ليس سرأ أن أذكر أن اجتماعاتٍ عدة على المستويين الرسمي والأهلي، قد تمت لتجهيز مسارٍ خاص لتفعيل العمل بمشروع المحافظة على منطقة جدة التاريخية وتنميتها. ومعلومٌ للجميع أن هذه المنطقة المهمة تضم الكثير من المباني والمواقع التراثية المملوكة للمواطنين، ويصعب أحياناً نزع ملكيتها للحفاظ عليها، وتركُها دون عناية يؤدي إلى تدهور حالتها الإنشائية يوماً بعد يوم، ولذا كان لا بد من تضافر الجهود لوضع الآليات المناسبة لدعم وتأهيل واستثمار المباني والمواقع المملوكة للمواطنين، وتيسير تقديم الدعم الفني والمالي اللازم للملاك والمستثمرين بهدف المحافظة عليها وتنميتها، وتم بالفعل إعداد تصورٍ متكامل لمسارٍ جديد للتعامل مع جدة التاريخية تمهيداً لرفعه لسمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الأمير سلطان بن سلمان الذي سيزف قريباً ـ بأمر الله ـ ما يدخل البهجة على الجميع.. رؤية التصور تمثلت في إعادة تأهيل المباني والمواقع التراثية المملوكة للمواطنين في جدة التاريخية وتنميتها اقتصادياً وعمرانياً وثقافياً بأسلوبٍ مستديم يحافظ عليها، ويجعلها مورداً اقتصادياً ومصدراً لفرص العمل، كما حفل التصور نفسه بأهدافٍ مهمة تمثلت في المحافظة على المباني والمواقع التراثية في المنطقة من خلال استثمارها وإعادة تأهيلها، وتحقيق المصالح المادية المعطلة للملاك، وإضافة منتج سياحي متميز على خارطة المدينة، وتنفيذ تجربة قياسية لتأهيل مباني ومواقع التراث العمراني، وإيجاد فرص عمل جديدة، والمحافظة على استمرارية الهوية العمرانية التراثية لجدة، والاستفادة من السياحة كوسيلة لتفعيل النشاط الاقتصادي في المباني والمواقع التراثية بجدة التاريخية، والاستثمار في مشاريع مستدامة تعود بالفائدة على المالك والمستثمر للمباني والمواقع التراثية، وإحياء الحرف والصناعات التقليدية والتراث غير المادي في جدة، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في المباني والمواقع التراثية بالمنطقة التاريخية.
ما يهمني بشكل خاص من الأهداف السامية السابقة هدف (تحقيق المصالح المادية المعطلة)، وأخص بذلك موضوع الحكر، الذي أعيد الكتابةَ والتنويه عن أهمية الفصل الشرعي في موضوعه ـ الحِكر شكل من أشكال التصرفات على العقار في المملكة، ونشأ بالأخص أيام العثمانيين، ويتم بموجبه تملك المحتكر لمنفعة الأرض (الأنقاض) دون الرقبة (الأرض) مقابل مبلغ سنوي رمزي يدفعه المحتكر لصاحب الأرض ـ لا سيما أن التعاميم بخصوص الحكر محدودةٌ، وآخرها صدوراً تم قبل 29 سنة، والتطبيقات متباينة.
مستحقو المصالح المعطلة عموماً، ومن الفقراء والمساكين خصوصاً يلتمسون إعادة النظر في موضوع تنظيم الحكورات للقضاء على الخلافات الناشئة، ولمنع الظلم الذي أصابهم من جراء العقود مطلقة المدة، خاصة أن أحكام الوقف وحكوراته معظمها ناتجةٌ عن اجتهادات فردية، وأن النصوص المباشرة لتنظيم ذلك قليلةٌ جداً أو غير موجودة، وأن الأجور متغيرة بتغير الأزمنة.. الأسئلة في موضوع الحكر كثيرة، وهي تنتظر إجابات شرعية مباشرة.. هل يجوز أن يبيع المحتكر منفعته في الحكر؟.. كم يستحق صاحب الأرض والمحتكر في حال زوال الحكر للمنفعة العامة؟.. كيف يمكن تحرير الحكر؟ ..ما الحل فيما لو لم يدفع المحتكر قيمة الحكر؟.. إذا لم تحدد فترة الحكر، هل تكون مدة الحكر إلى ما لا نهاية؟.. ما حكم زيادة الأجرة في الحكر المطلق عن المدة، أو المقيد بزمن؟.. فغير مقبول أن أحفاد المحتكرين لأرض قيمتها حوالي 15 مليون ريال، وتدر دخلاً سنوياً يزيد عن 600 ألف ريال، يدفعون لأحفاد ملاك الأرض مقابل الحكر مبلغاً قدره: 300 ريال سنوياً فقط (أكرر: ثلاثمائة ريال فقط).