تعود فلسفة تطوير الذات، إلى الجذر الآسيوي وبخاصة الهند والصين، وعلى يد فلاسفة تأمليين أمثال: ناناتك وشنكارا وهرشا وكونفوسيوش ولودزه. وأعيد إنتاج مقولاتهم وتعاليمهم، على أيدي مفكرين سيكولوجيين ومنظرين اجتماعيين وسوسيولوجيين ومحللي الأنساق الاجتماعية والفلسفات التقليدية؛ كبريان تريسي وأنتوني روبنز وجاي فينلي وإكهارت وكارنيجي وأليكس باتكوس وواين دبليو داير وستيفن آر كوفي.
فقد راكموا على مر السنوات أفكارهم الفلسفية والمستمدة من علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع التجريبي، إلا أنهم لم يزعموا أنهم أصحاب تلك الأفكار والنظريات، وإنما اعتبروها نتاجًا لمفكرين وفلاسفة سبقوهم، رغم أنهم لم يقتصروا عليها وحدها في بناء فلسفتهم الخاصة، وإنما اختطوا لهم منهجية جديدة تقوم على المنطق الفلسفي والفكر الاجتماعي الحديث.
فمثلا المفكر الفلسفي الدكتور جاي فينلي، رغم تلمذته على الفلسفة الهندية وبخاصة الفلسفة التأملية، إلا أنه بنى نظرياته الجديدة على أسس نظريات وعلم النفس الاجتماعي.
لا شك بأن الدكتور جاي فينلي يعد أحد مؤسسي علم تطوير الذات بعد رحلات طويلة أمضاها في الهند وأجزاء من الشرق الأقصى للبحث عما أسماه الحقيقة والحكمة السامية، وعندما درس تلك التعاليم الفلسفية، أعاد إنتاجها من جديد بوعظ تأملي روحاني وتنظير سلوكي نفسي يعرف اليوم بفلسفة تطوير الذات، وإن كان من الخطأ اعتبار الدكتور جاي فينلي فيلسوفًا محترفًا، وإنما يعتبر مفكرًا نقديًا متأثرًا بالفلسفة الآسيوية بشكل عام، وفي نفس الوقت تبنى الرؤية الغربية في دراساته وأطروحاته السلوكية.
إلا أن ما يؤخذ اليوم على فلسفة تطوير الذات تداخلها مع جلسات الوعظ التأملي والعلاجات الروحانية، كعلاج جيشتالت والبرمجة العصبية والعلاج بالماء، ولكن خارج هذا النطاق تعتبر فلسفة تطوير الذات، نظرية في السلوك تدعو إلى الاعتدال والتوازن النوعي وضبط النفس والتمسك بقواعد اللياقة والانضباط الذاتي.
لنقتبس بعض مقولات الدكتور جاي فينلي لنقف على واقع تلك الفلسفة والمنقولة بتصرف من كتابه «سر تحرير الذات» يقول الدكتور جاي فينلي: «إذا كانت لدينا القدرة على الخيار الصحيح، فلماذا نقبل مستوى الحياة التي لا تتلاءم معنا، فالخيارات التي نتبناها هي التي تحدد مستوى حياتنا، ولذلك فإنه يتعين علينا التوقف عن توجيه اللوم لاختياراتنا لأن المشكلة تكمن فيمن يختار، فما يحدث لنا بمثابة انعكاس لمستوى الاختيار، فالخيارات الصحيحة هي التي تحدد مستوى الحياة الصحيحة، فعندما نقابل أحداثًا شتى سيئة أو جيدة، مبهجة أو محزنة فإنها انعكاس لاختياراتنا، ولذلك نحاول تغيير الظرف أو البيئة أو الأشخاص أو الأشياء، وهذا ليس بالحل الصحيح، لأن الظرف لم يكن هو الحدث نفسه، ولكن رد فعلنا تجاهه».
