عبدالله الزازان

أهداني أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز، كتاب «سياسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في استصلاح الرجال».

والكتاب يوثق الجلسة الأسبوعية التي عقدها في قصر التوحيد في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، حول سياسة الملك المؤسس عبدالعزيز في استصلاح الرجال والتي شارك فيها كل من:

- الدكتور محمد بن عبدالرحمن السلامة أستاذ التاريخ الحديث المشارك بقسم التاريخ في جامعة القصيم متحدثًا عن صفات الملك عبدالعزيز القيادية وأثر عفوه وصفحه في استصلاح الرجال.

- والأستاذ الدكتور أحمد بن عبدالعزيز البسام أستاذ التاريخ الحديث بقسم التاريخ بجامعة القصيم متحدثًا عن اصطفاء الملك عبدالعزيز للرجال ومتابعته لهم.

- والدكتور سليمان بن محمد العطني أستاذ التاريخ الحديث المشارك في قسم التاريخ في جامعة القصيم متحدثًا عن آثار استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال.

تضمن الكتاب محتوى الجلسة الأسبوعية «سياسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في استصلاح الرجال» والذي قام الأستاذ الدكتور خليفة بن عبدالرحمن المسعود أستاذ التاريخ الحديث بقسم التاريخ بجامعة القصيم بمراجعته العلمية، وتولى مركز النشر العلمي بجامعة القصيم نشره.

ويشتمل الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة. وقدم للكتاب الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز ملقيًا الضوء على خواص وخصال ومزايا الملك عبدالعزيز ومنهجه في استصلاح الرجال، وفي تحويله إلى إنسان منتج، والذي يضع أولى لبنات الفهم الصحيح لمعنى المواطنة، ومن تبلور معنى المواطنة يتفرع مفهوم الوحدة الوطنية، الذي كان الهدف النهائي للملك عبدالعزيز.

وربما يمر المؤرخون اليوم على موضوع الاستصلاح مرورًا عابرًا، في الوقت الذي يجب فيه أن يحظى بمزيد من اهتمامنا، خصوصًا الباحثين في علمي التاريخ والاجتماع.

ومن هذا المنطلق بادر الأمير الدكتور فيصل بن مشعل إلى تخصيص جلسة علمية للحديث عن سياسة الملك عبدالعزيز في استصلاح الرجال بمشاركة متخصصين في التاريخ الحديث بقسم التاريخ بجامعة القصيم، مفتتحًا سموه الجلسة العلمية بالحديث عن منهج الملك عبدالعزيز في استصلاح الرجال، ومقدمًا للكتاب حول هذا المنهج مؤكدًا سموه على أن:

«الملك عبدالعزيز - رحمه الله - نموذج يحتذى، وبمثله يُقتدى، وكان مثالًا للحاكم المتزن المتصف بالصفات الإسلامية والشمائل المحمدية في سلوك حسن التعامل، واتباع منهج العفو عند المقدرة، ولقد لمست شيئًا من تلك الصفات من خلال تتبعي لسيرته الحافلة التي صادقت عليها المصادر المكتوبة الموثوقة ونقلتها أفواه المعاصرين له من عرب وأجانب، وما وعيته وألمت به من الروايات التاريخية والشواهد في مجلس عمي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأعمامي الملوك فهد وعبدالله - رحمهما الله - وسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أيده الله، وغيرهم ممن تحدث وكتب بإعجاب عن تلك الخصلة النادرة في رجل عظيم، استفرد بها عن غيره من القادة».

ويضيف قائلًا:

«من خلال تأملي في سيرته العطرة وإدراكي لمكانته، فقد أصبحت منجذبًا للتعمق في تاريخه، مهتمًا بإبراز منهجه ومآثره المتفردة، ومن هذا المنطلق حرصت على استضافة العديد من المؤرخين والمختصين في جلسات قصر التوحيد التي تنظمها إمارة منطقة القصيم، للحديث عن صفات هذا الرجل العظيم، وإبراز مآثره وكفاحه في مراحل توحيد هذا الكيان العظيم، ليكون قدوة لنا وللأجيال من بعدنا، من خلال نماذج واضحة وأمثلة جليلة، ومواقف مشهودة استعمل فيها بنظرة ثاقبة سياسة إعادة تأهيل الرجال، ومنح الفرصة لكل مريد للحق والاعتدال، فتمكن عبر تلك السياسة من استصلاح المخالفين والخارجين عن الطريق القويم ليس بمنع عدائهم فحسب، بل وإعادتهم لجادة الحق، وتحويلهم للمسار الإيجابي، بل إنه قرب أعداء الأمس وصاهرهم، وجعلهم بمثابة أسرته في كل شيء مما أسهم في تبديل مسيرتهم، من محاربين وأعداء إلى أدوات خير وبناء ليصبحوا من كبار القادة ورجال الريادة في شرف تمثيل الوطن وبنائه في الداخل والخارج».

