآخرين ضمن نطاقاتٍ مختلفة. وهناك العديد من الخدمات المصمَّمة لإراحة المعلّمين من الأنشطة التي تَستغرق وقتًا طويلًا مثل تسجيل الحضور وتصحيح المسابقات والإجابة عن الأسئلة المكرّرة أو غيرها.
4 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ للتعلّم مدى الحياة:
يُمكن استغلال الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العامّ في التعليم، إذ يُمكن لهذه التقنيّات أن تُنشئ معلّمين يحرّكهم الذكاء الاصطناعي لمرافقة المتعلّمين مدى الحياة. يُمكن تطوير ممارسات الاختبارات مثل التعرُّف إلى الوجوه والصوت والتحليل الجنائي للنصّ، للتحقّق من المرشّحين في اختبارات المتعلّمين عن بُعد. ويُمكن استخدام حافظة إلكترونيّة معتمدة على الذكاء الاصطناعي لتجميع معلومات التقييم المستمرّ المسجَّلة طوال فترة وجود التلميذ في التعليم النظامي، جنبًا إلى جنب البيانات المتعلّقة بمشاركة التلميذ في التعليم غير النظامي والتعليم غير الرسمي أو غيره.
ثانيًا- في الإجراءات
يشكِّل انتشار تقنيّات الذكاء الاصطناعي في التعليم مخاطر وتحدّيات متعدّدة، الأمر الذي يحتاج إلى وضْع سياسات وإجراءات تحول دون الوقوع في مخاطرها المتعدّدة التي تطال التلميذ والمعلِّم والمدرسة والمُجتمع.
والسؤال هو ما هي أبرز هذه الإجراءات لحماية المعلّمين والمتعلّمين؟
إنّ أبرز الإجراءات هي في الحفاظ على ملكيّة البيانات والإجراءات الخصوصيّة والسريّة ووضْع ضوابط للمُراقبة. إلّا أنّ الأمر قد يتجاوَز قدرات واضعي السياسات ويَطرح الأمر العديد من الهواجس في هذا السياق أبرزها:
- ما هي الحدود الأخلاقيّة ومعاييرها خلال جمْع بيانات المتعلّمين واستخدامها وتحديثها باستمرار؟
- كيف يُمكن الاعتراض من قِبل المدارس أو المعلّمين أو التلاميذ أو الأهالي خلال تمثيلهم في البيانات الضخمة؟
- ما هي الالتزامات الأخلاقيّة للمنظّمات الخاصّة (مُطوِّري المُنتجات) على وجه الخصوص؟
- كيف تؤثِّر تبدّلات مواقف التلاميذ وعواطفهم على تفسير البيانات وأخلاقيّات الذكاء الاصطناعي المطبَّقة في السياقات التعليميّة؟
- كيف يُمكن تجنُّب الانتقادات التي تَعتبر الذكاء الاصطناعي تطفّلًا غير إنساني لمراقبة التلاميذ وإيماءاتهم وعواطفهم ونَزْع الطابع الإنساني في سياق تحويل المتعلّمين إلى أشخاصٍ مُبرمَجين تمَّ تجريدُهم من التفاعُل البشري الطبيعي؟
يجب على واضعي السياسات التربويّة تنفيذ أطر تنظيميّة لضمان التطوير والاستخدام المسؤولَيْن لأدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم والتعلُّم. ولا بدّ من الالتزام بالتوصيات الدوليّة في هذا الصدد، ولا سيّما اليونيسكو.
ومن الأمور الأساسيّة التي يجب أخْذها بعيْن الاعتبار، هي الفجوة المُمكنة بين الذين يملكون قدرة الوصول إلى تقنيّات الإنترنت والذكاء الاصطناعي، وبين مَن لا يُمكنهم الوصول إليها.
وهذه مسألة حرجة تؤثّر على كلّ هدف من أهداف التنمية المُستدامة، ولا سيّما الهدف الرّابع القائم على ضمان التعليم الجيّد الشامل والمُنصف، وتعزيز فُرص التعليم مدى الحياة للجميع.
ثالثًا- في التكيُّف
إنّ أبرز الخطوات التي تسمح للتعلُّم في إعداد التلاميذ للتكيُّف مع الذكاء الاصطناعي، تكمن في إنتاج منهاجٍ تربويّ عصريّ مُواكِب لجميع هذه المتغيّرات.
