بعد طول تأمل، وإلحاح شديد من قبل زوجته، قرر( نعيم الفارسي ) أن يكتب عن أهم موضوع يقول أنه شغله وأخذ كل أوقات فراغه، ألا وهو موضوع القراءة، وتأثيرها الحيوي في صنع القادة والعظماء والفلاسفة والمصلحين والمفكرين والمخترعين وغيرهم. فأعاد قراءة سير كثير من العُظماء والمصلحين والقادة
والأدباء وغيرهم. تتبع حياتهم وكيفية نشأتها ليرى هل للقراءة دور في صنعهم؟! فتبين له - تبعا لقوله في مقدمة الكتاب - من خلال قراءة سيرهم أن القراءة النهمة الشديدة والواعية هي عنصر أساسي لأغلبهم، إن لم يكن لجميعهم، خالصا إلى أن «القراءة صنعة العظماء» عنوان كتابه الذي أصله مقولة لعبد الله علي العبدالغني في كتابه «افعل شيئاً مختلفاً» ،أعجب بها الفارسي، فاختارها عنواناً لكتابه الصادر في طبعته الثانية عن « دار الرافدين».
العظماء الحقيقيون
لم يتردد الفارسي في الاعتراف بأن الكتاب هو محاولة منه لتحفيز الناس للدخول إلى عالم القراءة، موضحا أن العظماء الذين قصدهم في كتابه، هم الفلاسفة والمخترعون والمفكرون والأدباء والمصلحون، ومن يسير على شاكلتهم، لأن هؤلاء هم فعلاً من يُغيّرون ويطورن البشرية، على حد قوله. وبدأ وكأنه يمهد أو يبرر لأي تعجب أو دهشة قد يبديها قارئ ما ، حيال الأسماء الواردة في الكتاب ومدى التباينات والهوة بينهم كأثر وقيمة وعطاء وانتاجا ، ما بين أسماء مثل ( الجاحظ ، جلال الدين السيوطي ،إسحاق نيوتن، توماس أديسون ،غاندي ،مصطفى الرافعي، مي زيادة،،سلامة موسى، توفيق الحكيم .، خورخي لويس بورخيس ، جان بول سارتر .. إلخ ) وأسماء أخرى قد تكون اقل شأنا. وعن هذا قال الفارسي :( جان جاك روسو وتوماس بين وأديسون كانوا قُرّاء نهمين، بل كل الفلاسفة والعظماء قراء نهمين بالضرورة، كما قال الباحثون، ولن تجد عظيماً لا يقرأ. فالقراءة توسع عقولهم، وتضيف إلى ذكائهم ذكاء أكثر، وتزيد من عبقريتهم حقيقة لا مجازاً، فيزدادون ذكاء وهمة ووعياً بواقعهم، ويسعون إلى تغييره نحو الأفضل. هؤلاء هم العظماء الحقيقيون الذين يرتقون بالبشرية، وإن لم يكونوا أصحاب مناصب كبيرة في حياتهم. بل إن أصحاب المناصب لو بحثت لوجدت أنهم يستندون إلى أفكارهم، ويعتمدون على ما كتبه هؤلاء العظماء في كتبهم.
هل القراءة هواية؟
«هل فعلاً القراءة ضرورية ؟ أليست هي هواية كباقي الهوايات التي يمارسها بعض الأفراد؟ ألا يوجد بدائل أخرى تُغني عن القراءة؟ لماذا هذا التركيز الشديد دائماً على ضرورة القراءة؟!».
هكذا تساءل الفارسي في بدء الكتاب، ثم سرد مجموعة من آراء ( العظماء) التي قاربت التساؤل ذاته قائلا : سأدع الفلاسفة والمفكرين والباحثين والأدباء وغيرهم يجيبون على هذا السؤال المهم.
ومنهم خالد محمد خالد: «أقول: وراء كل عظيم حشد كبير من الكتب التي قرأها، وأعمل فيها فكره الوثيق. وحين تتبع سير عُظماء البشرية، تجد الشغف بالقراءة كان السّمة المميزة لطفولتهم ونشأتهم الأولى».
والكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الشهير بلقب «رجل المكتبة»، والذي له عدة كتب شهيرة حول القراءة، من أهمها وأشهرها كتاب «تاريخ القراءة»، يؤكد على أهمية القراءة، ويعدّها مثل التنفس من حيث أهميتها. يقول: «القراءة مفتاح العالم». «القراءة مثل التنفس. إنها وظيفة حياتية أساسية». «نحن ما نقرأه».
