الحقيقة أرهقت من يلاحقها منذ بداية التاريخ إلى اليوم. ولا يوجد أحد في التاريخ وصل إليها كاملةً. كل من ظن أنه وصل إلى حقيقةٍ معينة، لم يصل إلا لإحدى زواياها الكاملة. الحقيقة الكاملة المقصود بها هنا جميع زوايا الموضوع المبحوث عنه بكل تفاصيله وجزئياته دون أدنى وهم أو خلل في الحواس والذاكرة والتفكير. وهذا الأمر، كما يبين التاريخ، يستحيل الوصول إليه. فبقدر ما نملك الآن من تقنية علمية متقدمة، لم نستطع الوصول إلى الحقيقة الكاملة لموضوع معين في أي مجال.
كلما أدركت شيئًا، غابت عنك أشياءُ. مهما بلغ الإنسان من ذكاء وفطنة وعلم وقوة جسدية، لن ينجو من الوهم والخلل والزلل والضعف الجسدي. هذا هو أصله «كائن محدود». الإنسان قابل للخطأ في التفكير ولن يسلم من ذلك مهما وصل من علم. علم النفس الحديث أثبت بالتجارب العديدة وقوع الإنسان في الوهم والزلل في الذاكرة والتصور والإدراك.
هناك تجربة تقول إن دماغ الإنسان عندما لا يتذكر فقرة معينة من قصة حصلت له في الماضي، فإنه يفترض حدثًا منطقيًا يتماشى مع القصة، ثم يستقبلها الدماغ على أنها حقيقة حصلت فعلًا، ثم يؤمن بها الإنسان ويعتبرها واقعًا. ذلك لأن الدماغ مبرمج على سد الفجوات في الذاكرة وجعل كل شيء منطقيًا مقنعًا. وهناك تجربة أخرى في الإدراك-الحسي، وهي أن البصر يخطئ في استقبال الأشكال المتساوية، عندما تكون معروضة بوضعية معينة وحولها أشكال تشتت الانتباه عن حجم الأشكال الرئيسية. رغم أن الأشكال الأساسية متساوية، لكن الإنسان يراها غير متساوية ويرى أحدها أكبر من الآخر. وعندما يتأكد من قياساتها بنفسه، يجدها متساوية فعلًا. وقس على هذه التجارب الكثير من الأوهام التي يفترضها الدماغ باستمرار.
الإنسان يميل إلى الكِبر والثقة المبالغ فيها في النفس. هذه النزعة توقعه دائمًا في فخ الحقيقة المطلقة. يعتقد أنه يمتلك الحقيقة ويكتشف بعد عدة سنوات أنه كان متوهمًا أو مكابرًا أو جاهلًا بزوايا الموضوع المختلفة. غالبًا يكابر الإنسان في الاعتراف بقدرته المحدودة في المعرفة وقابلية حواسه ودماغه للوقوع في الخطأ والوهم. والبعض قد يجهل هذا النقص الفطري الذي يؤثر في إدراكه وحواسه. من ناحية الأخرى، يعجز كثير من البشر عن تصور أن هناك زوايا أخرى للحقيقة أو الموضوع الواحد. زوايا لا يستطيعون الوصول إليها أو لا يمكنهم فهم جوانبها وتفاصيلها. يعتقد الإنسان أن كل ما يراه هو الحقيقة الكاملة، بينما لكل موضوع زوايا عديدة جدًا، وحقيقة ليست نهائية. بل إن للموضوع الواحد حقائق متعددة لا يستطيع أن يملكها شخص واحد، قد تكون مستحيلة أو ممتنع الوصول إليها. الحقيقة الكاملة لموضوع معين أعتقد أنها أمر مستحيل جدًا، لأن هذا الكون لا نهائي في كل جوانبه.
هذان العائقان يقفان في طريق امتلاك الحقيقة، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوزهما: عائق «الوهم الحسي والإدراكي للعقل» و«عائق الأبعاد المتعددة للحقيقة الواحدة». الاعتراف بهذين العائقين يدخل الإنسان في التواضع المعرفي والأخلاقي، الذي يسلمه من الدخول في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة، كما يساعده على الابتعاد عن التعصب الذي يعطل مسيرة التطور المعرفي، ويجنبه خطر الوقوع في مستنقع الجهل والخرافة. كلما اعترف الإنسان بنقصه، كان أكثر قبولًا للآخرين، منفتحًا على المعرفة واكتشاف الجديد. وبذلك، يكون أكثر قابلية للحوار والنقاش المجدي والمفيد.
