منذ خمسينيات القرن العشرين، وقعت عدة مقترحات لنهضة اقتصادية في مصر ضحية سياسات الدول العظمى ومصالح الاستعمار الجديد، خاصة من بريطانيا التي كانت تستعمر مصر سابقا

انتخبت مصر رئيسا جديدا. وهي محاطة باضطرابات جديدة تؤججها قوى خارجية بما في ذلك واشنطن، فإن شيئا واحدا هو مؤكد، وهو أن الأولوية الأعلى لديه يجب أن تكون التطور الاقتصادي للبلد. مصر بلد تاريخي، وهي بلد فتي في نفس الوقت، وهناك بداية جديدة تنتظر هذا البلد. هذا البلد التاريخي العظيم لديه فرصة بأن يصبح الأعجوبة الاقتصادية لشمال أفريقيا – لكن هذا يتطلب مساعدة الغرب والقوى الإقليمية. علينا أن نأمل ألا يرتكب الغرب الغلطة نفسها حول مصر كتلك التي ارتكبها في 1956 – رفض تمويل السد العالي في أسوان.
منذ خمسينيات القرن العشرين، وقعت عدة مقترحات لنهضة اقتصادية في مصر ضحية سياسات الدول العظمى ومصالح الاستعمار الجديد، خاصة من بريطانيا التي كانت تستعمر مصر سابقا. إحدى مآسي التاريخ الكبرى بهذا الخصوص كان قرار الولايات المتحدة في 1956 بأن تنقض اتفاقية سابقة لتمويل بناء السد العالي في أسوان. كان ذلك قرارا أحمق وخطيرا اتخذه وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت جون فوستر دوليس، الذي دفن آمال مصر بالتطور الاقتصادي في الحرب الباردة وفي التأييد المطلق لإسرائيل. وتم بناء السد في النهاية بتمويل من الاتحاد السوفيتي، بعد أن سحبت الولايات المتحدة وبريطانيا عرضهما بتقديم 70 مليون دولار –وهو الشرط المسبق للحصول على 200 مليون دولار إضافية من البنك الدولي. بعد أشهر قليلة، واجهت الولايات المتحدة أزمة قناة السويس. يقول مؤرخون إنه بقراره الأحمق وإهانته لمصر بسحب تمويل السد العالي قدم دوليس نموذجا مثاليا لعمل قانون النتائج غير المقصودة.
اليوم، مع تزايد التوتر كل ساعة حول ما إذا كان الغرب سيقبل التلاعب بنتائج انتخابات 2012 في مصر، فإن النتائج غير المقصودة بتجاهل الحاجات الاقتصادية وطموحات الشعب المصري يمكن أن تكون أكثر خطورة من خطأ دوليس والرئيس آيزنهاور لعام 1956. بدلا من المصادقة على مرشح محدد، والتجاوب مع خيار غير مرحب به في واشنطن بعقوبات وتهديدات (كما حدث في انتخابات السلطة الفلسطينية عام 2006)، فإن رؤيا الحلم الاقتصادي الجديد يمكن أن يتم تبنيها.
فقط مثل هذا الحلم الاقتصادي لمصر والمنطقة هو على الطاولة، مقترح اسمه مرور أفريقيا، وهو من تصميم المهندس المصري الشاب أيمن رشيد، 38 سنة، وهو أستاذ جامعي وضابط سابق في الجيش المصري، وقد رشح نفسه لبطولة نقابة المهندسين المصريين. المهندس رشيد يصف المهندسين المصريين بأنهم كادر البلد من أجل التغيير وتحقيق التطور الاقتصادي. خطته تم تسليمها في فبراير 2012 إلى مكتب رئيس الوزراء المصري، وقد ظهر في عدة مقابلات على التلفزيون المصري لتطوير الفكرة بشكل أفضل. ليست هناك دراسة إمكانية التطبيق بعد، لكن احتمالات التوظيف الإنتاجي للأعداد الكبيرة من المصريين العاطلين عن العمل وتطوير الدول المجاورة عديدة.
إحدى الميزات الرئيسية لميزات خطة مرور أفريقيا هي تطوير أربعة ممرات نقل تبدأ ببناء ميناء بحري حديث في سيدي براني قرب الحدود الليبية. وهناك عنصر ثان يتعلق بتطوير الموارد المائية.
بالاتجاه غربا، يضع أيضا رؤية لخط حديدي سريع عبر شمال أفريقيا ليصل مع أوروبا عبر نفق جبل طارق الذي يخطط لبنائه بين المغرب وإسبانيا. في الشرق، يصل ممر آخر بين مصر وجنوب غرب آسيا من خلال نفق تحت قناة السويس وجسر من سيناء إلى السعودية. إلى الجنوب، يتصل ميناء سيدي براني مع دول منطقة البحيرات العظمى –رواندا، بوروندي، أوغندا، جمهورية الكونغو الديموقراطية، جمهورية أفريقيا الوسطى- وإلى الجنوب والشمال السودان، بخط قطار سريع وطرق سريعة حديثة.
داخل مصر وعلى طول ممر مرور أفريقيا، يمكن بناء خمس مدن بين كل واحدة والأخرى 250 كيلو مترا، في منطقة هي عمليا صحراء حاليا. المياه التي يتم نقلها عن طريق قناة ستحول الصحراء إلى أرض زراعية وتنهي حاجة مصر للمواد الغذائية، وفي الحقيقة، ستحول البلد إلى سلة غذاء.
تطوير الموارد المائية في خطة مرور أفريقيا تضم مشاريع جريئة أيضا. بالفعل، الأقنية والممرات المائية موازية بشكل مقصود للطرق الحديدية والطرق السريعة. إحدى قنوات الري هذه سيكون عرضها 40 مترا، عنقها 15 مترا، وطولها 3.800 كيلومتر، وتتدفق بالمياه العذبة شمالا من الأراضي المرتفعة حيث ينبع نهر الكونغو إلى غرب القاهرة في مصر. ستمر القناة من الكونغو عبر جمهورية أفريقيا الوسطى، جنوب وشمال السودان، إلى مصر، وتساعد الجميع في طريقها. على طول هذه القناة/ممر النقل ستتطور مراكز حضرية تكون مراكز للتعليم، التكنولوجيا والتقدم، وليس للبؤس واليأس.
بالتحدث إلى مسافر عاد مؤخرا من فلسطين، من الواضح أن الناس في المنطقة تعبوا من الحرب، من إراقة الدماء، من أن يكونوا مخالب في صراعات القوى العظمى والحروب بالنيابة. مراكز البحث في واشنطن تحاول باستمرار تحليل الربيع العربي وتتحدث الآن عن شتاء أصولي. لكن الآمال والمخططات على الطاولة، وهذه المشاريع لن تساعد مصر فقط، لكنها ستقدم التفاؤل بمستقبل ناصع للعالم العربي كله.