شدني المستشار محمد الدحيم وهو يقرر في برنامجه الجميل بإذاعة جدة قضايا وأفكار بأن الخرافة والفكر الأسطوري يهيمنان ويسودان في المجتمعات الأمية.
رحت أسترجع بعدها أن الأسطورة كانت أولى أسلحة الإنسان في مواجهته الطبيعة ومحاولته معرفة أسرار الوجود، وتساءلت عن كيف استطاعت مجتمعات تجاوز الخرافة، وإبقاءها في حيز تجريب إبداعي/ فني فقط، يثري العقل وينميه دون أن يسهم في بلادته وإماتته. لك أن تسترجع ـ لتقارن ـ الإنتاج الغربي الضخم لأفلام الرسوم المتحركة التي خلبت ألباب كل أطفال الدنيا ومنذ عقود طويلة!
مرة سئلت عن العلاقة بين الخرافة والحكاية الشعبية والرواية، ومتى تخدم الخرافة الرواية؟ أتذكر هنا أن الحدود بين الخرافة والأسطورة ليست دائما على ما نشتهي من الوضوح، قد يشبه بعض الخرافات الأساطير في الشكل والمضمون إلى درجة تثير الالتباس والحيرة، فلا نستطيع التمييز بينهما إلا باستخدام المعيار الرئيس الحاسم الذي يقدم الأسطورة باعتبارها حكاية لها وضعية معينة، ذات مضمون عميق يشف عن معان ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان. فالأسطورة هي حكاية مقدسة يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصدق روايتها، أما الخرافة، فإن راويها ومستمعها على حد سواء يعرفان منذ البداية أنها تقص أحداثا لا تلزم أحدا بتصديقها. بعض الباحثين، ومن أبرزهم فراس السواح، يرون أن الخرافة أقرب الأقرباء إلى الأسطورة ويقولون بما يسمى الحكاية البطولية كأقرب الأقرباء إلى الخرافة وتدخل تحتها الإخباريات المبالغ في أحداثها، والملحمة.
أما الحكاية الشعبية فأنا أميل إلى الرأي القائل إن ما يميزها عن أعلاه هو هاجسها الاجتماعي، وأنها واقعية الى أبعد حد وتخلو من التأملات الميتافيزيقية والفلسفية، مركزة على أدق هموم الحياة اليومية، وتفاصيل الأحزان الصغيرة والبهجات العابرة، ويبقى أبطالها أقرب إلى الناس العاديين الذين نصادفهم في سعينا اليومي، بطرقات موحشة، وأرواح قاحلة، مجردة من الياسمين، كما أن بنية الحكاية الشعبية ذات اتجاه خطي واحد، ليست ذات بنية سرد معقدة تسير في اتجاهات متداخلة، ولا تتوخى رسالة تعليمية أو تحمل في ثناياها درسا أخلاقيا ما، قدر ما تلمح ربما، تاركة الخيار لوعي المتلقي ليصنع أسئلته ويكون رؤيته طبقا لمكوناته الذهنية والمعرفية، وأيضا خبراته القرائية، وحجم قدراته في التعاطي مع الفن الروائي.