سادت حالة من التذمر والاستياء الشديدين بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو لأحد الدعاة يذكر فيه أن جابر بن حيان شخصية وهمية، ولا يوجد شخص بهذا الاسم، وأضاف أن «الكتب التي تنسب إليه يدعي أنه أخذها من جعفر الصادق، وهي في الكيمياء، وكلها علوم لم يكن يتعاطها العرب وقتها بهذه الطريقة». مرتادو منصة «إكس» وجهوا سيلا من الانتقادات الحادة، واستنكر الكثيرون منهم إنكار الداعية وجود شخصية جابر بن حيان، رغم ذكره والاستشهاد به في عشرات المراجع الغربية.
في الواقع مثل هذا الخطاب ليس جديدا فعندما نسترجع سير العلماء المسلمين، كابن سينا والفارابي والكندي وابن هيثم وابن رشد، مرورًا بابن المقفع والجاحظ، والمعري، وغيرهم كثير.. نجد أن هؤلاء تم تكفيرهم وزندقتهم من قبل بعض الدعاة، فلا غرابة إذن في وصف جابر بن حيان بأنه شخصية وهمية خيالية لا وجود لها !
واللافت أن مثل هذا الخطاب هو نفسه خطاب التيار التقليدي الغربي الذي دأب على تشويه صورة العلماء العرب والمسلمين لدرجة أن الأوروبيين في العصور الوسطى عندما ترجموا العلوم العربية، خاصة كتب الطب والصيدلة والجبر، إلى اللغات الأوروبية آنذاك، كانوا يضعون على غلافاتها أسماء يونانية ورومانية، حتى لا يعاقبوا، وبالوقت نفسه يستفيد منها الناس.
فعندما بدأ الحراك الثقافي في أوروبا وأخذ يتصادم فيه التيار التقليدي مع التيار التحديثي الناشئ والجديد آنذاك، نعت التيار التحديثي من قبل التيار التقليدي، بأنه تيار غريب عن المجتمع الأوروبي المسيحي وتم اتهامه بالعمالة للعرب والمسلمين، لغرض تقويض المسيحية. وتم تسميتهم بالمستعربين.
وهنا تتناقل كتب التاريخ أن أحد أقطاب الكنيسة قال لشباب كانوا يتداولون كتب ابن حيان وابن رشد ويتفاخرون بعلومهم: «إنه لا خير ممكن أن يتم توقعه من العرب، فما هم إلا كلاب مسعورة تنبح في وجه سيدنا المسيح. ولو ذكر لهم الحقيقة لكان أجدى لهم، أي لو قال لهم، لو كان في العقل خير لاحتفظ به العرب ولما صدروه لنا، إنهم يدسون لنا السم بالعسل، أفلا تفهمون يا سفهاء الأمة».
هؤلاء أنفسهم - أي المستشرقين الغربيين وهم من أصحاب المدرسة التقليدية - هم من شككوا بوجود جابر بن حيان تماما كما شككوا بوجود شخصيات عالمية محسوبة على المدرسة التنويرية أمثال الشاعر «هوميروس» بل شككوا حتى في «شكسبير» واعتبروه شخصية أسطورية وهمية من صنع المدرسة الأوروبية التنويرية الحديثة. وعندما تذهب للمكتبات الجامعية في الدول الغربية تجد مدونا في بطون كتبها أن الكيمياء الحديثة لم تولد الآن بل ترجع في سياقها التاريخي إلى أسس الكيمياء القديمة التي أرساها ابن حيان. فهذا الفيلسوف البريطاني المعروف «برتراند راسل» وقد ترجم كثيرا من علوم ابن حيان إلى الإنجليزية قال عنه «إنه من أشهر علماء العرب وفلاسفتهم». ويشير إليه الرازي بقوله: «أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان». وتوجد كثير من الشهادات الغربية والشرقية التي تتحدث عن ابن حيان وغيره من العلماء العرب بأنهم من الرواد في تكوين منهج البحث العلمي بالمعنى الحديث.
أخيرا - عودة لخطاب الداعية - يتضح هنا أنه يمتد للوعي التقليدي، وهو لا يختلف عن بنية الوعي التقليدي الأوروبي، هما يشتركان ويجتمعان في خشيتهما من التنوير والتحديث، وهذا لا يعني بالطبع أنهما مرتبطان أو عميلان لبعضهما البعض. هي في الواقع طبيعة اختلاف الوعي البشري في كل الأزمنة والأمكنة، وعي مستغرق في النمطية والتقليدية، ووعي آخر يعشق التطور والتحرك والتحضر.