ويقول في مقتبس آخر: «إذا كانت أية رغبة مصدر قلق أو حزن فهذه الرغبة هي رغبتك وليست رغبة الحياة وإذا كنت تريد قياس مستوى الضغوط التي يشعر بها شخص ما، فقم بقياس مدى إصراره على أن تذعن الحياة لما يريد، فلا أحد من البشر يحتاج إلى السيطرة على الحياة لأنه في الواقع ليس هنالك أحد منفصل عنها، ولكن علينا أن ندع الحياة تتدفق».
ويقول في موضع آخر: «يكتنف حياتنا أحيانًا حالات ضعف تحدث لنا عوائق كثيرة تأخذنا خارج إطار المسار الصحيح والتي تتشكل في الواقع من قناعات وأفكار ومفاهيم خاطئة.
قد نفكر بالتغيير الإيجابي لحياتنا إلا أن سلوكنا ورغباتنا تتنافى مع تفكيرنا، ولكن قبل ذلك علينا أن نتعلم مبادئ التفكير الفعال واستكشاف مواطن الضعف وتركيز انتباهنا على المواطن التي لا تجعلنا في حياتنا ننمو نموًا كاملًا».
وهذا يوجب علينا أن نحرر أفكارنا وقناعاتنا ومفاهيمنا من الأوهام، فإذا ما سلكنا طرق الحياة الصحيحة فإن أذهاننا تصور لنا سلسلة طويلة من العقبات والمصاعب والمتاعب غير مدركين بأنها مجرد أوهام وليست حقائق، فإيجابيات الحياة تفرض علينا أن نكرس وقتنا للحقيقة بطريقة موضوعية، ولكن معظم الناس لا يفكرون بهذه الطريقة، وقد قال توماس اديسون: «إننا نبحث عن الأفكار التي تؤيد وتتفق مع ما نفكر فيه أو نريده بالفعل، ونتجاهل الحقائق، مع الأسف؛ لأننا نريد الأفكار التي تبرر أفعالنا وتصرفاتنا والطريقة التي نفضلها حتى، ولو لم تكن على صواب».
إنه بإمكاننا أن نختار أفضل الأشياء إن قررنا أن نتولى مسؤولية أنفسنا بطريقة صحيحة. فالعالم الوحيد الذي نحن مسؤولون عنه هو عالم أفكارنا ومشاعرنا ودوافعنا ورغباتنا ومواقفنا وآرائنا وقيمنا.
ولكن كيف يكون ذلك؟
بأفعالنا أي ما نقوم به وليس ما نقوله، إن إحدى أكبر المشكلات اليوم هي ظاهرة القيم المؤقتة أو الأخلاق المؤقتة، والتي تتمثل في قيام الأشخاص بتبديل أفكارهم حول الصواب والخطأ وفقًا للموقف المؤقت أو إغراء اللحظة.
إن أفضل الخصال أن تكون صادقًا مع نفسك، وتدع قيمك ترشدك كي تفعل الصواب فهذا هو السبيل لكي تعيش الحقيقة مع ذاتك ومع الآخرين.
وفي اقتباس آخر للمفكر الدكتور واين دبليو. داير، يقدم من خلال كتابه «مواطن الضعف لديك» نظرة فلسفية للبساطة كأحد أنماط الوعي الإنساني قائلًا:
«تعد القدرة على الاستمتاع إحدى السمات الملازمة للبساطة، وهي بتعبير آخر القدرة الفائقة على العيش بفاعلية في كل لحظة من لحظات الحياة».
ولكن كيف يتسنى لنا ذلك؟
لنلقي نظرة على ما يقوله د. واين دبليو داير من خلال تجربته الفلسفية والنفسية يقول: «أستطيع أن أقف على تلك الصفات التي يتمثلها البسطاء في حياتهم فالشيء الأكثر وضوحًا في فلسفة البسطاء الانسجام التام ما بين الفكر والمشاعر.