الموت بين أحضان الكتب
عاشق الكتب لا يترك الكتب في أي مرحلة عمرية يمر بها، بل كل ما زيد في عمره كلما كان أكثر التصاقاً بالكتب. وهكذا كان الجاحظ، حيث ظل ملازماً للكتب، لا يشبع من قراءتها حتى أواخر عمره، عندما بلغ العقد التاسع. بل إن هذه الكتب هي التي تسببت في مقتله. يقول الزركلي: مات الجاحظ والكتاب على صدره، فالجاحظ يستحق أن يلقب بـ «دفين الكتب».و قال جودت سعيد عن الجاحظ: والجاحظ له مقام في الحضارة الإسلامية يتألق نجمه على مر الزمن. وقد كانت وفاته تحت ركام الكتب التي تهدمت عليه. إنه شهيد الكتاب والقراءة. لقد كان قارئاً بمستوى حضاري إنساني عالمي، ولكتبه طعم خاص وذوق معين، وذلك لعالميته في القراءة وإنسانيته
في الثقافة... ومن هنا قال ابن العميد عن كتبه: «إن كتب الجاحظ تُعلّم العقل أولاً، والأدب ثانياً».
أهمية المكتبة المنزلية
وجود مكتبة منزلية تحوي كتباً مهمة في مجالات عدة ضرورة وليس ترفاً، وكذلك توفر المكتبات العامة في المدن والقرى أمر في غاية الأهمية. يقول سلامة موسى:
والمجتمع الراقي يُعْنَى بالمكتبة كما يُعنى بالمدرسة، ففي لندن مثلاً ما لا يقل عن مئتي مكتبة للقراءة والاستعارة بالمجان، أو بأجور منخفضة. والمقاهي في تركيا تتزود كل منها بخزانة صغيرة من الكتب والمجلات كي يقرأها زبائنها والحكومة الأمريكية تبعث بلوريات كبيرة مشحونة بالكتب إلى الريف؛ كي تعير الفلاحين ما يشاءون منها، وتعود بعد أسابيع كي تستبدل بالمجلدات مجلدات أخرى».
ويقول أيضاً: «فأما الجريدة والمجلة والكتاب فإنها في مقدمة الوسائل، ولا يمكن أن يخلو منها بيت متمدن أو يستغني عنها رجل متمدن، وأولئك العظماء الذين قادوا الأمم في الأدب والسياسة والعلوم دون أن يحصلوا على تعليم مدرسي أو جامعي، إنما تحققت لهم هذه القيادة بما امتاز به مجتمعهم من جرائد ومجلات وكتب حسنة. والمكتبة الحسنة لا تقل قيمة عن المدرسة أو الكلية الحسنة، بل لعلها تزيد».
قالوا عن القراءة
«وإني إذ أكتب كتاباً يتغذى من قصتي، فإني سوف أخلق نفسي من جديد وسأبرر وجودي. وسوف أخدم البشرية في الوقت نفسه: وأي هدية تقدم لها أجمل من الكتب؟».
سيمون دي بوفوار
«وإن الخلود ليفسح مكاناً لكبار الساسة والقادة والحكام بعض الوقت، لكنه يُفسح للكتاب والمفكرين والعلماء مكانهم طول الوقت ومدى الدهر».
خالد محمد خالد
«الكتاب هو الخطاب الموجه إلى الأصدقاء المجهولين على وجه الأرض». «فلتقرأ أفضل الكتب أولاً، وإلا ستكتشف أن وقتك قد ضاع».
فولتير
لیست وظيفة الكتب مساعدة البائسين على توفير حياة بديلة، بل العكس تماماً. فلا قيمة للكتب إن لم تأخذ بيد قارئها نحو الحياة، وإن لم تكن في خدمة الحياة. وساعة القراءة هي ساعة ضائعة مهدورة، إذا لم تمنح قارئها دفعة من القوة لمواصلة الحياة، وشعوراً بالتجدد، ونفحةً من طاقة. لا ينبغي لنا أن نقرأ لكي ننسى حياتنا اليومية، بل العكس؛ علينا أن نقرأ من أجل أن نملك زمام حياتنا بشكل أكثر وعياً ونضجاً».
هيرمان هيسه
« ألا ما أسرع ما ينسى الناس أن الكتاب المقروء هو إنسان يتحدث إلى قارئه بأحسن ما عنده من مادة للحديث إنّ الوحدة العددية لمن يعتكف، وأعني حين يكون الإنسان في هدوء عزلته ليست بالضرورة غربة يغترب فيها عن الناس وما يحيون به ويفكرون فيه، بل إنها كثيراً ما تكون هي الفرصة الذهبية للاتصال بخيرة الناس يستمع إليهم فيما يقولونه، شرحاً لأفكارهم وتعبيراً عن وجدانهم. وإنها لأفكار، وإنه لوجدان، لم ينزع من خلاء، بل استصفاه واستقاه هؤلاء المؤلفون من صميم الحياة التي يحيونها في دنيا الفعل والتفاعل».
