نوبة ضحك هستيرية كفيلة بعلاجك من أمراض نفسية، ولحظة تأمل وتفكير قد تساعدك في حل مشكلة عالقة، وجلسة يوجا قد تجدد طاقتك، وجلسة «ثيتا» وهي نوع من أنواع التأمل، قد تسهم في تغيير أفكارك السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية.
هذا ما يروج له مهتمون بالتأمل واليوجا، وإدارة تطوير الذات، ودراسة الطاقة الداخلية في علم النفس، عبر إعلانات تسويقية تستخدم عبارات طنانة كعوامل جذب لاستثمار تجاري جديد يقتحم سوق العمل، ويركز على طاقة الروح وانعكاسها على الجسد والسلوكيات النفسية.
وشاع الاستثمار في مواضيع «التأمل» على نحو كبير وملحوظ في الآونة الأخيرة، ولعل إحصائية أجرتها مدينة الملك سعود الطبية، ممثلة بقسم الصحة النفسية، قد كشف أن نسبة الإصابة بأي اضطراب نفسي وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية - الرابع في المملكة بلغت 34.2 %، وهي نسبة تشير إلى حجم الاحتياج لتدخلات استرخاء وتخفيف من الضغوط والتوتر وغيرها، كما أعلن المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية أنه قدم أكثر من 18 ألف استشارة نفسية حسب آخر رصد له في 2022.
وما بين شكوك كثيرين من جدوى هذه «المعالجات» والجلسات، وما بين تساؤلاتهم عما إن كانت بديلة للعيادات النفسية التخصصية، وبين يقين آخرين بنفعها، بدأت عدة مراكز متخصصة الحصول على تسجيل رسمي لها لدى اللجنة السعودية لليوغا، وهي لجنة رياضية تحت مظلة اللجنة الأولمبية العربية السعودية التابعة لوزارة الرياضة، تأسست في العام 2021، نظرًا لشعبية رياضة اليوجا وانتشارها الواسع في المملكة، وللرغبة الجادة في الإشراف على أنشطتها والعمل على تطويرها ودعم ممارسيها ومحترفيها، لتطوير أدائهم وتحسين جودة التدريب في المملكة.
وتشترط اللجنة أن يحصل العاملون في هذه المهنة على شهادة في التخصص يحصل عليها البعض من مدارس مختلفة لليوجا، بعضها من الهند، وبعضها من معاهد أمريكية تقدم بشأنها شهادات معتمدة.
لكن مع كل هذه المحاولات التنظيمية فإن البعض يمارس هذه الرياضة والعلاجات كأفراد مدربين بعيدًا عن المراكز الخاصة والمسجلة، وقد تكمن الإشكالية لدى هؤلاء في أن أعمالهم تتم دون رقابة أو مرجعية.
مصير مبهم
يعتقد كثيرون أن جلسات الضحك واليوجا والـ«ثيتا» مجرد ادعاءات لا أسس لها، فيما يراها آخرون قائمة على علم وفلسفة روحية.
وتقول زهراء فوزي، وهي مدربة «ثيتا هيلينغ» حصلت على شهادتها من مركز أمريكي، إن جلسات التأمل والاسترخاء، وتحديدًا اليوجا تعود إلى مدارس مختلفة، أبرزها الهندية، وقد توسعت وانتشرت أخيرًا، وارتفع عدد مقدميها، ونسبة مقدميها من الرجال كبير جدًا، خلاف ما يُعتقد من أن النساء هن الأكثر اهتمامًا بالجوانب النفسية.
وعن جلسات الثيتا أوضحت «هي جلسات تنقل الدماغ من مرحلة التفكير إلى مرحلة بين الوعي واللاوعي، وهي حالة ذهنية مرتبطة بالاسترخاء العميق والإبداع والتركيز المتزايد، إلى أن تصل إلى حالة ثيتا، وهنا ستتمكن من الوصول في دماغك إلى جزء لا يمكن الوصول إليه عادةً أثناء ساعات الاستيقاظ».
وتابعت «غالبًا ما ترتبط هذه الحالة الذهنية بالتأمل وما يشبه التنويم وأشكال أخرى من تقنيات الاسترخاء بطرق روحانية».
ولفتت إلى أن ممارسة الثيتا أشبه بالعلاج النفسي الذي يعتمد على البحث في العقل الباطن للوصول إلى جذر المشكلة المتسببة في المعاناة النفسية، وتسهم في علاج اضطراب المشاعر مثل الاكتئاب والقلق وتساعد في التشافي من العلاقات السامة والتصالح مع الذات.