إن صدق هذه القناعة يتمثل في أن تحب كل شيء في الحياة، وأن تنهل منها ما تريد دون أن تبدد الأوقات بالشكوى والتمني، وتلك هي حياة البسطاء يحبون الحياة كلها، إن أمطرت السماء ابتهجوا، وإن اشتد الحر تفاعلوا معه، وإن كانوا وسط زحام مروري أو في حفل ما أو حتى بمفردهم تعاملوا ببساطة مع الموقف فلديهم نوع من القبول الواعي بما هو كائن والقدرة غير المألوفة على الابتهاج، في واقع كهذا يعتبرون المطر شيئًا جميلًا والحر الشديد لا يولد لديهم شعورًا بالاستياء، يتقبلونه على أنه جزء من حياتهم، محبون للحياة وينخرطون في شتى جوانبها لينهلوا منها ما استطاعوا.
ليس لديهم شعور بالذنب أو أي شكل من أشكال القلق المصاحب لذلك الشعور، لكنهم لا يضيعون وقتهم في التحسر على أنهم فعلوا هذا الشيء أو لم يفعلوه، يرون أن ما عاشوه من الحياة لا حيلة لهم فيه، وأنه لن يغير شعورهم بالاستياء من الماضي، ففي فلسفتهم أن التعلم من الماضي أسمى من الاعتراض عليه، لا يبددون لحظات حاضرهم في انتظار المستقبل أو التفكير في الماضي.
لديهم وعي كامل بأن لحظات الحاضر هي كل ما لديهم، ولذلك فهم لا يخططون لحدث مستقبلي فيبددون فترات طويلة من حياتهم في انتظار قدوم هذا الحدث، فاللحظات التي بين الأحداث هي لحظات يمكن أن تُعاش مثلها مثل تلك اللحظات التي تقع فيها الأحداث، ولذلك لديهم قدرة على أن يعيشوا الحاضر بسعادة، وعندما يأتي المستقبل ويصبح حاضرًا يعيشونه كذلك لأنهم يدركون مآسي الانتظار، في الوقت الذي يقضي فيه معظم الناس حياتهم في انتظار الحصول على المكاسب التي لا يحصلون عليها أبدًا.
تقوم علاقاتهم على أساس الاحترام المتبادل بأحقية كل فرد في أن يتخذ قراراته بنفسه، فعلاقاتهم لا تنطوي على فرض قيمهم وإرادتهم على الآخرين، يؤكدون على الخصوصية ومتحررون عادة من آراء الآخرين ولذلك لا تعنيهم تقييمات الآخرين.
إذا أردت أن تعرف ما يعتقدونه فهو نسخة طبق الأصل لما يقولونه، ليسوا في حاجة إلى أن يتقبلهم كل إنسان ولا يبحثون عن استحسان الآخرين.
يرون أنفسهم في حدود البشر، وأن طبيعتهم تنطوي على سمات وخصائص بشرية، يتقبلون أنفسهم وطبيعتهم وبالمثل يتقبلون الحياة بأكملها وبحالها التي هي عليها، دونما أن يتمنوا أن لو كانت على غير ذلك ويتقبلون العالم على النحو الذي هو عليه.
لهم رؤية وإدراك لسلوكيات الآخرين، فما قد يبدو بالنسبة للآخرين معقدًا أو مطلسمًا، يُرى من جانبهم على أنه واضح ومفهوم، فالمشكلات التي تعيق الآخرين تعتبر بالنسبة لهم مجرد أشياء ثانوية؛ فغياب الاستغراق العاطفي في المشكلات عندهم يجعلهم قادرين على التغلب على العقبات التي تظل في نظر الآخرين أسوارًا يستحيل تخطيها فالمشكلة في نظرهم ليست أكثر من كونها عائقًا يمكن التغلب عليه.