زكي نجيب محمود
والأدباء وغيرهم. تتبع حياتهم وكيفية نشأتها ليرى هل للقراءة دور في صنعهم؟! فتبين له - تبعا لقوله في مقدمة الكتاب - من خلال قراءة سيرهم أن القراءة النهمة الشديدة والواعية هي عنصر أساسي لأغلبهم، إن لم يكن لجميعهم، خالصا إلى أن «القراءة صنعة العظماء» عنوان كتابه الذي أصله مقولة لعبد الله علي العبدالغني في كتابه «افعل شيئاً مختلفاً» ،أعجب بها الفارسي، فاختارها عنواناً لكتابه الصادر في طبعته الثانية عن « دار الرافدين».
العظماء الحقيقيون
لم يتردد الفارسي في الاعتراف بأن الكتاب هو محاولة منه لتحفيز الناس للدخول إلى عالم القراءة، موضحا أن العظماء الذين قصدهم في كتابه، هم الفلاسفة والمخترعون والمفكرون والأدباء والمصلحون، ومن يسير على شاكلتهم، لأن هؤلاء هم فعلاً من يُغيّرون ويطورن البشرية، على حد قوله. وبدأ وكأنه يمهد أو يبرر لأي تعجب أو دهشة قد يبديها قارئ ما ، حيال الأسماء الواردة في الكتاب ومدى التباينات والهوة بينهم كأثر وقيمة وعطاء وانتاجا ، ما بين أسماء مثل ( الجاحظ ، جلال الدين السيوطي ،إسحاق نيوتن، توماس أديسون ،غاندي ،مصطفى الرافعي، مي زيادة،،سلامة موسى، توفيق الحكيم .، خورخي لويس بورخيس ، جان بول سارتر .. إلخ ) وأسماء أخرى قد تكون اقل شأنا. وعن هذا قال الفارسي :( جان جاك روسو وتوماس بين وأديسون كانوا قُرّاء نهمين، بل كل الفلاسفة والعظماء قراء نهمين بالضرورة، كما قال الباحثون، ولن تجد عظيماً لا يقرأ. فالقراءة توسع عقولهم، وتضيف إلى ذكائهم ذكاء أكثر، وتزيد من عبقريتهم حقيقة لا مجازاً، فيزدادون ذكاء وهمة ووعياً بواقعهم، ويسعون إلى تغييره نحو الأفضل. هؤلاء هم العظماء الحقيقيون الذين يرتقون بالبشرية، وإن لم يكونوا أصحاب مناصب كبيرة في حياتهم. بل إن أصحاب المناصب لو بحثت لوجدت أنهم يستندون إلى أفكارهم، ويعتمدون على ما كتبه هؤلاء العظماء في كتبهم.
هل القراءة هواية؟
«هل فعلاً القراءة ضرورية ؟ أليست هي هواية كباقي الهوايات التي يمارسها بعض الأفراد؟ ألا يوجد بدائل أخرى تُغني عن القراءة؟ لماذا هذا التركيز الشديد دائماً على ضرورة القراءة؟!».
هكذا تساءل الفارسي في بدء الكتاب، ثم سرد مجموعة من آراء ( العظماء) التي قاربت التساؤل ذاته قائلا : سأدع الفلاسفة والمفكرين والباحثين والأدباء وغيرهم يجيبون على هذا السؤال المهم.
ومنهم خالد محمد خالد: «أقول: وراء كل عظيم حشد كبير من الكتب التي قرأها، وأعمل فيها فكره الوثيق. وحين تتبع سير عُظماء البشرية، تجد الشغف بالقراءة كان السّمة المميزة لطفولتهم ونشأتهم الأولى».
والكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الشهير بلقب «رجل المكتبة»، والذي له عدة كتب شهيرة حول القراءة، من أهمها وأشهرها كتاب «تاريخ القراءة»، يؤكد على أهمية القراءة، ويعدّها مثل التنفس من حيث أهميتها. يقول: «القراءة مفتاح العالم». «القراءة مثل التنفس. إنها وظيفة حياتية أساسية». «نحن ما نقرأه».