يجب أن يُركِّز هذا المنهاج على المهارات البشريّة (التفكير النقدي، التواصُل والتعاون والإبداع)، وعلى القدرة في التعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعي المنتشرة في الحياة والتعليم والعمل.
ومهما كانت وتيرة التطوّر، بطيئة أم سريعة، سيأتي اليوم الذي تتغيّر فيه طبيعة العمالة، الأمر الذي سيؤثّر في آلاف العمّال بشكلٍ كبير، وسيتعيّن على الكثير منهم إعادة التدريب أو استبعادهم من العمل.
وبذلك، ولضمان عدم تفاقُم المشكلات الاجتماعيّة، وعدم المساواة بين الأفراد، لا بدّ من وضْع سياسات تشبه «محو الأميّة في عمليّة الذكاء الاصطناعي»، وسيضْطلع المُعلّمون بدَورٍ رئيس في توفير التعليم وتعزيز مفهوم التعلُّم مدى الحياة القادر على تقليص الفجوات الاجتماعيّة.
لقد أصبح من الضروريّ على وزارات التربية في الدول العربيّة مُواكَبة هذا التطوّر لتلبية متطلّبات التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي. تتفاوت استجابة وزارات التربية لهذه المتطلّبات بناءً على العديد من العوامل الاقتصاديّة، الاجتماعيّة، التكنولوجيّة والسياسيّة. فقد بدأ العديد من الدول العربيّة بتحديث مناهجه الدراسيّة لتشمل موضوعات الذكاء الاصطناعي، البرْمَجة والروبوتات. ومع ذلك، لا يزال هذا الجهد غير متوازن في جميع الدول، حيث تعاني بعض الدول من نقْصٍ في الموارد والبنية التحتيّة اللّازمة.
وبالتالي لا بدّ أن تتوجّه السياسات التربويّة نحو التعليم المُنصف للجميع، القائم على توفير جميع المتطلّبات التي باتت أساسيّة وملحّة لبناء أجيالٍ عصريّة وحضاريّة وعالميّة.
*كاتب وأكاديمي من لبنان
* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.
يرمي هذا المقال إلى إثارة التفكير حول ثلاثة أسئلة أساسيّة هي:
1 - كيف يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير التعليم؟
2 - ما هي الإجراءات الواجب اتّخاذها لضمان أخلاقيّات الاستخدام وضمان التعليم الشامل والمُنصف للجميع؟
3 - كيف يُمكن للذكاء الإنساني لدى المتعلِّم أن يتكيّف مع الذكاء الاصطناعي؟
انطلقت محاولات الإجابة عن هذه التساؤلات مع منظّمة اليونيسكو، بالتعاون مع الحكومة الصينيّة، في المؤتمر الدولي للذكاء الاصطناعي والتعليم في بكين في العام 2019، تحت شعار «تخطيط التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي، قيادة القفزة». اهتمّ المؤتمر بدراسة مستقبل التعليم بعد العام 2030 وفي صوْغ بعض الاتّجاهات والقضايا الرئيسة التي تؤثِّر في الذكاء الاصطناعي في التعليم. أوّلًا- في الاستفادة
يُمكن التركيز على أربع فئات أساسيّة للاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتطوير التعليم خلال وضع السياسات التعليميّة وهي:
الإدارة التربويّة، التعليم والتقويم، تمكين المعلّمين وتطوير المناهج، التعلُّم مدى الحياة.
1 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ في الإدارة التربويّة: يُمكن جعْل جوانب محدَّدة من إدارة المدارس آليّة (أنظمة معلومات إدارة التعليم، إدارة سجلّات التلاميذ، متابعة الواجبات المدرسيّة، التفتيش على المدارس...)، ويُمكن أيضًا الاستفادة من البيانات الضخمة النّاتجة عن أنظمة الإدارة التربويّة لتوفير المعلومات للمُعلّمين والإداريّين، وفي بعض الأحيان للتنبّؤ بنتائج التلاميذ وتحديد المعرَّضين لخطر الفشل من خلال تحليل البيانات الضخمة.