لا يكتفون بما يعرفون، بل يستمرون في البحث عن المزيد، ولديهم الرغبة دائمًا في التعلم في كل لحظة من لحظات حياتهم، يبحثون عن الحقيقة بهدف التعلم، ودائمًا ما يكونون متحمسين لتعلم المزيد.
لا يخشون الفشل، فالفشل ليس إلا وجهة نظر ولا يجعلون من نجاحهم في أي عمل ينجزونه مقياسًا لنجاحهم كبشر ينظرون لأي حدث خارجي بموضوعية يتعاملون بفاعلية مع ما هو كائن بالفعل، لا فيما يرغبون أن يكون، ولا يعرفون اللوم ولا يتحدثون عن الناس بل يتحدثون معهم.
ولا يشعرون بالحاجة إلى أن تنسجم الأشياء والناس مع تصوراتهم فهم لا يُوجبون على أحد شيئًا بل يعتبرون أن لكل فرد الحرية في أن يختار لنفسه ما يشاء، ولا يرون أن العالم ينبغي أن يسير على نحو معين، ويرون أنفسهم جزءًا من الإنسانية جمعاء، ويرون الناس جميعًا على أنهم بشر.
ليس لديهم مجال للكراهية فكل يوم يمثل لهم حياة جديدة».
لو نستطيع أن نقدم لهم من أنفسنا بقدر ما هم مستعدون أن يقدموا من أنفسهم لنا وللحضارة التي نمثل لكان عملًا ذا قيمة كبيرة في أنفسهم البسيطة وفي أنفسنا أيضًا، ولكن الحياة تسير فلا أقل من أن نحسن لقاءهم، نمر بهم أحيانًا في حياتنا العاجلة، وقد لا تطول وقفتنا معهم - وليتها تطول - ثم يمضون ونمضي.
ينبغي علينا أن نتعلم الكف عن التفكير من منظور الآخرين ومن منظور البدايات والنهايات والنجاحات والإخفاقات، ونبدأ في التعامل مع الأشياء على أنها تجربة تعلم، وليست تجربة إثبات، فإذا كنا نعتقد أننا على صواب فما الذي يتبقى لدينا أن نتعلمه، فعند التعامل بهذه الطريقة فإننا نضيع وقتنا في إثبات ذاتنا أمام الآخرين، ولكن علينا أن ندرك الفارق بين تحسين الذات وتقويم الذات.
فقد راكموا على مر السنوات أفكارهم الفلسفية والمستمدة من علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع التجريبي، إلا أنهم لم يزعموا أنهم أصحاب تلك الأفكار والنظريات، وإنما اعتبروها نتاجًا لمفكرين وفلاسفة سبقوهم، رغم أنهم لم يقتصروا عليها وحدها في بناء فلسفتهم الخاصة، وإنما اختطوا لهم منهجية جديدة تقوم على المنطق الفلسفي والفكر الاجتماعي الحديث.
فمثلا المفكر الفلسفي الدكتور جاي فينلي، رغم تلمذته على الفلسفة الهندية وبخاصة الفلسفة التأملية، إلا أنه بنى نظرياته الجديدة على أسس نظريات وعلم النفس الاجتماعي.
لا شك بأن الدكتور جاي فينلي يعد أحد مؤسسي علم تطوير الذات بعد رحلات طويلة أمضاها في الهند وأجزاء من الشرق الأقصى للبحث عما أسماه الحقيقة والحكمة السامية، وعندما درس تلك التعاليم الفلسفية، أعاد إنتاجها من جديد بوعظ تأملي روحاني وتنظير سلوكي نفسي يعرف اليوم بفلسفة تطوير الذات، وإن كان من الخطأ اعتبار الدكتور جاي فينلي فيلسوفًا محترفًا، وإنما يعتبر مفكرًا نقديًا متأثرًا بالفلسفة الآسيوية بشكل عام، وفي نفس الوقت تبنى الرؤية الغربية في دراساته وأطروحاته السلوكية.
