لا يمكن لأي مشروع تعليمي أن ينفصل عن حاجات المجتمع الذي يتشكل داخله!
وحينما أطلق مشروع الملك للابتعاث لم يكن الهدف منه مجرد نشر المعلومات، ولا تكديس الخريجين. هناك أهداف استراتيجية تتعلق بمستقبل التطوير المدني للمملكة العربية السعودية ككل. هناك آلاف المبتعثين الذين يتعلمون الآن في كل مكان. سيعود الكثيرون منهم وقد نهلوا من العلم عبر منابعه الأساسية. صحيح أن بعض الطلاب أخذوا الابتعاث نزهة، واستغلوا المنح الدراسية إما للتجارة، أو العبث وإزجاء الوقت. ونعرف جيداً أن هناك وساطات دخلت على خط الابتعاث.
رغم كل تلك الملاحظات التي يمكن أن تطرح تجاه أي مشروع، غير أن الابتعاث بحد ذاته أمر إيجابي، وله آثار ممتازة، ستنعكس على مستويات اجتماعية متعددة. يرى البعض أن الابتعاث ربما يساهم في تغيير عادات المبتعث، أو ربما يغير ثقافته، أو أن للابتعاث مخاطره، وهي حجج جعلت الناس لفترة من الزمن، يخافون على أبنائهم من الابتعاث.
إننا لو تأملنا في التجارب التي مرت على دوائر التعليم العربية أثناء نشاط الابتعاث نجد أن الذين تم ابتعاثهم عادوا بعقول معرفية أسست لتوازن فكري وثقافي وعملي داخل بلدانهم. يكفي أن نتذكر أن العديد من الكفاءات التي استفادت منها المؤسسات الإدارية الحيوية كانوا من المبتعثين، من بين هؤلاء على سبيل المثال وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، والدكتور غازي القصيبي و غيرهما.
الهوية الثقافية التي ينشأ عليها الإنسان في بيته بشكل صحيح، لا يمكن أن تهزم بمجرد الاحتكاك بالهويات الثقافية الأخرى، بل ربما يستفيد في تغذية هويته الخاصة من خلال احتكاكه بالثقافات والهويات الأخرى، لكن لا يمكن أن يتم طمسها. هذا ما تعلمناه من خلال التجارب الخليجية مع الابتعاث.
قال أبو عبد الله غفر الله له: والرحلة للاستزادة من المعرفة موجودة لدى الإنسان منذ القدم، بل كان الناس يقدّرون من يرحل ليستزيد من العلْم ومن المعرفة. وقديماً في فترة ما قبل الميلاد، رحل أرسطو سنة (367 ق.م) من مدينة ستاغيرا إلى أثينا ليلتحق بمعهد أفلاطون. آمل أن يؤسس الابتعاث الجديد لثقافة تنير مستقبل الأجيال!