وأشارت كذلك إلى وجود تقنية خاصة تحت مسمى مستوى الـDNA الذي يُعنى بالتشافي من أثر الأمراض الوراثية، الشيخوخة، ومعتقد قلة الحظ والفقر، بحيث تعمل التيثا على تجديد الخلايا الدماغية والنفسية لرفع مستوى الوفرة في الذات واستقبال الطاقة الإيجابية والتفاؤل، والانفصال التام عن كل ما يتسبب في إثارة السلبية».
موضحة أنه «لا يمكن للممارس أن يجد نتيجة قوية إذا كانت قناعته بالثيتا متدنية، حيث عليه أن يقتنع تمامًا ونفسيًا بتأثيرها وانعكاسها الجيد، ويأتي ذلك مع الممارسة المستمرة».
وأكملت «نحن نشهد وبشكل مضطرد ارتفاع نسبة الوعي و التطوير والتمكين الذاتي، ولذلك نجد إقبالًا كبيرًا على مثل هذه الكورسات التدريبية وهذه التوجهات التأملية لتحسين الذات والارتقاء بها للأفضل، وقد بدأت مراكز متعددة في الإمارات مثلا باعتماد شهادات رسمية للمتدرب الذي يرغب بمزاولة التدريب وتقديم الكورس العلاجي بتقنية الثيتا، ونطمح أن نجد مثل هذا الاعتماد في المملكة أيضًا».
حضور للفهم
تقدم عدد من المراكز عروضًا تنافسية لاستقطاب الراغبين بممارسة اليوجا ومنها الثيتا، وقد تصل إلى 400 ريال للجلسة الواحدة، وهناك من يقدمها بأسعار تتراوح بين 150 إلى 250 بحسب تقييم الحالة.
وأوضحت مدربة جلسات التأمل والاسترخاء زكية العبد الجبار أنها قدمت عددا من الجلسات التأملية كان السعر التقديري لكل منها 400 ريال، وتقدم كسلسلة على مدى 8 جلسات بواقع ساعتين في الجلسة الواحدة موزعة على 3 أسابيع لإمكانية التطبيق الجيد للحصول على عادات جيدة ونجحت المشاركات فيها.
وأردفت «تلقى هذه الدورات إقبالا جيدًا، وفي غالبية الأحيان يطالب من يحضر الدورة بإعادتها بنصف السعر، وهناك من دخلها أكثر من مرتين، وبحسب ما شهدناه فمن يتقدم لها يُشجع على استمرارها، ومن لم يحضرها لا يستطيع تقدير الفائدة منها، وهي جلسات تسهم في معرفة طرق تسيير الحياة بلطف ووعي وسهولة ليصل المرء من خلالها إلى الرضا عن نفسه».
ولفتت إلى أنه كان لوباء كورونا الأثر الأكبر في ارتفاع نسبة الاحتياج المجتمعي لمثل هذه الجلسات.
يوجا الضحك
تشرح مدربة يوجا الضحك رائدة السبع، وهي مدربة حاصلة على شهادتها من مدرسة هندية، أن كثيرين يعانون من القلق والسهر، وسرعة رتم الحياة، والضغط المتواصل في العمل أو المنزل، كما أن آخرين يعانون من أمراض السكر والضغط والقلب، لذلك جاءت تقنية «يوجا الضحك» لتحسن من جودة النوم، وتُحسن المزاج في غضون دقائق، كما تحسن علاقة الشخص بعائلته وأطفاله وتجعله أكثر لطفًا وبهجة.
وأضافت «يوجا الضحك تساعدك في فهم مشاعرك وتحررك من الضغوط والشعور بالغضب والخوف وتحسن من مزاجك ونفسيتك وتعزز مناعتك».
وعن التكلفة قالت «هي تكلفة رمزية وتوازي جلسة في مقهى مع أصدقائك».
وعلقت «روحك تستحق البهجة مثلما مزاجك يتوق إلى شرب القهوة».
وتعرف يوجا الضحك بأنها تقنية تنقلك إلى مزاج مختلف وتجربة فريدة ومنعشة، حيث يعد الضحك أمر صحي للقلب والمزاج وجهاز المناعة وحرق السعرات الحرارية، ويخفف الغضب والألم ويريح العضلات.