إلا أن ما يؤخذ اليوم على فلسفة تطوير الذات تداخلها مع جلسات الوعظ التأملي والعلاجات الروحانية، كعلاج جيشتالت والبرمجة العصبية والعلاج بالماء، ولكن خارج هذا النطاق تعتبر فلسفة تطوير الذات، نظرية في السلوك تدعو إلى الاعتدال والتوازن النوعي وضبط النفس والتمسك بقواعد اللياقة والانضباط الذاتي.
لنقتبس بعض مقولات الدكتور جاي فينلي لنقف على واقع تلك الفلسفة والمنقولة بتصرف من كتابه «سر تحرير الذات» يقول الدكتور جاي فينلي: «إذا كانت لدينا القدرة على الخيار الصحيح، فلماذا نقبل مستوى الحياة التي لا تتلاءم معنا، فالخيارات التي نتبناها هي التي تحدد مستوى حياتنا، ولذلك فإنه يتعين علينا التوقف عن توجيه اللوم لاختياراتنا لأن المشكلة تكمن فيمن يختار، فما يحدث لنا بمثابة انعكاس لمستوى الاختيار، فالخيارات الصحيحة هي التي تحدد مستوى الحياة الصحيحة، فعندما نقابل أحداثًا شتى سيئة أو جيدة، مبهجة أو محزنة فإنها انعكاس لاختياراتنا، ولذلك نحاول تغيير الظرف أو البيئة أو الأشخاص أو الأشياء، وهذا ليس بالحل الصحيح، لأن الظرف لم يكن هو الحدث نفسه، ولكن رد فعلنا تجاهه».
ويقول في مقتبس آخر: «إذا كانت أية رغبة مصدر قلق أو حزن فهذه الرغبة هي رغبتك وليست رغبة الحياة وإذا كنت تريد قياس مستوى الضغوط التي يشعر بها شخص ما، فقم بقياس مدى إصراره على أن تذعن الحياة لما يريد، فلا أحد من البشر يحتاج إلى السيطرة على الحياة لأنه في الواقع ليس هنالك أحد منفصل عنها، ولكن علينا أن ندع الحياة تتدفق».
ويقول في موضع آخر: «يكتنف حياتنا أحيانًا حالات ضعف تحدث لنا عوائق كثيرة تأخذنا خارج إطار المسار الصحيح والتي تتشكل في الواقع من قناعات وأفكار ومفاهيم خاطئة.
قد نفكر بالتغيير الإيجابي لحياتنا إلا أن سلوكنا ورغباتنا تتنافى مع تفكيرنا، ولكن قبل ذلك علينا أن نتعلم مبادئ التفكير الفعال واستكشاف مواطن الضعف وتركيز انتباهنا على المواطن التي لا تجعلنا في حياتنا ننمو نموًا كاملًا».
وهذا يوجب علينا أن نحرر أفكارنا وقناعاتنا ومفاهيمنا من الأوهام، فإذا ما سلكنا طرق الحياة الصحيحة فإن أذهاننا تصور لنا سلسلة طويلة من العقبات والمصاعب والمتاعب غير مدركين بأنها مجرد أوهام وليست حقائق، فإيجابيات الحياة تفرض علينا أن نكرس وقتنا للحقيقة بطريقة موضوعية، ولكن معظم الناس لا يفكرون بهذه الطريقة، وقد قال توماس اديسون: «إننا نبحث عن الأفكار التي تؤيد وتتفق مع ما نفكر فيه أو نريده بالفعل، ونتجاهل الحقائق، مع الأسف؛ لأننا نريد الأفكار التي تبرر أفعالنا وتصرفاتنا والطريقة التي نفضلها حتى، ولو لم تكن على صواب».
إنه بإمكاننا أن نختار أفضل الأشياء إن قررنا أن نتولى مسؤولية أنفسنا بطريقة صحيحة. فالعالم الوحيد الذي نحن مسؤولون عنه هو عالم أفكارنا ومشاعرنا ودوافعنا ورغباتنا ومواقفنا وآرائنا وقيمنا.
