فاطمة المزيني

اعتراف استفتاحي..

تلقيت نصيحة بإصدار كتاب! قال صاحب النصيحة: إن الوجود في منصات معارض الكتب ومواقع التواصل بات ضروريًا للتعريف بالكاتب وإكسابه العلاقات التي تدعمه، وإن كثيرًا من دور النشر قد لا تمانع نشر كتاب صفحاته بيضاء إذا كان لدى كاتبه عدد متابعين كبير في مواقع التواصل، وأما النص فموضوع يتحمل وجهات النظر!

ومع أنني أثمن هذه النصيحة إلا أنني أستشعر أننا واقعون فعلًا في مأزق نسقي حرج.

الذي أقوله إنني لا أختلف مع أهمية تكتيكات الانتشار كجزء من رحلة وجود الكاتب على أن تكون لاحقة لتجربة إنتاجية وكتابية عالية وممتدة.

تعقيب لا بد منه..

في الحقيقة لا يمكننا توقع تجارب ثرية وعظيمة في غياب النقد الموضوعي المتجرد الذي يتجاوز المدح والذم إلى تقديم رؤى مدروسة تتماشى مع معايير وأسس النقد، وتتمثل ما أنتجته مذاهب النقد بمساراتها الفلسفية والأدبية كافة، بما يمهد الطريق أمام إبداع جديد يضيف لفعل الكتابة فلا يداهنه ولا يصادمه. والحق أنني لا أعرف أي طريقة أخرى لتطوير إنتاجنا الشعري والسردي والفني.

يقارب أستاذنا سعيد السريحي هذه المسألة في الاعترافات والتعقيبات التي طرحها مؤخرًا. وبغض النظر عن الجدليات الجانبية التي أثيرت حولها فالسؤال الذي نطرحه هنا هو لماذا؟

لماذا يلتزم النقاد عمومًا الصمت أمام عشرات الإصدارات الأدبية والشعرية؟ وأنا هنا لا أتحدث عن الإصدارات التفاعلية التي لا يتعدى وجودها الملف التعريفي بصاحبها في حسابات التواصل، بل أتحدث عن إنتاج يحتفى به في الفعاليات الثقافية ويتصدر أصحابه الأمسيات والمهرجانات ويحضر بصفته واجهة ثقافية سعودية في معارض عربية ودولية.

وكيف يمكن لشاعر أو روائي أن يعرف قيمة إنتاجه ويحسنه دون أن تلامسه الاشتغالات النقدية الجادة غير المتحيزة، بل كيف تتطور ذائقة المتلقي في عالم الميديا المكتظ بمعالجات فارهة لقضايا فارغة؟

تعقيب آخر لا بد منه..

لا أكشف سرًا حين أقول إن انتشار (الزعولين) من شعراء وكتاب هو أحد أسباب صمت النقاد ذوي النزعة البراجماتية من فئة (تسلم السلامة)، وهذا في حد ذاته مؤشر لعدم فهم كثيرين عملية النقد الذي كان عبر تاريخه محركًا ومولدًا لنشوء المذاهب الفكرية والمدارس الأدبية.

فئة أخرى من النقاد (الكبار) يذهبون إلى أن تعرضهم بالنقد لعمل ما ولو كان جيدًا مؤثرًا يمنحه نوعًا من الدعاية المجانية! فهم ينصبون ذواتهم كمرجعيات يحق لها تشييء النقد فضلا عن تشييء الإبداع!

غياب النقد معضلة ذات حدين، فإذا كانت تؤدي لتناسل تجارب شعرية أدبية رديئة من جهة، فهي بالضرورة تؤدي لتخلق تجارب نقدية ضامرة يختار أصحابها أن يبدلوا نظارة النقد بالطبول أو قلم الكتابة بالمطارق!

فهل ستكون المداولات الأخيرة حول غياب النقد تدشينًا لمرحلة إحياء النقد الأدبي السعودي؟

نرجو هذا ونستحقه.