«ويوجا الضحك» تمزج بين تمارين الضحك وتقنيات تنفس اليوجا، وقد بدأت عام 1995 في مومباي الهندية، ولها أكثر من 8 آلاف نادي حول العالم.
ويشير بعض ممارسي هذه اليوجا إلى أنه الأمر حتى وإن بدا تظاهرًا بالضحك إلا أنه مع الاستمرار يصبح حقيقيًا.
وترفع يوغا الضحك معدل الأوكسجين في الجسم والدماغ، كما تريح العضلات، مما يساعد على الاسترخاء وتحرك الدورة الدموية، وتعزز جهاز المناعة، وتخفف الضغط النفسي.
حب التجربة
بدورها، تعلق الاختصاصية النفسية هنادي المرزوق على مثل هذه الدورات، وعلى النتائج التي يشير العاملون فيها إلى أنها تحققها، وتؤكد أن دافع من يلتحقون بدوراتها قد يكون الفضول، وتقول «الفضول لتجربة جديدة هو الدافع الذي يجعل الناس يقبلون على مثل هذه الدورات، وعندما يدخل الفرد لها بحماسة ويشعر بتغيير إيجابي يعتقد جازما أنها غيّرت شعوره للأحسن، في حين أن مجرد حصول الإنسان على وقت مستقطع من حياته ليعيش في حالة استرخاء له مفعوله السحري بشكل عام».
ولفتت إلى أن الإنسان يحتاج إلى هذا الوقت المستقطع، لينفصل عن العالم الخارجي والضغوط، ومثل هذه الجلسات توفر هذا النوع من الاحتياج.
وبتفصيل شرحت «يستخدم الاختصاصيون أو الممارسون أقطاب أو أجهزة لقياس نشاط الدماغ التي تبين مدى اختلاف الذبذبات والمستويات في النشاط الدماغي قبل وبعد الخضوع للجلسات النفسية التي تنتهي باسترخاء الجسد والنفس، وبالتالي تكون القراءة لنشاط الدماغ متغيرة ومستقرة على خلاف الشخص المضغوط بالتفكير حيث يرتفع وينزل مستوى القراءة بشكل سريع يعكس التوتر والضغط».
حرية بلا قيود
أكملت المرزوق «مثل هذه الجلسات توفر مساحة من الحرية والخروج عن المألوف، والتعرف على أناس جدد، حيث تكون القيود أقل، ومشاركة المشاعر بمساحة أمان في هذه الجلسات الجماعية للتعبير عن النفس، ويتم فيها تقييم الشعور ما قبل وبعد».
عيادات أم دورات
نفت المرزوق أن تكون هذه المراكز والدورات التي تقدم منافسة للعيادات التخصصية النفسية، وقالت «لا نستطيع أن نقول إنها منافسه للعيادات التخصصية، فقد تصل بعض الحالات النفسية من قلق وخوف وتوتر إلى مستوى المرض الذي يحتاج عناية خاصة ومتابعة مختلفة عن جلسات الاسترخاء، وهذه تعود للعيادات بكل تأكيد».
وأشارت «هناك فئة تعتقد أن علاجها لا يمكن أن يكون بجلسات فقط، بل ترى أنها بحاجة للعلاجات الكيماوية والأدوية ومتابعة الأطباء المختصين، والحقيقة أن لكل منهم مجاله، فالجلسات لها دور آخر مختلف عن دور العيادات العلاجية».
واستدركت «كما أن هناك حالات هي من تحدد خياراتها، فالبعض يتوقف عن العلاج في العيادات ويلجأ إلى جلسات التأمل، وهناك من يفضل الحل الأول».
وعلقت «هو وضع اختياري حسب الاحتياج، وصاحب القرار فيه هو الشخص نفسه».
شراء الوقت
عن المدربين المؤهلين لمثل هذه الدورات، قالت المرزوق «باتت دروس الطاقة وجلسات اليوجا بمثابة التخصص يقدمها من لديه المؤهلات اللازمة، ويعتقد البعض أنها وإن كانت مكلفة إلا أنه بذلك يشتري الوقت ليحصل على الخدمة التي يحتاجها، وتتمثل في مستمع منصت، ومرشد موجه للحلول، أو حتى مكان لتفريغ الطاقة وتجديدها».
