سأكون مبالغًا لو قلت إنه أخطر رجل في الجماعة على الإطلاق، وإن كنت أعتبره ثالث أخطر رجل بعد (سيد قطب ومصطفى مشهور)، ويأتي بعده في الشر محمد سرور، ومحمد قطب، ولن أحسب حسن البنا في المسألة كونه منبع الشر وأصله وبحره الخضم، وهؤلاء ما هم إلا سواقيه وجداوله لا أكثر، إذن لنقل إنه أخطر قيادات الجماعة الإرهابية في القرن الـ21، والذي هلك قبل بلوغه -أي القرن الـ21- الإرهابيان حسن وسيد، ولم يدرك منه مصطفى إلا أول سنتين فقط.
حكاية أحمد الراشدي، أو محمد الراشد، قبل أن يستقر على لقب «محمد أحمد الراشد»، حكاية يجب أن تكتب وتقرأ وتسمع، فمنه انطلق منظرو الجماعة لرسم فكرها السياسي والحركي والاقتصادي والإعلامي، ومن فكره وما صنعه من مناهج نشأت وتكونت المحاضن والخلايا الإخوانية على امتداد العالم، وهو جدير بأن يعتبر أهم من صاغ وألف المناهج التربوية والحركية والفكرية للتنظيمات الإخوانية الإرهابية على مدار تاريخ الجماعة الممتد من 1928، وهو المنضم إلى الجماعة في 1953، ففاق من سبقه، ولم يستطع من بعده بلوغ شأوه في التنظير الحركي والفكري للتنظيم.
اسمه عبدالمنعم بن صالح العلي العزي، أو كما يكنيه القريبون منه بأبي عمار، ولد في الأعظمية في بغداد في يوليو 1938، وولد حركيًا باسم «محمد أحمد الراشد» في الكويت في 1972، وتوفي يوم الثلاثاء 27 أغسطس 2024 في أحد مستشفيات العاصمة الماليزية كوالالمبور عن عمر ناهز 86 عامًا.
نعته الجماعة الإرهابية من لندن على لسان صلاح عبدالحق القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، بقوله: (ترجَّل فارس الكلمة وفقيه الدعوة.. الأستاذ محمد أحمد الراشد) وقال: (تنعى جماعة «الإخوان المسلمون» قائدًا من قادتها وعالما من علمائها، وفارسًا من فرسان الكلمة واللغة العالية، وفقه الدعوة)، وقال: (وقد رحل فقيه الدعوة والحركة الأستاذ الراشد بعد حياة حافلة بالعمل والدعوة والجهاد في سبيل الله، وبعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بخلاصة فكره العميق، الذي لا يتسع المقام لذكره، وتحفل به سيرته المنثورة؛ أودعه في كتب وسلاسل، قلَّ ضريبها، تفيض حكمة وإيمانًا وحيوية، وفقهًا. تربّى عليها العاملون في مجال الدعوة إلى الله في أرجاء العالم الإسلامي. فقد كان -رحمه الله- يكتب في الفكر والتربية، وكان يكتب للميدان والحركة. فترك ميراثًا للعلم والعمل معًا. وكم أثَّرت رؤاه وكتبه في فكر الحركة الإسلامية ومسارات حركتها؛ فاستحق أن يكون إمامَ جيل. وقد تربي على فهمه جلُّ دعاة الإخوان ورجالاتها).
وقبل البدء بقصته، يحسن أن نعرف شيئًا عن قصة الجماعة الإرهابية في العراق، ففي 1941، لفت عدد من أعداد مجلة الإخوان المسلمين نظر عبدالهادي با حسين، فراسل حسن البنا طالبًا الاشتراك في المجلة، ومنها بدأت الاشتراكات تنهال على المجلة من العراق، وبدأت الجماعة تعرف عن كثب في هذا القطر العربي المهم، وفي 1944 انتدبت مصر مجموعة من المدرسين إلى العراق، وكان من ضمن المجموعة رئيس الجوالة في الجماعة الإرهابية وقتها، والذي أصبح عضوًا في مكتب الإرشاد لاحقًا حسين كمال الدين مدرس المساحة المرموق، وأحد أهم الطبوغرافيين العرب في وقته، والذي اجتهد في نشر فكر ودعوة الجماعة الإرهابية في كلية الهندسة في بغداد التي كان يدرس فيها، ومن هذه الكلية انتقلت الدعوة الإخوانية إلى بقية الكليات، ويعد هو مؤسس التنظيم الحقيقي في العراق، وبعد رجوع محمد محمود الصواف إلى العراق في 1946، قادمًا من مصر التي درس فيها، وأوقف أمنيًا وحقق معه فيها، وجد الأرض ممهدةً أمامه للانطلاق بدعوة الإخوان، وذلك بالشباب الذين رباهم حسين كمال الدين، وبالدعوة والعمل الذي أسسه المذكور آنفًا.