من هذه التطبيقات يوجد أويو للتحليل OU Analyse المصمَّم في جامعة المملكة المتّحدة المفتوحة، الذي يهدف إلى تمكين التلاميذ الذين قد يواجهون صعوبات، من إكمال دوراتهم.
2 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقويم:
ثمّة إمكانيّة كبرى في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقييم. يُمكن استعراض بعضها الذي يعتمد على نظام الدروس الخصوصيّة المُستندة إلى الحوار من خلال نظام واتسون توتر Waston Tutor مثلًا، الذي تمَّ تطويره على يد شركة IPM وPearson Education، أو من خلال تقييم الكتابة الآلي المُعتمد مثل برنامج Write to learn أو نُظم تعلُّم القراءة واللّغة بدعْم من الذكاء الاصطناعي مثل برنامج Al teacher أو الروبوتات الذكيّة مثل Nao. إضافة إلى الواقع التربوي الافتراضي VR أو الواقع المعزَّز AR الذي يشكّل تجربة معزّزة للتلاميذ في انتقالهم إلى البيئات الواقعيّة والمتخيّلة.
3 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ لتمكين الأساتذة وتطوير المناهج:يُمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتمكين الأساتذة من خلال العديد من الأفكار الفعّالة، منها أنموذج «المعلّم المزدوج» للذكاء الاصطناعي. يَعتمد هذا الأنموذج على تقديم معلّم خبير محاضرة عبر الفيديو للتلاميذ في فصلٍ دراسيٍّ بعيد، والذين يتلقّون إرشادات إضافيّة من معلّم محلّي أقلّ خبرة. يمكن من خلال هذا الأنموذج أن يساعد الذكاءُ الاصطناعي المعلّمَ البشريَّ في الكثير من المهامّ، بما في ذلك توفير الخبرة المتخصّصة أو موارد التطوير المهني، والتعاون مع الآخرين ضمن نطاقاتٍ مختلفة. وهناك العديد من الخدمات المصمَّمة لإراحة المعلّمين من الأنشطة التي تَستغرق وقتًا طويلًا مثل تسجيل الحضور وتصحيح المسابقات والإجابة عن الأسئلة المكرّرة أو غيرها.
4 - الاستفادة من الذكاء الاصطناعيّ للتعلّم مدى الحياة:
يُمكن استغلال الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العامّ في التعليم، إذ يُمكن لهذه التقنيّات أن تُنشئ معلّمين يحرّكهم الذكاء الاصطناعي لمرافقة المتعلّمين مدى الحياة. يُمكن تطوير ممارسات الاختبارات مثل التعرُّف إلى الوجوه والصوت والتحليل الجنائي للنصّ، للتحقّق من المرشّحين في اختبارات المتعلّمين عن بُعد. ويُمكن استخدام حافظة إلكترونيّة معتمدة على الذكاء الاصطناعي لتجميع معلومات التقييم المستمرّ المسجَّلة طوال فترة وجود التلميذ في التعليم النظامي، جنبًا إلى جنب البيانات المتعلّقة بمشاركة التلميذ في التعليم غير النظامي والتعليم غير الرسمي أو غيره.
ثانيًا- في الإجراءات
يشكِّل انتشار تقنيّات الذكاء الاصطناعي في التعليم مخاطر وتحدّيات متعدّدة، الأمر الذي يحتاج إلى وضْع سياسات وإجراءات تحول دون الوقوع في مخاطرها المتعدّدة التي تطال التلميذ والمعلِّم والمدرسة والمُجتمع.