الشفاء بالثيتا
الشفاء بالثيتا أو الثيتا هيلينغ، هي العلامة التجارية المسجلة لعملية التأمل التي أنشأتها فيانا ستيبال في عام 1995. يدّعي الممارسون أنها تعلم الناس تطوير الحدس الطبيعي، من خلال تغيير دورة الموجة الدماغية إلى موجات ثيتا، بهدف استكشاف كيفية تأثير الطاقة العاطفية على صحة الشخص. ويعتبر الثيتا هيلينغ علمًا زائفًا ودجلًا صحيًا.
الطريقة
تتم العملية عادةً ضمن جلسات فردية يجلس فيها الممارس مقابل الشخص مباشرةً مستخدمًا أساليب الاستماع والأسئلة الاستقصائية. يمكن إجراء الجلسات عن بعد عبر الهاتف أو عبر الإنترنت باستخدام كاميرا الويب والصوت. تعتمد تقنية الثيتا هيلينغ على النظرية القائلة بأن المعتقدات في عقل الشخص الواعي وغير الواعي تؤثر بشكل مباشر على سلامته العاطفية التي تؤثر بدورها على صحته الجسدية. تُدرَّس تقنية الثيتا هيلينغ لتُستخدَم مع الطب التقليدي.
الفلسفة
تقول فيانا ستيبال، وهي اختصاصية علاج بالطبيعية أمريكية، إن فلسفة الشفاء بالثيتا هي: «مستويات الوجود السبع». ووفقًا لها، فإن مستويات الوجود هذه تبني إطارًا لإظهار أهمية «خالق كل ما هو موجود»، ويوصف المستوى الأعلى بأنه «مكان الحب المثالي». بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجميع ممارسة وتعلم التقنية؛ فهي مفتوحة لأي شخص بغض النظر عن أصله أو دينه. تقول ستيبال إنها «سهلت شفاءها الفوري من السرطان»، وتعتقد أن العلاج بالثيتا يمكن أن يخفف من فيروس نقص المناعة البشرية، وأنه يستطيع جعل الساق المبتورة تنمو مرة أخرى.
النقد
انتُقِدَت فلسفة الثيتا هيلينغ بسبب طبيعتها الباطنية القائمة على الإيمان، وبسبب النقص الكبير في الأدلة المؤكدة على فعالية هذه الطرق. يعتبر إدزارد إرنست طريقة الثيتا هيلينغ إجرامية وغير مدعومة بأي نوع من الأدلة. أشار مكتب جامعة ماكجيل للعلوم والمجتمع إلى أن أسلوب الثيتا هيلينغ لم يزيد من نشاط الموجة ثيتا، بل فعل العكس تمامًا. إذ أسهم بانخفاض نشاط الموجة ثيتا بشكل عام.
تستخدم تقنية الثيتا هيلينغ علم الحركة التطبيقي، بعد وضع المرضى في حالة تأمل عميق. تعرضت ممارسة علم الحركة التطبيقي لانتقادات شديدة، وأظهرت الدراسات أنها تفتقر إلى القيمة السريرية.
زعمت مبدعة الثيتا هيلينغ، فيانا ستيبال، أنها استخدمت هذه الممارسة لعلاج سرطان عظم الفخذ الخاص بها. لكن زوجها السابق شهد في المحكمة بعدم تشخيص إصابتها بالسرطان، لذلك لم تمتلك شيء ليُعالج. انتُقِدَت تقنية الثيتا هيلينغ على نطاق واسع باعتبارها عملًا يهدف لكسب المال لا للعلاج. للتسجيل في دورة الثيتا هيلينغ التي تعلم الناس أن «المال وهم»، يجب أن تدفع ما مجموعه سبعمائة وخمسين دولارًا. تتضمن دورات الثيتا هيلينغ الأخرى فصولًا تُعلم كيفية «تنشيط 12 سلسلة من الحمض النووي داخل كل مشارك»، بالرغم من دراساتنا العلمية التي لا حصر لها، تُظهر أن الحمض النووي الخاص بنا غير منفصل إلى 12 فرعًا.
بسبب النقص الشديد في الأدلة، يعتمد ممارسو الثيتا هيلينغ على شهادات مستخدميه لدعم ادعاءاتهم. غالبًا ما يكون الاعتماد على الأدلة القصصية مؤشرًا رئيسيًا لممارسة العلم الكاذب. اختارت مواقع الثيتا هيلينغ الرسمية أو أنشأت شهادات إيجابية، ولكن يمكن لبحث سريع باستخدام جوجل، أن يكشف وجود عدد لا يحصى من الادعاءات الأخرى التي تفيد بأن ممارسي الثيتا هيلينغ هم أنفسهم يموتون أو ماتوا بسبب أمراض مختلفة، مما يثير مزيدًا من التساؤل حول صحة الشهادات الإيجابية.
هذا ما يروج له مهتمون بالتأمل واليوجا، وإدارة تطوير الذات، ودراسة الطاقة الداخلية في علم النفس، عبر إعلانات تسويقية تستخدم عبارات طنانة كعوامل جذب لاستثمار تجاري جديد يقتحم سوق العمل، ويركز على طاقة الروح وانعكاسها على الجسد والسلوكيات النفسية.
وشاع الاستثمار في مواضيع «التأمل» على نحو كبير وملحوظ في الآونة الأخيرة، ولعل إحصائية أجرتها مدينة الملك سعود الطبية، ممثلة بقسم الصحة النفسية، قد كشف أن نسبة الإصابة بأي اضطراب نفسي وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية - الرابع في المملكة بلغت 34.2 %، وهي نسبة تشير إلى حجم الاحتياج لتدخلات استرخاء وتخفيف من الضغوط والتوتر وغيرها، كما أعلن المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية أنه قدم أكثر من 18 ألف استشارة نفسية حسب آخر رصد له في 2022.
وما بين شكوك كثيرين من جدوى هذه «المعالجات» والجلسات، وما بين تساؤلاتهم عما إن كانت بديلة للعيادات النفسية التخصصية، وبين يقين آخرين بنفعها، بدأت عدة مراكز متخصصة الحصول على تسجيل رسمي لها لدى اللجنة السعودية لليوغا، وهي لجنة رياضية تحت مظلة اللجنة الأولمبية العربية السعودية التابعة لوزارة الرياضة، تأسست في العام 2021، نظرًا لشعبية رياضة اليوجا وانتشارها الواسع في المملكة، وللرغبة الجادة في الإشراف على أنشطتها والعمل على تطويرها ودعم ممارسيها ومحترفيها، لتطوير أدائهم وتحسين جودة التدريب في المملكة.
وتشترط اللجنة أن يحصل العاملون في هذه المهنة على شهادة في التخصص يحصل عليها البعض من مدارس مختلفة لليوجا، بعضها من الهند، وبعضها من معاهد أمريكية تقدم بشأنها شهادات معتمدة.
لكن مع كل هذه المحاولات التنظيمية فإن البعض يمارس هذه الرياضة والعلاجات كأفراد مدربين بعيدًا عن المراكز الخاصة والمسجلة، وقد تكمن الإشكالية لدى هؤلاء في أن أعمالهم تتم دون رقابة أو مرجعية.
مصير مبهم
يعتقد كثيرون أن جلسات الضحك واليوجا والـ«ثيتا» مجرد ادعاءات لا أسس لها، فيما يراها آخرون قائمة على علم وفلسفة روحية.
وتقول زهراء فوزي، وهي مدربة «ثيتا هيلينغ» حصلت على شهادتها من مركز أمريكي، إن جلسات التأمل والاسترخاء، وتحديدًا اليوجا تعود إلى مدارس مختلفة، أبرزها الهندية، وقد توسعت وانتشرت أخيرًا، وارتفع عدد مقدميها، ونسبة مقدميها من الرجال كبير جدًا، خلاف ما يُعتقد من أن النساء هن الأكثر اهتمامًا بالجوانب النفسية.
وعن جلسات الثيتا أوضحت «هي جلسات تنقل الدماغ من مرحلة التفكير إلى مرحلة بين الوعي واللاوعي، وهي حالة ذهنية مرتبطة بالاسترخاء العميق والإبداع والتركيز المتزايد، إلى أن تصل إلى حالة ثيتا، وهنا ستتمكن من الوصول في دماغك إلى جزء لا يمكن الوصول إليه عادةً أثناء ساعات الاستيقاظ».
وتابعت «غالبًا ما ترتبط هذه الحالة الذهنية بالتأمل وما يشبه التنويم وأشكال أخرى من تقنيات الاسترخاء بطرق روحانية».
ولفتت إلى أن ممارسة الثيتا أشبه بالعلاج النفسي الذي يعتمد على البحث في العقل الباطن للوصول إلى جذر المشكلة المتسببة في المعاناة النفسية، وتسهم في علاج اضطراب المشاعر مثل الاكتئاب والقلق وتساعد في التشافي من العلاقات السامة والتصالح مع الذات.