ولكن كيف يكون ذلك؟
بأفعالنا أي ما نقوم به وليس ما نقوله، إن إحدى أكبر المشكلات اليوم هي ظاهرة القيم المؤقتة أو الأخلاق المؤقتة، والتي تتمثل في قيام الأشخاص بتبديل أفكارهم حول الصواب والخطأ وفقًا للموقف المؤقت أو إغراء اللحظة.
إن أفضل الخصال أن تكون صادقًا مع نفسك، وتدع قيمك ترشدك كي تفعل الصواب فهذا هو السبيل لكي تعيش الحقيقة مع ذاتك ومع الآخرين.
وفي اقتباس آخر للمفكر الدكتور واين دبليو. داير، يقدم من خلال كتابه «مواطن الضعف لديك» نظرة فلسفية للبساطة كأحد أنماط الوعي الإنساني قائلًا:
«تعد القدرة على الاستمتاع إحدى السمات الملازمة للبساطة، وهي بتعبير آخر القدرة الفائقة على العيش بفاعلية في كل لحظة من لحظات الحياة».
ولكن كيف يتسنى لنا ذلك؟
لنلقي نظرة على ما يقوله د. واين دبليو داير من خلال تجربته الفلسفية والنفسية يقول: «أستطيع أن أقف على تلك الصفات التي يتمثلها البسطاء في حياتهم فالشيء الأكثر وضوحًا في فلسفة البسطاء الانسجام التام ما بين الفكر والمشاعر.
إن صدق هذه القناعة يتمثل في أن تحب كل شيء في الحياة، وأن تنهل منها ما تريد دون أن تبدد الأوقات بالشكوى والتمني، وتلك هي حياة البسطاء يحبون الحياة كلها، إن أمطرت السماء ابتهجوا، وإن اشتد الحر تفاعلوا معه، وإن كانوا وسط زحام مروري أو في حفل ما أو حتى بمفردهم تعاملوا ببساطة مع الموقف فلديهم نوع من القبول الواعي بما هو كائن والقدرة غير المألوفة على الابتهاج، في واقع كهذا يعتبرون المطر شيئًا جميلًا والحر الشديد لا يولد لديهم شعورًا بالاستياء، يتقبلونه على أنه جزء من حياتهم، محبون للحياة وينخرطون في شتى جوانبها لينهلوا منها ما استطاعوا.
ليس لديهم شعور بالذنب أو أي شكل من أشكال القلق المصاحب لذلك الشعور، لكنهم لا يضيعون وقتهم في التحسر على أنهم فعلوا هذا الشيء أو لم يفعلوه، يرون أن ما عاشوه من الحياة لا حيلة لهم فيه، وأنه لن يغير شعورهم بالاستياء من الماضي، ففي فلسفتهم أن التعلم من الماضي أسمى من الاعتراض عليه، لا يبددون لحظات حاضرهم في انتظار المستقبل أو التفكير في الماضي.
لديهم وعي كامل بأن لحظات الحاضر هي كل ما لديهم، ولذلك فهم لا يخططون لحدث مستقبلي فيبددون فترات طويلة من حياتهم في انتظار قدوم هذا الحدث، فاللحظات التي بين الأحداث هي لحظات يمكن أن تُعاش مثلها مثل تلك اللحظات التي تقع فيها الأحداث، ولذلك لديهم قدرة على أن يعيشوا الحاضر بسعادة، وعندما يأتي المستقبل ويصبح حاضرًا يعيشونه كذلك لأنهم يدركون مآسي الانتظار، في الوقت الذي يقضي فيه معظم الناس حياتهم في انتظار الحصول على المكاسب التي لا يحصلون عليها أبدًا.
