في شهر 4 من هذه السنة ظهر المتحدث باسم الجناح العسكري لحركة حماس في كلمة مرئية، واستشهد بأبيات للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، من قصيدته (ستون عامًا) فأبدلها المتحدث باسم الحركة بقوله: (سبعون عامًا)، وهي قصيدة ساخرة في الهجاء وفيها:
«ستون عامًا وما بكم خجلٌ الموتُ فينا وفيكم الفزعُ»
وهذا له اعتبار في ميزان الفن، والصورة الشعرية، إلا أن الحروب لا تعرف أوزان الشعر، فما معنى أن يقول متحدث عسكري إن الشعب يموت ولكن عدوه يفزع؟ قد تكون مقبولة من شاعر، فكما قيل: أعذب الشعر أكذبه، لكن أن تكون من متحدث عسكري؟
لقد أظهرت الحرب في غزة النسبة الهائلة من لغة الأدب والشعر التي زاحمت اللغة التخصصية في السياسة، والتحليل العسكري على ألسنة متحدثين عسكريين، وقادة سياسيين، في حرب لا مجال فيها للحديث بأوزان الشعر، بل بما تقاس به الحروب من أرباح وخسائر، ويظهر أن الجناح الإعلامي لحركة حماس عرف إلى أي درجة يحدثها التأثير الأدبي في نفوس المتابعين، فظهر في أحد إصداراتهم كتاب لأدهم شرقاوي «رسائل من القرآن» وهو كتاب أدبي كذلك.
حتى إن المحللين العسكريين الذين يفترض أن ينقلوا الصورة الموضوعية إلى المتابع العربي، فزعوا إلى الاستعارات الأدبية، فذكر الدويري في خضم تحليله قصة- لا أصل لها من حيث الثبوت- بأن عمر المختار الذي قاتل الإيطاليين في ليبيا، قيل له: إن مع العدو طائرات، فقال: هل تطير فوق العرش؟ أو تحت العرش، قالوا تحت العرش، فقال: إن من فوق العرش معنا! وهي قصة زائفة لا توجد في أي مصدر تاريخي معتمد.
وبلغ الخلط بين مقام الشعر والسياسة المبلغ الذي طالب فيه الشاعر تميم البرغوثي برفض أي هدنة قد تقترحها إسرائيل على الفصائل الفلسطينية، بحجة أنه يرى أنهم في وضع متقدم عسكريًا، وهو ما لا يسمح بأي توقف ولا مهادنة، محلقًا مع مشاعره التي هي نبع أشعاره، في وقت كان فيه قادة الحركة يطالبون بوقف الحرب على رأس أولوياتهم في أي صفقة قادمة محتملة، ولم يكن الذي يقوله تميم بعيدًا عن كلام عضو المكتب السياسي للحركة محمد نزال الذي ظهر في قناة العربية، وتحدث عن المعارضين لحركة حماس في غزة الذين صار وجودهم ظاهرة مرصودة، بأن تلك المقاطع التي يظهر منها تشكي عدد من الغزيين من الحركة وسياساتها بأنها قد تكون مفبركة!
ثم عاود الظهور على القناة، وصار يتحدث بلغة الأرباح والخسائر، لكنه في سياق هجومه اللفظي على السلطة الفلسطينية، فذكر الخروقات التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية، وقال إن المفاوضات فشلت برأيه، فلما قُلب عليه الأمر، وسئل: ما الذي حققتموه في هذه الحرب؟ لم يكن لديه من جواب سوى القول: إن الحرب لم تنته بعد، رغم سلسلة الحروب التي خاضتها غزة قبل ذلك مع وصول حركة حماس إلى السلطة في غزة (2006) حتى جاءت هذه الحرب بثقلها الكارثي بعشرات آلاف القتلى، والجرحى، والخسائر اليومية، والسيطرة التي وصلت إلى معبر رفح، وزيارة نتنياهو على الأرض في غزة، إلا أن نزال لا يزال يراهن على النهاية، في حرب كتبت كل فصولها بخاتمة مأساوية.
إن واحدة من أهم مكونات حركة حماس، أفكار حركة الإخوان، كحال مختلف الجماعات التي تورطت في الشأن السياسي وهي غير مؤهلة، وظنت أنها عن طريق شعبيتها الجماهيرية المرتكزة على الدعاية بلغة دينية، يمكنها أن تدير دفة السياسة بمهارة لا يفوقها فيها أحد، ورغم ذلك بقيت متعالية على الواقع أو بصيغة أدق منفصلة عن الواقع، غارقة في لغة الأدب والأشعار، فخطاب حركة حماس الإعلامي، بل والسياسي يزن الحرب والكوارث بموازين الشعر، ويغفلون تمامًا عن تحويل غزة إلى ركام، وسط آلاف القتلى والجرحى، ويطالبون غيرهم بأن يمنحهم الفرصة، تلك التي تتضح وفق كلمة سابقة للسنوار: «حتى آخر طفل في غزة»، إن هذه اللغة التي تحدثوا بها، ويبقون على الحديث بها، قد تصلح لتميم البرغوثي لأنه شاعر، لكنها ليست لغة القادة السياسيين في العالم، ولا المتحدثين العسكريين، فهي لغة الدعاية الأيديولوجية، لا الممارسة السياسية، ولا الحديث السياسي الذي يكون واضح الأهداف، بما يسمح بتقييم التجربة وفق تحقيق الوعود المصلحية للشعوب أو الإخفاق فيها.