الحقيقة -بالنسبة لي- ليست سوى خبر عن الحقيقة الكاملة، هي جزء من قصة؛ والقصة لا نهائية.
كلما أدركت شيئًا، غابت عنك أشياءُ. مهما بلغ الإنسان من ذكاء وفطنة وعلم وقوة جسدية، لن ينجو من الوهم والخلل والزلل والضعف الجسدي. هذا هو أصله «كائن محدود». الإنسان قابل للخطأ في التفكير ولن يسلم من ذلك مهما وصل من علم. علم النفس الحديث أثبت بالتجارب العديدة وقوع الإنسان في الوهم والزلل في الذاكرة والتصور والإدراك.
هناك تجربة تقول إن دماغ الإنسان عندما لا يتذكر فقرة معينة من قصة حصلت له في الماضي، فإنه يفترض حدثًا منطقيًا يتماشى مع القصة، ثم يستقبلها الدماغ على أنها حقيقة حصلت فعلًا، ثم يؤمن بها الإنسان ويعتبرها واقعًا. ذلك لأن الدماغ مبرمج على سد الفجوات في الذاكرة وجعل كل شيء منطقيًا مقنعًا. وهناك تجربة أخرى في الإدراك-الحسي، وهي أن البصر يخطئ في استقبال الأشكال المتساوية، عندما تكون معروضة بوضعية معينة وحولها أشكال تشتت الانتباه عن حجم الأشكال الرئيسية. رغم أن الأشكال الأساسية متساوية، لكن الإنسان يراها غير متساوية ويرى أحدها أكبر من الآخر. وعندما يتأكد من قياساتها بنفسه، يجدها متساوية فعلًا. وقس على هذه التجارب الكثير من الأوهام التي يفترضها الدماغ باستمرار.
الإنسان يميل إلى الكِبر والثقة المبالغ فيها في النفس. هذه النزعة توقعه دائمًا في فخ الحقيقة المطلقة. يعتقد أنه يمتلك الحقيقة ويكتشف بعد عدة سنوات أنه كان متوهمًا أو مكابرًا أو جاهلًا بزوايا الموضوع المختلفة. غالبًا يكابر الإنسان في الاعتراف بقدرته المحدودة في المعرفة وقابلية حواسه ودماغه للوقوع في الخطأ والوهم. والبعض قد يجهل هذا النقص الفطري الذي يؤثر في إدراكه وحواسه. من ناحية الأخرى، يعجز كثير من البشر عن تصور أن هناك زوايا أخرى للحقيقة أو الموضوع الواحد. زوايا لا يستطيعون الوصول إليها أو لا يمكنهم فهم جوانبها وتفاصيلها. يعتقد الإنسان أن كل ما يراه هو الحقيقة الكاملة، بينما لكل موضوع زوايا عديدة جدًا، وحقيقة ليست نهائية. بل إن للموضوع الواحد حقائق متعددة لا يستطيع أن يملكها شخص واحد، قد تكون مستحيلة أو ممتنع الوصول إليها. الحقيقة الكاملة لموضوع معين أعتقد أنها أمر مستحيل جدًا، لأن هذا الكون لا نهائي في كل جوانبه.
هذان العائقان يقفان في طريق امتلاك الحقيقة، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوزهما: عائق «الوهم الحسي والإدراكي للعقل» و«عائق الأبعاد المتعددة للحقيقة الواحدة». الاعتراف بهذين العائقين يدخل الإنسان في التواضع المعرفي والأخلاقي، الذي يسلمه من الدخول في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة، كما يساعده على الابتعاد عن التعصب الذي يعطل مسيرة التطور المعرفي، ويجنبه خطر الوقوع في مستنقع الجهل والخرافة. كلما اعترف الإنسان بنقصه، كان أكثر قبولًا للآخرين، منفتحًا على المعرفة واكتشاف الجديد. وبذلك، يكون أكثر قابلية للحوار والنقاش المجدي والمفيد.
الحقيقة -بالنسبة لي- ليست سوى خبر عن الحقيقة الكاملة، هي جزء من قصة؛ والقصة لا نهائية.