طبيعة اختلاف العقل البشري في كل الأزمنة والأمكنة، وعي مستغرق في النمطية والتقليدية، ووعي آخر يعشق التطور والتحرك والتحضر
في الواقع مثل هذا الخطاب ليس جديدا فعندما نسترجع سير العلماء المسلمين، كابن سينا والفارابي والكندي وابن هيثم وابن رشد، مرورًا بابن المقفع والجاحظ، والمعري، وغيرهم كثير.. نجد أن هؤلاء تم تكفيرهم وزندقتهم من قبل بعض الدعاة، فلا غرابة إذن في وصف جابر بن حيان بأنه شخصية وهمية خيالية لا وجود لها !
واللافت أن مثل هذا الخطاب هو نفسه خطاب التيار التقليدي الغربي الذي دأب على تشويه صورة العلماء العرب والمسلمين لدرجة أن الأوروبيين في العصور الوسطى عندما ترجموا العلوم العربية، خاصة كتب الطب والصيدلة والجبر، إلى اللغات الأوروبية آنذاك، كانوا يضعون على غلافاتها أسماء يونانية ورومانية، حتى لا يعاقبوا، وبالوقت نفسه يستفيد منها الناس.
فعندما بدأ الحراك الثقافي في أوروبا وأخذ يتصادم فيه التيار التقليدي مع التيار التحديثي الناشئ والجديد آنذاك، نعت التيار التحديثي من قبل التيار التقليدي، بأنه تيار غريب عن المجتمع الأوروبي المسيحي وتم اتهامه بالعمالة للعرب والمسلمين، لغرض تقويض المسيحية. وتم تسميتهم بالمستعربين.
وهنا تتناقل كتب التاريخ أن أحد أقطاب الكنيسة قال لشباب كانوا يتداولون كتب ابن حيان وابن رشد ويتفاخرون بعلومهم: «إنه لا خير ممكن أن يتم توقعه من العرب، فما هم إلا كلاب مسعورة تنبح في وجه سيدنا المسيح. ولو ذكر لهم الحقيقة لكان أجدى لهم، أي لو قال لهم، لو كان في العقل خير لاحتفظ به العرب ولما صدروه لنا، إنهم يدسون لنا السم بالعسل، أفلا تفهمون يا سفهاء الأمة».
هؤلاء أنفسهم - أي المستشرقين الغربيين وهم من أصحاب المدرسة التقليدية - هم من شككوا بوجود جابر بن حيان تماما كما شككوا بوجود شخصيات عالمية محسوبة على المدرسة التنويرية أمثال الشاعر «هوميروس» بل شككوا حتى في «شكسبير» واعتبروه شخصية أسطورية وهمية من صنع المدرسة الأوروبية التنويرية الحديثة. وعندما تذهب للمكتبات الجامعية في الدول الغربية تجد مدونا في بطون كتبها أن الكيمياء الحديثة لم تولد الآن بل ترجع في سياقها التاريخي إلى أسس الكيمياء القديمة التي أرساها ابن حيان. فهذا الفيلسوف البريطاني المعروف «برتراند راسل» وقد ترجم كثيرا من علوم ابن حيان إلى الإنجليزية قال عنه «إنه من أشهر علماء العرب وفلاسفتهم». ويشير إليه الرازي بقوله: «أستاذنا أبو موسى جابر بن حيان». وتوجد كثير من الشهادات الغربية والشرقية التي تتحدث عن ابن حيان وغيره من العلماء العرب بأنهم من الرواد في تكوين منهج البحث العلمي بالمعنى الحديث.
أخيرا - عودة لخطاب الداعية - يتضح هنا أنه يمتد للوعي التقليدي، وهو لا يختلف عن بنية الوعي التقليدي الأوروبي، هما يشتركان ويجتمعان في خشيتهما من التنوير والتحديث، وهذا لا يعني بالطبع أنهما مرتبطان أو عميلان لبعضهما البعض. هي في الواقع طبيعة اختلاف الوعي البشري في كل الأزمنة والأمكنة، وعي مستغرق في النمطية والتقليدية، ووعي آخر يعشق التطور والتحرك والتحضر.
طبيعة اختلاف العقل البشري في كل الأزمنة والأمكنة، وعي مستغرق في النمطية والتقليدية، ووعي آخر يعشق التطور والتحرك والتحضر