الموت بين أحضان الكتب
عاشق الكتب لا يترك الكتب في أي مرحلة عمرية يمر بها، بل كل ما زيد في عمره كلما كان أكثر التصاقاً بالكتب. وهكذا كان الجاحظ، حيث ظل ملازماً للكتب، لا يشبع من قراءتها حتى أواخر عمره، عندما بلغ العقد التاسع. بل إن هذه الكتب هي التي تسببت في مقتله. يقول الزركلي: مات الجاحظ والكتاب على صدره، فالجاحظ يستحق أن يلقب بـ «دفين الكتب».و قال جودت سعيد عن الجاحظ: والجاحظ له مقام في الحضارة الإسلامية يتألق نجمه على مر الزمن. وقد كانت وفاته تحت ركام الكتب التي تهدمت عليه. إنه شهيد الكتاب والقراءة. لقد كان قارئاً بمستوى حضاري إنساني عالمي، ولكتبه طعم خاص وذوق معين، وذلك لعالميته في القراءة وإنسانيته
في الثقافة... ومن هنا قال ابن العميد عن كتبه: «إن كتب الجاحظ تُعلّم العقل أولاً، والأدب ثانياً».
أهمية المكتبة المنزلية
وجود مكتبة منزلية تحوي كتباً مهمة في مجالات عدة ضرورة وليس ترفاً، وكذلك توفر المكتبات العامة في المدن والقرى أمر في غاية الأهمية. يقول سلامة موسى:
والمجتمع الراقي يُعْنَى بالمكتبة كما يُعنى بالمدرسة، ففي لندن مثلاً ما لا يقل عن مئتي مكتبة للقراءة والاستعارة بالمجان، أو بأجور منخفضة. والمقاهي في تركيا تتزود كل منها بخزانة صغيرة من الكتب والمجلات كي يقرأها زبائنها والحكومة الأمريكية تبعث بلوريات كبيرة مشحونة بالكتب إلى الريف؛ كي تعير الفلاحين ما يشاءون منها، وتعود بعد أسابيع كي تستبدل بالمجلدات مجلدات أخرى».
ويقول أيضاً: «فأما الجريدة والمجلة والكتاب فإنها في مقدمة الوسائل، ولا يمكن أن يخلو منها بيت متمدن أو يستغني عنها رجل متمدن، وأولئك العظماء الذين قادوا الأمم في الأدب والسياسة والعلوم دون أن يحصلوا على تعليم مدرسي أو جامعي، إنما تحققت لهم هذه القيادة بما امتاز به مجتمعهم من جرائد ومجلات وكتب حسنة. والمكتبة الحسنة لا تقل قيمة عن المدرسة أو الكلية الحسنة، بل لعلها تزيد».
قالوا عن القراءة
«وإني إذ أكتب كتاباً يتغذى من قصتي، فإني سوف أخلق نفسي من جديد وسأبرر وجودي. وسوف أخدم البشرية في الوقت نفسه: وأي هدية تقدم لها أجمل من الكتب؟».
سيمون دي بوفوار
«وإن الخلود ليفسح مكاناً لكبار الساسة والقادة والحكام بعض الوقت، لكنه يُفسح للكتاب والمفكرين والعلماء مكانهم طول الوقت ومدى الدهر».
خالد محمد خالد
«الكتاب هو الخطاب الموجه إلى الأصدقاء المجهولين على وجه الأرض». «فلتقرأ أفضل الكتب أولاً، وإلا ستكتشف أن وقتك قد ضاع».
فولتير
لیست وظيفة الكتب مساعدة البائسين على توفير حياة بديلة، بل العكس تماماً. فلا قيمة للكتب إن لم تأخذ بيد قارئها نحو الحياة، وإن لم تكن في خدمة الحياة. وساعة القراءة هي ساعة ضائعة مهدورة، إذا لم تمنح قارئها دفعة من القوة لمواصلة الحياة، وشعوراً بالتجدد، ونفحةً من طاقة. لا ينبغي لنا أن نقرأ لكي ننسى حياتنا اليومية، بل العكس؛ علينا أن نقرأ من أجل أن نملك زمام حياتنا بشكل أكثر وعياً ونضجاً».
هيرمان هيسه
« ألا ما أسرع ما ينسى الناس أن الكتاب المقروء هو إنسان يتحدث إلى قارئه بأحسن ما عنده من مادة للحديث إنّ الوحدة العددية لمن يعتكف، وأعني حين يكون الإنسان في هدوء عزلته ليست بالضرورة غربة يغترب فيها عن الناس وما يحيون به ويفكرون فيه، بل إنها كثيراً ما تكون هي الفرصة الذهبية للاتصال بخيرة الناس يستمع إليهم فيما يقولونه، شرحاً لأفكارهم وتعبيراً عن وجدانهم. وإنها لأفكار، وإنه لوجدان، لم ينزع من خلاء، بل استصفاه واستقاه هؤلاء المؤلفون من صميم الحياة التي يحيونها في دنيا الفعل والتفاعل».
زكي نجيب محمود