تقوم علاقاتهم على أساس الاحترام المتبادل بأحقية كل فرد في أن يتخذ قراراته بنفسه، فعلاقاتهم لا تنطوي على فرض قيمهم وإرادتهم على الآخرين، يؤكدون على الخصوصية ومتحررون عادة من آراء الآخرين ولذلك لا تعنيهم تقييمات الآخرين.
إذا أردت أن تعرف ما يعتقدونه فهو نسخة طبق الأصل لما يقولونه، ليسوا في حاجة إلى أن يتقبلهم كل إنسان ولا يبحثون عن استحسان الآخرين.
يرون أنفسهم في حدود البشر، وأن طبيعتهم تنطوي على سمات وخصائص بشرية، يتقبلون أنفسهم وطبيعتهم وبالمثل يتقبلون الحياة بأكملها وبحالها التي هي عليها، دونما أن يتمنوا أن لو كانت على غير ذلك ويتقبلون العالم على النحو الذي هو عليه.
لهم رؤية وإدراك لسلوكيات الآخرين، فما قد يبدو بالنسبة للآخرين معقدًا أو مطلسمًا، يُرى من جانبهم على أنه واضح ومفهوم، فالمشكلات التي تعيق الآخرين تعتبر بالنسبة لهم مجرد أشياء ثانوية؛ فغياب الاستغراق العاطفي في المشكلات عندهم يجعلهم قادرين على التغلب على العقبات التي تظل في نظر الآخرين أسوارًا يستحيل تخطيها فالمشكلة في نظرهم ليست أكثر من كونها عائقًا يمكن التغلب عليه.
لا يكتفون بما يعرفون، بل يستمرون في البحث عن المزيد، ولديهم الرغبة دائمًا في التعلم في كل لحظة من لحظات حياتهم، يبحثون عن الحقيقة بهدف التعلم، ودائمًا ما يكونون متحمسين لتعلم المزيد.
لا يخشون الفشل، فالفشل ليس إلا وجهة نظر ولا يجعلون من نجاحهم في أي عمل ينجزونه مقياسًا لنجاحهم كبشر ينظرون لأي حدث خارجي بموضوعية يتعاملون بفاعلية مع ما هو كائن بالفعل، لا فيما يرغبون أن يكون، ولا يعرفون اللوم ولا يتحدثون عن الناس بل يتحدثون معهم.
ولا يشعرون بالحاجة إلى أن تنسجم الأشياء والناس مع تصوراتهم فهم لا يُوجبون على أحد شيئًا بل يعتبرون أن لكل فرد الحرية في أن يختار لنفسه ما يشاء، ولا يرون أن العالم ينبغي أن يسير على نحو معين، ويرون أنفسهم جزءًا من الإنسانية جمعاء، ويرون الناس جميعًا على أنهم بشر.
ليس لديهم مجال للكراهية فكل يوم يمثل لهم حياة جديدة».
لو نستطيع أن نقدم لهم من أنفسنا بقدر ما هم مستعدون أن يقدموا من أنفسهم لنا وللحضارة التي نمثل لكان عملًا ذا قيمة كبيرة في أنفسهم البسيطة وفي أنفسنا أيضًا، ولكن الحياة تسير فلا أقل من أن نحسن لقاءهم، نمر بهم أحيانًا في حياتنا العاجلة، وقد لا تطول وقفتنا معهم - وليتها تطول - ثم يمضون ونمضي.
ينبغي علينا أن نتعلم الكف عن التفكير من منظور الآخرين ومن منظور البدايات والنهايات والنجاحات والإخفاقات، ونبدأ في التعامل مع الأشياء على أنها تجربة تعلم، وليست تجربة إثبات، فإذا كنا نعتقد أننا على صواب فما الذي يتبقى لدينا أن نتعلمه، فعند التعامل بهذه الطريقة فإننا نضيع وقتنا في إثبات ذاتنا أمام الآخرين، ولكن علينا أن ندرك الفارق بين تحسين الذات وتقويم الذات.