وأشارت كذلك إلى وجود تقنية خاصة تحت مسمى مستوى الـDNA الذي يُعنى بالتشافي من أثر الأمراض الوراثية، الشيخوخة، ومعتقد قلة الحظ والفقر، بحيث تعمل التيثا على تجديد الخلايا الدماغية والنفسية لرفع مستوى الوفرة في الذات واستقبال الطاقة الإيجابية والتفاؤل، والانفصال التام عن كل ما يتسبب في إثارة السلبية».
موضحة أنه «لا يمكن للممارس أن يجد نتيجة قوية إذا كانت قناعته بالثيتا متدنية، حيث عليه أن يقتنع تمامًا ونفسيًا بتأثيرها وانعكاسها الجيد، ويأتي ذلك مع الممارسة المستمرة».
وأكملت «نحن نشهد وبشكل مضطرد ارتفاع نسبة الوعي و التطوير والتمكين الذاتي، ولذلك نجد إقبالًا كبيرًا على مثل هذه الكورسات التدريبية وهذه التوجهات التأملية لتحسين الذات والارتقاء بها للأفضل، وقد بدأت مراكز متعددة في الإمارات مثلا باعتماد شهادات رسمية للمتدرب الذي يرغب بمزاولة التدريب وتقديم الكورس العلاجي بتقنية الثيتا، ونطمح أن نجد مثل هذا الاعتماد في المملكة أيضًا».
حضور للفهم
تقدم عدد من المراكز عروضًا تنافسية لاستقطاب الراغبين بممارسة اليوجا ومنها الثيتا، وقد تصل إلى 400 ريال للجلسة الواحدة، وهناك من يقدمها بأسعار تتراوح بين 150 إلى 250 بحسب تقييم الحالة.
وأوضحت مدربة جلسات التأمل والاسترخاء زكية العبد الجبار أنها قدمت عددا من الجلسات التأملية كان السعر التقديري لكل منها 400 ريال، وتقدم كسلسلة على مدى 8 جلسات بواقع ساعتين في الجلسة الواحدة موزعة على 3 أسابيع لإمكانية التطبيق الجيد للحصول على عادات جيدة ونجحت المشاركات فيها.
وأردفت «تلقى هذه الدورات إقبالا جيدًا، وفي غالبية الأحيان يطالب من يحضر الدورة بإعادتها بنصف السعر، وهناك من دخلها أكثر من مرتين، وبحسب ما شهدناه فمن يتقدم لها يُشجع على استمرارها، ومن لم يحضرها لا يستطيع تقدير الفائدة منها، وهي جلسات تسهم في معرفة طرق تسيير الحياة بلطف ووعي وسهولة ليصل المرء من خلالها إلى الرضا عن نفسه».
ولفتت إلى أنه كان لوباء كورونا الأثر الأكبر في ارتفاع نسبة الاحتياج المجتمعي لمثل هذه الجلسات.
يوجا الضحك
تشرح مدربة يوجا الضحك رائدة السبع، وهي مدربة حاصلة على شهادتها من مدرسة هندية، أن كثيرين يعانون من القلق والسهر، وسرعة رتم الحياة، والضغط المتواصل في العمل أو المنزل، كما أن آخرين يعانون من أمراض السكر والضغط والقلب، لذلك جاءت تقنية «يوجا الضحك» لتحسن من جودة النوم، وتُحسن المزاج في غضون دقائق، كما تحسن علاقة الشخص بعائلته وأطفاله وتجعله أكثر لطفًا وبهجة.
وأضافت «يوجا الضحك تساعدك في فهم مشاعرك وتحررك من الضغوط والشعور بالغضب والخوف وتحسن من مزاجك ونفسيتك وتعزز مناعتك».
وعن التكلفة قالت «هي تكلفة رمزية وتوازي جلسة في مقهى مع أصدقائك».
وعلقت «روحك تستحق البهجة مثلما مزاجك يتوق إلى شرب القهوة».
وتعرف يوجا الضحك بأنها تقنية تنقلك إلى مزاج مختلف وتجربة فريدة ومنعشة، حيث يعد الضحك أمر صحي للقلب والمزاج وجهاز المناعة وحرق السعرات الحرارية، ويخفف الغضب والألم ويريح العضلات.
«ويوجا الضحك» تمزج بين تمارين الضحك وتقنيات تنفس اليوجا، وقد بدأت عام 1995 في مومباي الهندية، ولها أكثر من 8 آلاف نادي حول العالم.
ويشير بعض ممارسي هذه اليوجا إلى أنه الأمر حتى وإن بدا تظاهرًا بالضحك إلا أنه مع الاستمرار يصبح حقيقيًا.
وترفع يوغا الضحك معدل الأوكسجين في الجسم والدماغ، كما تريح العضلات، مما يساعد على الاسترخاء وتحرك الدورة الدموية، وتعزز جهاز المناعة، وتخفف الضغط النفسي.
حب التجربة
بدورها، تعلق الاختصاصية النفسية هنادي المرزوق على مثل هذه الدورات، وعلى النتائج التي يشير العاملون فيها إلى أنها تحققها، وتؤكد أن دافع من يلتحقون بدوراتها قد يكون الفضول، وتقول «الفضول لتجربة جديدة هو الدافع الذي يجعل الناس يقبلون على مثل هذه الدورات، وعندما يدخل الفرد لها بحماسة ويشعر بتغيير إيجابي يعتقد جازما أنها غيّرت شعوره للأحسن، في حين أن مجرد حصول الإنسان على وقت مستقطع من حياته ليعيش في حالة استرخاء له مفعوله السحري بشكل عام».
ولفتت إلى أن الإنسان يحتاج إلى هذا الوقت المستقطع، لينفصل عن العالم الخارجي والضغوط، ومثل هذه الجلسات توفر هذا النوع من الاحتياج.
وبتفصيل شرحت «يستخدم الاختصاصيون أو الممارسون أقطاب أو أجهزة لقياس نشاط الدماغ التي تبين مدى اختلاف الذبذبات والمستويات في النشاط الدماغي قبل وبعد الخضوع للجلسات النفسية التي تنتهي باسترخاء الجسد والنفس، وبالتالي تكون القراءة لنشاط الدماغ متغيرة ومستقرة على خلاف الشخص المضغوط بالتفكير حيث يرتفع وينزل مستوى القراءة بشكل سريع يعكس التوتر والضغط».
حرية بلا قيود
أكملت المرزوق «مثل هذه الجلسات توفر مساحة من الحرية والخروج عن المألوف، والتعرف على أناس جدد، حيث تكون القيود أقل، ومشاركة المشاعر بمساحة أمان في هذه الجلسات الجماعية للتعبير عن النفس، ويتم فيها تقييم الشعور ما قبل وبعد».
عيادات أم دورات
نفت المرزوق أن تكون هذه المراكز والدورات التي تقدم منافسة للعيادات التخصصية النفسية، وقالت «لا نستطيع أن نقول إنها منافسه للعيادات التخصصية، فقد تصل بعض الحالات النفسية من قلق وخوف وتوتر إلى مستوى المرض الذي يحتاج عناية خاصة ومتابعة مختلفة عن جلسات الاسترخاء، وهذه تعود للعيادات بكل تأكيد».
وأشارت «هناك فئة تعتقد أن علاجها لا يمكن أن يكون بجلسات فقط، بل ترى أنها بحاجة للعلاجات الكيماوية والأدوية ومتابعة الأطباء المختصين، والحقيقة أن لكل منهم مجاله، فالجلسات لها دور آخر مختلف عن دور العيادات العلاجية».
واستدركت «كما أن هناك حالات هي من تحدد خياراتها، فالبعض يتوقف عن العلاج في العيادات ويلجأ إلى جلسات التأمل، وهناك من يفضل الحل الأول».
وعلقت «هو وضع اختياري حسب الاحتياج، وصاحب القرار فيه هو الشخص نفسه».
شراء الوقت
عن المدربين المؤهلين لمثل هذه الدورات، قالت المرزوق «باتت دروس الطاقة وجلسات اليوجا بمثابة التخصص يقدمها من لديه المؤهلات اللازمة، ويعتقد البعض أنها وإن كانت مكلفة إلا أنه بذلك يشتري الوقت ليحصل على الخدمة التي يحتاجها، وتتمثل في مستمع منصت، ومرشد موجه للحلول، أو حتى مكان لتفريغ الطاقة وتجديدها».
الشفاء بالثيتا
الشفاء بالثيتا أو الثيتا هيلينغ، هي العلامة التجارية المسجلة لعملية التأمل التي أنشأتها فيانا ستيبال في عام 1995. يدّعي الممارسون أنها تعلم الناس تطوير الحدس الطبيعي، من خلال تغيير دورة الموجة الدماغية إلى موجات ثيتا، بهدف استكشاف كيفية تأثير الطاقة العاطفية على صحة الشخص. ويعتبر الثيتا هيلينغ علمًا زائفًا ودجلًا صحيًا.