عمل الصواف بجد واجتهاد حتى حدثت أحداث يطول شرحها في 1959، ومنها سجنه وتعذيبه، فرأت القيادات الإخوانية في العراق وقتها ضرورة خروجه من العراق حفاظًا عليه، وكان القوميون والبعثيون يعذبون جنبًا إلى جنب مع الإخوان وقتها، على يد الشيوعيين الذين كان يغلب جانبهم عبدالكريم قاسم، حينًا ويميل عليهم حينًا آخر، فرضخ الصواف لرأي زملائه، ونزل عند رغبتهم وخرج من العراق في نهاية سنة 1959، عبر الحدود إلى سوريا فمصر، ثم في مكة، وانقطعت صلته التنظيمية بالتدريج بإخوان العراق، خصوصًا بعد سنة 1968.
وحينما خرج الصواف، أناب نائبه كمال القيسي لقيادة الجماعة، ثم سلمت قيادة الجماعة لعلي صالح السعدون ومجموعة الكرخ، والتي كان لها توجه في مسألة التحوط الشديد والسرية مما أضعف الحركة. وبعد مداولات رشح عبدالكريم زيدان كمراقب عام مؤقت، ولكنه استمر على النهج ذاته الذي اتخذه السعدون، فانكمش دور الجماعة وتأثيرها، مما جعل الفرصة مواتية لصعود نجم التيار القومي وخاصة حزب البعث في توجيه الجماهير ضد الشيوعيين. وفي السنة التالية 1960 أسس الحزب الإسلامي العراقي، بعد أن فتح الرئيس العراقي قاسم المجال لذلك، ورغم سماح الحكومة بالمشاركة السياسية عبر الأحزاب، فقد قوبل طلب تأسيس الحزب الإسلامي العراقي بالرفض من قبل وزارة الداخلية العراقية، ولكن القرار ميز من محكمة التمييز العراقية، فصدرت إجازة تأسيس الحزب، وفي يوليو 1960 أقام الحزب مؤتمره الأول، وكان عريف الحفل طه جابر العلواني، وألقى تقرير الحزب عبدالرزاق نعمان السامرائي، وشارك شاعر الإخوان في العراق وليد الأعظمي بقصيدة، ثم بعد ذلك عرض قادة الحزب دستوره على علماء الشيعة ومراجعهم الكبار فلقي تأييدًا كبيرًا منهم بحسب ما ذكرت مصادر الإخوان في العراق، حيث شكل وفد من كل من: إبراهيم المدرس (شيعي)، ونعمان السامرائي، وكاظم الساعدي (شيعي)، والتقوا كلا من: السيد محسن الحكيم، والذين قابلوا ابنه «لمرض والده» ونقل لهم تأييد الأب التام، وقابلوا السيد أبا القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ عبدالكريم الجزائري، وحاول الحزب نشر جريدة له، ولكن الطلب عطل، فاضطروا إلى النشر عبر صحف أخرى كالفيحاء والتي يملكها كاظم الساعدي، والحياد لفاضل شاكر النعيمي، والحرية لقاسم حمودي. وللحديث بقية.
حكاية أحمد الراشدي، أو محمد الراشد، قبل أن يستقر على لقب «محمد أحمد الراشد»، حكاية يجب أن تكتب وتقرأ وتسمع، فمنه انطلق منظرو الجماعة لرسم فكرها السياسي والحركي والاقتصادي والإعلامي، ومن فكره وما صنعه من مناهج نشأت وتكونت المحاضن والخلايا الإخوانية على امتداد العالم، وهو جدير بأن يعتبر أهم من صاغ وألف المناهج التربوية والحركية والفكرية للتنظيمات الإخوانية الإرهابية على مدار تاريخ الجماعة الممتد من 1928، وهو المنضم إلى الجماعة في 1953، ففاق من سبقه، ولم يستطع من بعده بلوغ شأوه في التنظير الحركي والفكري للتنظيم.
اسمه عبدالمنعم بن صالح العلي العزي، أو كما يكنيه القريبون منه بأبي عمار، ولد في الأعظمية في بغداد في يوليو 1938، وولد حركيًا باسم «محمد أحمد الراشد» في الكويت في 1972، وتوفي يوم الثلاثاء 27 أغسطس 2024 في أحد مستشفيات العاصمة الماليزية كوالالمبور عن عمر ناهز 86 عامًا.
نعته الجماعة الإرهابية من لندن على لسان صلاح عبدالحق القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، بقوله: (ترجَّل فارس الكلمة وفقيه الدعوة.. الأستاذ محمد أحمد الراشد) وقال: (تنعى جماعة «الإخوان المسلمون» قائدًا من قادتها وعالما من علمائها، وفارسًا من فرسان الكلمة واللغة العالية، وفقه الدعوة)، وقال: (وقد رحل فقيه الدعوة والحركة الأستاذ الراشد بعد حياة حافلة بالعمل والدعوة والجهاد في سبيل الله، وبعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بخلاصة فكره العميق، الذي لا يتسع المقام لذكره، وتحفل به سيرته المنثورة؛ أودعه في كتب وسلاسل، قلَّ ضريبها، تفيض حكمة وإيمانًا وحيوية، وفقهًا. تربّى عليها العاملون في مجال الدعوة إلى الله في أرجاء العالم الإسلامي. فقد كان -رحمه الله- يكتب في الفكر والتربية، وكان يكتب للميدان والحركة. فترك ميراثًا للعلم والعمل معًا. وكم أثَّرت رؤاه وكتبه في فكر الحركة الإسلامية ومسارات حركتها؛ فاستحق أن يكون إمامَ جيل. وقد تربي على فهمه جلُّ دعاة الإخوان ورجالاتها).