والسؤال هو ما هي أبرز هذه الإجراءات لحماية المعلّمين والمتعلّمين؟
إنّ أبرز الإجراءات هي في الحفاظ على ملكيّة البيانات والإجراءات الخصوصيّة والسريّة ووضْع ضوابط للمُراقبة. إلّا أنّ الأمر قد يتجاوَز قدرات واضعي السياسات ويَطرح الأمر العديد من الهواجس في هذا السياق أبرزها:
- ما هي الحدود الأخلاقيّة ومعاييرها خلال جمْع بيانات المتعلّمين واستخدامها وتحديثها باستمرار؟
- كيف يُمكن الاعتراض من قِبل المدارس أو المعلّمين أو التلاميذ أو الأهالي خلال تمثيلهم في البيانات الضخمة؟
- ما هي الالتزامات الأخلاقيّة للمنظّمات الخاصّة (مُطوِّري المُنتجات) على وجه الخصوص؟
- كيف تؤثِّر تبدّلات مواقف التلاميذ وعواطفهم على تفسير البيانات وأخلاقيّات الذكاء الاصطناعي المطبَّقة في السياقات التعليميّة؟
- كيف يُمكن تجنُّب الانتقادات التي تَعتبر الذكاء الاصطناعي تطفّلًا غير إنساني لمراقبة التلاميذ وإيماءاتهم وعواطفهم ونَزْع الطابع الإنساني في سياق تحويل المتعلّمين إلى أشخاصٍ مُبرمَجين تمَّ تجريدُهم من التفاعُل البشري الطبيعي؟
يجب على واضعي السياسات التربويّة تنفيذ أطر تنظيميّة لضمان التطوير والاستخدام المسؤولَيْن لأدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم والتعلُّم. ولا بدّ من الالتزام بالتوصيات الدوليّة في هذا الصدد، ولا سيّما اليونيسكو.
ومن الأمور الأساسيّة التي يجب أخْذها بعيْن الاعتبار، هي الفجوة المُمكنة بين الذين يملكون قدرة الوصول إلى تقنيّات الإنترنت والذكاء الاصطناعي، وبين مَن لا يُمكنهم الوصول إليها.
وهذه مسألة حرجة تؤثّر على كلّ هدف من أهداف التنمية المُستدامة، ولا سيّما الهدف الرّابع القائم على ضمان التعليم الجيّد الشامل والمُنصف، وتعزيز فُرص التعليم مدى الحياة للجميع.
ثالثًا- في التكيُّف
إنّ أبرز الخطوات التي تسمح للتعلُّم في إعداد التلاميذ للتكيُّف مع الذكاء الاصطناعي، تكمن في إنتاج منهاجٍ تربويّ عصريّ مُواكِب لجميع هذه المتغيّرات.
يجب أن يُركِّز هذا المنهاج على المهارات البشريّة (التفكير النقدي، التواصُل والتعاون والإبداع)، وعلى القدرة في التعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعي المنتشرة في الحياة والتعليم والعمل.
ومهما كانت وتيرة التطوّر، بطيئة أم سريعة، سيأتي اليوم الذي تتغيّر فيه طبيعة العمالة، الأمر الذي سيؤثّر في آلاف العمّال بشكلٍ كبير، وسيتعيّن على الكثير منهم إعادة التدريب أو استبعادهم من العمل.
وبذلك، ولضمان عدم تفاقُم المشكلات الاجتماعيّة، وعدم المساواة بين الأفراد، لا بدّ من وضْع سياسات تشبه «محو الأميّة في عمليّة الذكاء الاصطناعي»، وسيضْطلع المُعلّمون بدَورٍ رئيس في توفير التعليم وتعزيز مفهوم التعلُّم مدى الحياة القادر على تقليص الفجوات الاجتماعيّة.
لقد أصبح من الضروريّ على وزارات التربية في الدول العربيّة مُواكَبة هذا التطوّر لتلبية متطلّبات التعليم في عصر الذكاء الاصطناعي. تتفاوت استجابة وزارات التربية لهذه المتطلّبات بناءً على العديد من العوامل الاقتصاديّة، الاجتماعيّة، التكنولوجيّة والسياسيّة. فقد بدأ العديد من الدول العربيّة بتحديث مناهجه الدراسيّة لتشمل موضوعات الذكاء الاصطناعي، البرْمَجة والروبوتات. ومع ذلك، لا يزال هذا الجهد غير متوازن في جميع الدول، حيث تعاني بعض الدول من نقْصٍ في الموارد والبنية التحتيّة اللّازمة.
وبالتالي لا بدّ أن تتوجّه السياسات التربويّة نحو التعليم المُنصف للجميع، القائم على توفير جميع المتطلّبات التي باتت أساسيّة وملحّة لبناء أجيالٍ عصريّة وحضاريّة وعالميّة.
*كاتب وأكاديمي من لبنان
* ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.