الطريقة
تتم العملية عادةً ضمن جلسات فردية يجلس فيها الممارس مقابل الشخص مباشرةً مستخدمًا أساليب الاستماع والأسئلة الاستقصائية. يمكن إجراء الجلسات عن بعد عبر الهاتف أو عبر الإنترنت باستخدام كاميرا الويب والصوت. تعتمد تقنية الثيتا هيلينغ على النظرية القائلة بأن المعتقدات في عقل الشخص الواعي وغير الواعي تؤثر بشكل مباشر على سلامته العاطفية التي تؤثر بدورها على صحته الجسدية. تُدرَّس تقنية الثيتا هيلينغ لتُستخدَم مع الطب التقليدي.
الفلسفة
تقول فيانا ستيبال، وهي اختصاصية علاج بالطبيعية أمريكية، إن فلسفة الشفاء بالثيتا هي: «مستويات الوجود السبع». ووفقًا لها، فإن مستويات الوجود هذه تبني إطارًا لإظهار أهمية «خالق كل ما هو موجود»، ويوصف المستوى الأعلى بأنه «مكان الحب المثالي». بالإضافة إلى ذلك، يمكن للجميع ممارسة وتعلم التقنية؛ فهي مفتوحة لأي شخص بغض النظر عن أصله أو دينه. تقول ستيبال إنها «سهلت شفاءها الفوري من السرطان»، وتعتقد أن العلاج بالثيتا يمكن أن يخفف من فيروس نقص المناعة البشرية، وأنه يستطيع جعل الساق المبتورة تنمو مرة أخرى.
النقد
انتُقِدَت فلسفة الثيتا هيلينغ بسبب طبيعتها الباطنية القائمة على الإيمان، وبسبب النقص الكبير في الأدلة المؤكدة على فعالية هذه الطرق. يعتبر إدزارد إرنست طريقة الثيتا هيلينغ إجرامية وغير مدعومة بأي نوع من الأدلة. أشار مكتب جامعة ماكجيل للعلوم والمجتمع إلى أن أسلوب الثيتا هيلينغ لم يزيد من نشاط الموجة ثيتا، بل فعل العكس تمامًا. إذ أسهم بانخفاض نشاط الموجة ثيتا بشكل عام.
تستخدم تقنية الثيتا هيلينغ علم الحركة التطبيقي، بعد وضع المرضى في حالة تأمل عميق. تعرضت ممارسة علم الحركة التطبيقي لانتقادات شديدة، وأظهرت الدراسات أنها تفتقر إلى القيمة السريرية.
زعمت مبدعة الثيتا هيلينغ، فيانا ستيبال، أنها استخدمت هذه الممارسة لعلاج سرطان عظم الفخذ الخاص بها. لكن زوجها السابق شهد في المحكمة بعدم تشخيص إصابتها بالسرطان، لذلك لم تمتلك شيء ليُعالج. انتُقِدَت تقنية الثيتا هيلينغ على نطاق واسع باعتبارها عملًا يهدف لكسب المال لا للعلاج. للتسجيل في دورة الثيتا هيلينغ التي تعلم الناس أن «المال وهم»، يجب أن تدفع ما مجموعه سبعمائة وخمسين دولارًا. تتضمن دورات الثيتا هيلينغ الأخرى فصولًا تُعلم كيفية «تنشيط 12 سلسلة من الحمض النووي داخل كل مشارك»، بالرغم من دراساتنا العلمية التي لا حصر لها، تُظهر أن الحمض النووي الخاص بنا غير منفصل إلى 12 فرعًا.
بسبب النقص الشديد في الأدلة، يعتمد ممارسو الثيتا هيلينغ على شهادات مستخدميه لدعم ادعاءاتهم. غالبًا ما يكون الاعتماد على الأدلة القصصية مؤشرًا رئيسيًا لممارسة العلم الكاذب. اختارت مواقع الثيتا هيلينغ الرسمية أو أنشأت شهادات إيجابية، ولكن يمكن لبحث سريع باستخدام جوجل، أن يكشف وجود عدد لا يحصى من الادعاءات الأخرى التي تفيد بأن ممارسي الثيتا هيلينغ هم أنفسهم يموتون أو ماتوا بسبب أمراض مختلفة، مما يثير مزيدًا من التساؤل حول صحة الشهادات الإيجابية.