«ستون عامًا وما بكم خجلٌ الموتُ فينا وفيكم الفزعُ»
وهذا له اعتبار في ميزان الفن، والصورة الشعرية، إلا أن الحروب لا تعرف أوزان الشعر، فما معنى أن يقول متحدث عسكري إن الشعب يموت ولكن عدوه يفزع؟ قد تكون مقبولة من شاعر، فكما قيل: أعذب الشعر أكذبه، لكن أن تكون من متحدث عسكري؟
لقد أظهرت الحرب في غزة النسبة الهائلة من لغة الأدب والشعر التي زاحمت اللغة التخصصية في السياسة، والتحليل العسكري على ألسنة متحدثين عسكريين، وقادة سياسيين، في حرب لا مجال فيها للحديث بأوزان الشعر، بل بما تقاس به الحروب من أرباح وخسائر، ويظهر أن الجناح الإعلامي لحركة حماس عرف إلى أي درجة يحدثها التأثير الأدبي في نفوس المتابعين، فظهر في أحد إصداراتهم كتاب لأدهم شرقاوي «رسائل من القرآن» وهو كتاب أدبي كذلك.
حتى إن المحللين العسكريين الذين يفترض أن ينقلوا الصورة الموضوعية إلى المتابع العربي، فزعوا إلى الاستعارات الأدبية، فذكر الدويري في خضم تحليله قصة- لا أصل لها من حيث الثبوت- بأن عمر المختار الذي قاتل الإيطاليين في ليبيا، قيل له: إن مع العدو طائرات، فقال: هل تطير فوق العرش؟ أو تحت العرش، قالوا تحت العرش، فقال: إن من فوق العرش معنا! وهي قصة زائفة لا توجد في أي مصدر تاريخي معتمد.
وبلغ الخلط بين مقام الشعر والسياسة المبلغ الذي طالب فيه الشاعر تميم البرغوثي برفض أي هدنة قد تقترحها إسرائيل على الفصائل الفلسطينية، بحجة أنه يرى أنهم في وضع متقدم عسكريًا، وهو ما لا يسمح بأي توقف ولا مهادنة، محلقًا مع مشاعره التي هي نبع أشعاره، في وقت كان فيه قادة الحركة يطالبون بوقف الحرب على رأس أولوياتهم في أي صفقة قادمة محتملة، ولم يكن الذي يقوله تميم بعيدًا عن كلام عضو المكتب السياسي للحركة محمد نزال الذي ظهر في قناة العربية، وتحدث عن المعارضين لحركة حماس في غزة الذين صار وجودهم ظاهرة مرصودة، بأن تلك المقاطع التي يظهر منها تشكي عدد من الغزيين من الحركة وسياساتها بأنها قد تكون مفبركة!
ثم عاود الظهور على القناة، وصار يتحدث بلغة الأرباح والخسائر، لكنه في سياق هجومه اللفظي على السلطة الفلسطينية، فذكر الخروقات التي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية، وقال إن المفاوضات فشلت برأيه، فلما قُلب عليه الأمر، وسئل: ما الذي حققتموه في هذه الحرب؟ لم يكن لديه من جواب سوى القول: إن الحرب لم تنته بعد، رغم سلسلة الحروب التي خاضتها غزة قبل ذلك مع وصول حركة حماس إلى السلطة في غزة (2006) حتى جاءت هذه الحرب بثقلها الكارثي بعشرات آلاف القتلى، والجرحى، والخسائر اليومية، والسيطرة التي وصلت إلى معبر رفح، وزيارة نتنياهو على الأرض في غزة، إلا أن نزال لا يزال يراهن على النهاية، في حرب كتبت كل فصولها بخاتمة مأساوية.
إن واحدة من أهم مكونات حركة حماس، أفكار حركة الإخوان، كحال مختلف الجماعات التي تورطت في الشأن السياسي وهي غير مؤهلة، وظنت أنها عن طريق شعبيتها الجماهيرية المرتكزة على الدعاية بلغة دينية، يمكنها أن تدير دفة السياسة بمهارة لا يفوقها فيها أحد، ورغم ذلك بقيت متعالية على الواقع أو بصيغة أدق منفصلة عن الواقع، غارقة في لغة الأدب والأشعار، فخطاب حركة حماس الإعلامي، بل والسياسي يزن الحرب والكوارث بموازين الشعر، ويغفلون تمامًا عن تحويل غزة إلى ركام، وسط آلاف القتلى والجرحى، ويطالبون غيرهم بأن يمنحهم الفرصة، تلك التي تتضح وفق كلمة سابقة للسنوار: «حتى آخر طفل في غزة»، إن هذه اللغة التي تحدثوا بها، ويبقون على الحديث بها، قد تصلح لتميم البرغوثي لأنه شاعر، لكنها ليست لغة القادة السياسيين في العالم، ولا المتحدثين العسكريين، فهي لغة الدعاية الأيديولوجية، لا الممارسة السياسية، ولا الحديث السياسي الذي يكون واضح الأهداف، بما يسمح بتقييم التجربة وفق تحقيق الوعود المصلحية للشعوب أو الإخفاق فيها.