وقبل البدء بقصته، يحسن أن نعرف شيئًا عن قصة الجماعة الإرهابية في العراق، ففي 1941، لفت عدد من أعداد مجلة الإخوان المسلمين نظر عبدالهادي با حسين، فراسل حسن البنا طالبًا الاشتراك في المجلة، ومنها بدأت الاشتراكات تنهال على المجلة من العراق، وبدأت الجماعة تعرف عن كثب في هذا القطر العربي المهم، وفي 1944 انتدبت مصر مجموعة من المدرسين إلى العراق، وكان من ضمن المجموعة رئيس الجوالة في الجماعة الإرهابية وقتها، والذي أصبح عضوًا في مكتب الإرشاد لاحقًا حسين كمال الدين مدرس المساحة المرموق، وأحد أهم الطبوغرافيين العرب في وقته، والذي اجتهد في نشر فكر ودعوة الجماعة الإرهابية في كلية الهندسة في بغداد التي كان يدرس فيها، ومن هذه الكلية انتقلت الدعوة الإخوانية إلى بقية الكليات، ويعد هو مؤسس التنظيم الحقيقي في العراق، وبعد رجوع محمد محمود الصواف إلى العراق في 1946، قادمًا من مصر التي درس فيها، وأوقف أمنيًا وحقق معه فيها، وجد الأرض ممهدةً أمامه للانطلاق بدعوة الإخوان، وذلك بالشباب الذين رباهم حسين كمال الدين، وبالدعوة والعمل الذي أسسه المذكور آنفًا.
عمل الصواف بجد واجتهاد حتى حدثت أحداث يطول شرحها في 1959، ومنها سجنه وتعذيبه، فرأت القيادات الإخوانية في العراق وقتها ضرورة خروجه من العراق حفاظًا عليه، وكان القوميون والبعثيون يعذبون جنبًا إلى جنب مع الإخوان وقتها، على يد الشيوعيين الذين كان يغلب جانبهم عبدالكريم قاسم، حينًا ويميل عليهم حينًا آخر، فرضخ الصواف لرأي زملائه، ونزل عند رغبتهم وخرج من العراق في نهاية سنة 1959، عبر الحدود إلى سوريا فمصر، ثم في مكة، وانقطعت صلته التنظيمية بالتدريج بإخوان العراق، خصوصًا بعد سنة 1968.
وحينما خرج الصواف، أناب نائبه كمال القيسي لقيادة الجماعة، ثم سلمت قيادة الجماعة لعلي صالح السعدون ومجموعة الكرخ، والتي كان لها توجه في مسألة التحوط الشديد والسرية مما أضعف الحركة. وبعد مداولات رشح عبدالكريم زيدان كمراقب عام مؤقت، ولكنه استمر على النهج ذاته الذي اتخذه السعدون، فانكمش دور الجماعة وتأثيرها، مما جعل الفرصة مواتية لصعود نجم التيار القومي وخاصة حزب البعث في توجيه الجماهير ضد الشيوعيين. وفي السنة التالية 1960 أسس الحزب الإسلامي العراقي، بعد أن فتح الرئيس العراقي قاسم المجال لذلك، ورغم سماح الحكومة بالمشاركة السياسية عبر الأحزاب، فقد قوبل طلب تأسيس الحزب الإسلامي العراقي بالرفض من قبل وزارة الداخلية العراقية، ولكن القرار ميز من محكمة التمييز العراقية، فصدرت إجازة تأسيس الحزب، وفي يوليو 1960 أقام الحزب مؤتمره الأول، وكان عريف الحفل طه جابر العلواني، وألقى تقرير الحزب عبدالرزاق نعمان السامرائي، وشارك شاعر الإخوان في العراق وليد الأعظمي بقصيدة، ثم بعد ذلك عرض قادة الحزب دستوره على علماء الشيعة ومراجعهم الكبار فلقي تأييدًا كبيرًا منهم بحسب ما ذكرت مصادر الإخوان في العراق، حيث شكل وفد من كل من: إبراهيم المدرس (شيعي)، ونعمان السامرائي، وكاظم الساعدي (شيعي)، والتقوا كلا من: السيد محسن الحكيم، والذين قابلوا ابنه «لمرض والده» ونقل لهم تأييد الأب التام، وقابلوا السيد أبا القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ عبدالكريم الجزائري، وحاول الحزب نشر جريدة له، ولكن الطلب عطل، فاضطروا إلى النشر عبر صحف أخرى كالفيحاء والتي يملكها كاظم الساعدي، والحياد لفاضل شاكر النعيمي، والحرية لقاسم حمودي. وللحديث بقية.