ويمضي في القول:

«ورصدًا لما سبق من خصائص الملك المؤسس في هذا الجانب، فقد خصصت إحدى جلسات قصر التوحيد في مدينة بريدة بمنطقة القصيم للحديث عن منهج الملك عبدالعزيز - رحمه الله - في استصلاح الرجال، فجاء هذا الكتاب بصفته ثمرة لتلك الجلسة، بمشاركة نخبة من الأكاديميين المختصين، ونتاج جهد مشترك مع جامعة القصيم».

وتناول الدكتور محمد بن عبدالرحمن السلامة «أستاذ التاريخ الحديث المشارك. قسم التاريخ، جامعة القصيم» في الفصل الأول صفات الملك عبدالعزيز القيادية وأثر عفوه وصفحه في استصلاح الرجال، مبينًا مدى سلامة الصدر وحسن الظن التي كان يتحلى بها جلالته مع ما عرف عنه من الحزم والحكمة التي جعلته قادرًا على تأليف قلوب الرجال وتأثرهم بمنهجه بما حباه الله من قدرة جعلت من أعداء الأمس أصحاب اليوم، وأحد أركان البناء، في تجربة تاريخية ترويها سياسة الاحتواء واستصلاح الرجال.

وفي الفصل الثاني عرض الدكتور أحمد البسام سير بعض الشخصيات المؤثرة، وكيف نجح المؤسس - رحمه الله - في كسبهم للعمل بجانبه، تاركًا لهم المجال والعمل بعد استصلاحهم وتمكينهم من إظهار قدراتهم وكفاءاتهم التي حباهم الله بها.

وفي الفصل الثالث تحدث الدكتور سليمان العطني عن آثار استصلاح الملك عبدالعزيز للرجال على البلاد وأهاليهم، حيث أصبحوا رجالًا عاملين قادرين على النجاح والتفوق في أعمالهم التي أوكلت إليهم، مما أثر على أسرهم التي عاشت حياة كريمة بعد هذا التغير.

والكتاب جدير بالمطالعة فقد جاء ببحوث غير مطروقة في منهج الملك عبدالعزيز في اختيار واستصلاح الرجال، وهي بمثابة دروس ثمينة، يقدمها المصلح الكبير الملك عبدالعزيز في اختيار واستصلاح الرجال.

فالملك عبدالعزيز شخصية تتمتع بخصائص الرجال الكبار، ومن أبرز خصائصه مهارته الفائقة في انتقاء الرجال العاملين معه، وقدرته المتميزة على تقييم كفاءتهم، والحكم على مناسبتهم لما يسند إليهم من مهام ومسؤوليات واستصلاحه للرجال، وقد كان تقييمه لرجاله دقيقًا وصائبًا.

لذلك حازوا على ثقته، وأظهروا براعة فائقة وحصافة سياسية، وفكرًا نيرًا، وتحملوا بدافع إيمانهم العميق أعباء باهظة من أجل وقوفهم إلى جانب الملك عبدالعزيز.

فقد كان من بينهم من يدير المفاوضات ويعقد المعاهدات السياسية، ومن يقوم بجولات الوساطات، وإدارة الملفات الشائكة، ومنهم من هو في الساحات الدبلوماسية وميادين المعارك، وإدارة الوظائف الحساسة لما يتصفون به من الحنكة والحكمة والحصافة، والبسالة والشجاعة، وهذا يعود إلى فطنة وذكاء وحصافة وحنكة وبعد نظر الملك عبدالعزيز في اختيار وانتقاء واستصلاح الرجال.

ولم يتوقف الملك عبدالعزيز عند اختيار واستصلاح رجاله، وإنما حول مجتمع الجزيرة العربية من مرحلة شتات وفرقة إلى حالة استقرار ووحدة ووضع نواة مجتمع جديد عن طريق بناء الوحدة ومجتمع متجانس ومتلاحم، في نسيجه وترابطه الاجتماعي، تشكل المواطنة عنصرًا أساسًا في تكوينه وثقافته، يقوم على الوحدة الوطنية.

يقول موريس جورنو «إذا كان الملك عبدالعزيز قد نجح في لم شمل الجزيرة العربية تحت لوائه، وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمنًا في العالم فمرد ذلك ليس إلى القوة فحسب بل إلى أنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص».