تَـكمن أهميةُ بناءِ المفاهيم والمصطلحات في فهمِها وإدراكها؛ لكونها المدخل الأساسي للمُمارسةِ العلميةِ في البحث العلمي والمجالات الفلسفية بشكل عام، حيث إنَّ شجرةَ المصطلحات المُثمرة نبتت من بذرة "الكلمة" الموجودة في المعاجم اللغوية، ولكن هذه المعاجم تُقدّم غالبًا تعريفاتٍ متعددةِ المدلولات، لذا لا يُمكن الاعتمادُ عليها في إجراءِ بحثٍ إداري، لذلك عملَ الباحث على تقديمِ تعريفٍ خاصٍ يُريد استخدامه لتوصيفِ ظاهرةٍ إداريةٍ ما عبر هذا المدلول المُحدد للكلمة أو العبارة، وذلك بعد حقنِ الكلمة بدلالاتٍ خاصةٍ تَرتقي بها من مدلولاتِها العامة من المعجم اللغوي، وتحصل على رتبة "مفهوم".
وعليه فعندما تتقبلُ الأوساطُ العلمية هذا المفهوم بقبولٍ حسنٍ، ويُشيع استخدامه في البحوث الإدارية، ترتحلُ العبارة من خانةِ المفهومِ إلى المحطة النهائية وهي "المصطلح"، وتخرجُ لدينا مصطلحات إدارية، مثل: الموارد البشرية، والالتزام التنظيمي، والرضا الوظيفي، والعدالة التنظيمية، والثقافة المؤسسية وغيرها من المصطلحات الأخرى.
لذلك نستطيع أن نقول: إنّ المصطلح عبارة عن دالٍ ومدلول؛ فالدال هو اللفظ، أما المدلول فهو الصفة، وبمعنى آخر فإنَّ المصطلح هو مزاوجةٌ بين الدال والمدلول، كما يذكر الأستاذ الدكتور عبدالله البريدي، في كتابه "البحث النماذجي".
وفي السياق ذاته، تُشكل المفاهيم والمصطلحات اللبنات الأساسية للنظريات العلمية؛ حيث تنبعُ النظرية من السياق الثقافي، وتكون ملائمةً لمصادره ومغذياته وحيثياته التاريخية والراهنة والمستقبلية، لهذا لا تمتلك النظريات التي أنتجتها ثقافات أخرى تأشيرة عبور، بل إنها غير مؤهلة للحصول عليها، ولا يجب أن نُصرَّ على منحها هذه التأشيرة؛ لأنه من النادر أن تكون هناك نظريات يُمكن لها الارتحال بين الثقافات والمجتمعات، وتقتصرُ على النظريات التي تتعلق بالإنسان الكُلّي؛ إذا كان صاحبُ النظرية يتكئُ على سماتِ الإنسان الكُلّي، علمًا بأن فطرة الإنسان الكُلّي في الوقت الحالي تشوهت كما لم تتشوه من قبل، وبالتالي فإنّ الزعم بأن النظريات الغربية صالحة بالضرورة لكل ثقافةٍ مجتمعةٍ أمرٌ غير صحيح، وعلى هذا فهناك الكثير من النظريات بالعلوم الاجتماعية لا يُمكن ارتحالها ولا يُمكن لها العبور لثقافاتٍ أخرى، لذا يجب أن يتم توطين النظريات العلمية الصالحة لسياقنا وثقافتنا وحاضرنا.
إنّ فهمنا لفكرِنا في العصور الأخيرة أصبح متأثرًا بشكل واعٍ أو غيرَ واعٍ بالفكر الغربي، إذ أضحى بمثابة المنظار الذي من خلاله تتشكلُ رؤية الإنسان المسلم المعاصر للكون، هذا ما يُبرر ضعف الإبداع العلمي لدى الجماعات العلمية في العالم العربي والإسلامي، والعقم في توليد نظريات نابعة من مجتمعنا، وهو ما يُجعلنا محصورين في استهلاك مفاهيم ونظريات غربية المنشأ، بل نعجز حتى عن تطويعِ هذه النظريات القائمة، فما بالك بتطوير نظرياتنا الخاصة!.
ويعود سبب الإحجام عن استنبات النظريات العلمية في أرضنا الثقافية؛ من شعورنا بعدم قدرتِنا على تحقيقها، وهو شعورٌ نابعٌ من شعورنا بالنقص تجاه ثقافتنا أو أنفسنا، وهذا ما يُعرف بضعفِ الأنفة الثقافية، وهو المكبل السيكولوجي لجماعتِنا العليمة، لذلك يجب أن يتم بناء مفاهيمنا ومصطلحاتنا من مُسلّماتِنا؛ فنحن أصحاب ثقافة لديها مُسلّمات بوحدانيةِ الخالق، وهي ثقافة لا يوجد لديها وهمٌ بالحتميةِ الأنطولوجية وتقبل الحتمية الإبستمولوجية، أي أننا نؤمن بأنّ الله هو الخالق، وأن العلم هو أداة من صنع الإنسان لفهم نواميس الله بالكون، لكنه يظل علمًا ناقصًا نسبيًا وقابلاً للتطور، ولا نرى في العلم إلهًا مُطلقًا قادراً على كل شيء، قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
تُعدُّ عملية استيراد النظريات الغربية بما تحملهُ من مفاهيم ومصطلحات بمثابةِ استيرادِ الفكرِ المتجذرِ في الثقافة الغربية، التي تميّزت بإنكارها للنقل وإيمانها المطلق بالعقل، وكما يقول "فريدريك نيتشه" في كتابه "أصل الأخلاق وفصلها": "إنه كلما زاد ارتباط الإنسان بالإيمان بقدراته العقلية كلما ابتعد عن الدين"، مما يعني تسرّب الإلحاد الخفي في جذور بنية المصطلحات الإدارية التي أينعت في بيئةٍ غربيةٍ مُلحدةٍ، واليوم سوف أُقيم محكمةً مفاهيميةً ابتدائية للمصطلحات الإدارية، وسوف يَمثُل في هذه الجلسة ثلاثة من المتهمين، وهم: مصطلح الذكاء الاجتماعي، وقريبهُ مصطلح الذكاء العاطفي، وكذلك مصطلح القدرات.
فمصطلح ( الذكاء الاجتماعي) بوصفهِ يدلُ على فهمِ الشخص لبيئتهِ والتصرّف بسلوكٍ ناجحٍ اجتماعيا وعمليًا، أدرك عواطف الآخرين وإدارتها؛ لأن المُصطلحين يَنبعان من نية المنفعة الدنيوية، سواءً من أجل تمكين المدير من سياسة الموظفين بأريحية أو حصول الموظف على قبولٍ من الإدارة، وبالتالي فهي سلوكيات لا تخرجُ عن دائرةِ النفاق والرياء، وهذا نتاجٌ طبيعي من فكرٍ نَفعي دنيوي.
أما إسلاميًا فلدينا مفهوم شرعي يُغطي المجتمع وبيئة العمل وهو (حسن الخلق)، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وهو سلوكٌ يقوم به المسلم يريدُ من خلالهِ الأجر والمثوبة من الخالق الرحيم الذي يكفر به الملاحدة، علمًا بأن هذا السلوك يُنتجُ فوائد دنيوية دون أن تكون هي الدافع الأساسي.
أما مصطلح (قدرات)، فهو مصطلح يعزو القدرة للشخص وينزع علاقتها بالخالق، وهذا أمرٌ غيرَ مستغربٍ عندما يخرج هذا المفهوم من فكرٍ إلحادي لا يُؤمن بوجودِ خالقٍ يصير الأمور، قال تعالى: ﴿لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ لهذا أتفهم أننا قد نكون مضطرين لاستخدام بعض المفاهيم أو المصطلحات عند غياب بدائل من موروثنا الديني والاجتماعي والثقافي، ولكني لا أجد عذرًا عندما نمتلك في مخازننا الثقافية بديلاً مفاهيمياً مشحوناً بدلالاتٍ عميقةٍ، حيث نمتلك مصطلح (الفتوح) أي ما فتحَ اللهُ به على الإنسان من علم ومعرفة، قال تعالى: ﴿قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
لذلك فإنَّ من الواجب أن يلتفت الباحث الإداري العربي المسلم لتلك الخيوط الثقافية الغربية التي حاكت لنا المفاهيم والمصطلحات الإدارية، وتطويعها؛ عبرَ صبغها بصبغتِنا الثقافية، أو استبدالها بمصطلحاتِنا الخاصة التي تُنتجها نظرياتنا العلمية غير المستوردة، كما أننا في حاجةٍ إلى نظرياتٍ علميةٍ خاصةٍ تستمدُ ترويتها من منابعنِا النقية والصافية وغير الملوثة بمعتقداتِ الآخر الفاسدة؛ لكي تَنبت لنا مصطلحات تَتماهى مع هويتنا، فتح الله علينا وعليكم فتوح العارفين به.
وعليه فعندما تتقبلُ الأوساطُ العلمية هذا المفهوم بقبولٍ حسنٍ، ويُشيع استخدامه في البحوث الإدارية، ترتحلُ العبارة من خانةِ المفهومِ إلى المحطة النهائية وهي "المصطلح"، وتخرجُ لدينا مصطلحات إدارية، مثل: الموارد البشرية، والالتزام التنظيمي، والرضا الوظيفي، والعدالة التنظيمية، والثقافة المؤسسية وغيرها من المصطلحات الأخرى.
لذلك نستطيع أن نقول: إنّ المصطلح عبارة عن دالٍ ومدلول؛ فالدال هو اللفظ، أما المدلول فهو الصفة، وبمعنى آخر فإنَّ المصطلح هو مزاوجةٌ بين الدال والمدلول، كما يذكر الأستاذ الدكتور عبدالله البريدي، في كتابه "البحث النماذجي".
وفي السياق ذاته، تُشكل المفاهيم والمصطلحات اللبنات الأساسية للنظريات العلمية؛ حيث تنبعُ النظرية من السياق الثقافي، وتكون ملائمةً لمصادره ومغذياته وحيثياته التاريخية والراهنة والمستقبلية، لهذا لا تمتلك النظريات التي أنتجتها ثقافات أخرى تأشيرة عبور، بل إنها غير مؤهلة للحصول عليها، ولا يجب أن نُصرَّ على منحها هذه التأشيرة؛ لأنه من النادر أن تكون هناك نظريات يُمكن لها الارتحال بين الثقافات والمجتمعات، وتقتصرُ على النظريات التي تتعلق بالإنسان الكُلّي؛ إذا كان صاحبُ النظرية يتكئُ على سماتِ الإنسان الكُلّي، علمًا بأن فطرة الإنسان الكُلّي في الوقت الحالي تشوهت كما لم تتشوه من قبل، وبالتالي فإنّ الزعم بأن النظريات الغربية صالحة بالضرورة لكل ثقافةٍ مجتمعةٍ أمرٌ غير صحيح، وعلى هذا فهناك الكثير من النظريات بالعلوم الاجتماعية لا يُمكن ارتحالها ولا يُمكن لها العبور لثقافاتٍ أخرى، لذا يجب أن يتم توطين النظريات العلمية الصالحة لسياقنا وثقافتنا وحاضرنا.
إنّ فهمنا لفكرِنا في العصور الأخيرة أصبح متأثرًا بشكل واعٍ أو غيرَ واعٍ بالفكر الغربي، إذ أضحى بمثابة المنظار الذي من خلاله تتشكلُ رؤية الإنسان المسلم المعاصر للكون، هذا ما يُبرر ضعف الإبداع العلمي لدى الجماعات العلمية في العالم العربي والإسلامي، والعقم في توليد نظريات نابعة من مجتمعنا، وهو ما يُجعلنا محصورين في استهلاك مفاهيم ونظريات غربية المنشأ، بل نعجز حتى عن تطويعِ هذه النظريات القائمة، فما بالك بتطوير نظرياتنا الخاصة!.
ويعود سبب الإحجام عن استنبات النظريات العلمية في أرضنا الثقافية؛ من شعورنا بعدم قدرتِنا على تحقيقها، وهو شعورٌ نابعٌ من شعورنا بالنقص تجاه ثقافتنا أو أنفسنا، وهذا ما يُعرف بضعفِ الأنفة الثقافية، وهو المكبل السيكولوجي لجماعتِنا العليمة، لذلك يجب أن يتم بناء مفاهيمنا ومصطلحاتنا من مُسلّماتِنا؛ فنحن أصحاب ثقافة لديها مُسلّمات بوحدانيةِ الخالق، وهي ثقافة لا يوجد لديها وهمٌ بالحتميةِ الأنطولوجية وتقبل الحتمية الإبستمولوجية، أي أننا نؤمن بأنّ الله هو الخالق، وأن العلم هو أداة من صنع الإنسان لفهم نواميس الله بالكون، لكنه يظل علمًا ناقصًا نسبيًا وقابلاً للتطور، ولا نرى في العلم إلهًا مُطلقًا قادراً على كل شيء، قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
تُعدُّ عملية استيراد النظريات الغربية بما تحملهُ من مفاهيم ومصطلحات بمثابةِ استيرادِ الفكرِ المتجذرِ في الثقافة الغربية، التي تميّزت بإنكارها للنقل وإيمانها المطلق بالعقل، وكما يقول "فريدريك نيتشه" في كتابه "أصل الأخلاق وفصلها": "إنه كلما زاد ارتباط الإنسان بالإيمان بقدراته العقلية كلما ابتعد عن الدين"، مما يعني تسرّب الإلحاد الخفي في جذور بنية المصطلحات الإدارية التي أينعت في بيئةٍ غربيةٍ مُلحدةٍ، واليوم سوف أُقيم محكمةً مفاهيميةً ابتدائية للمصطلحات الإدارية، وسوف يَمثُل في هذه الجلسة ثلاثة من المتهمين، وهم: مصطلح الذكاء الاجتماعي، وقريبهُ مصطلح الذكاء العاطفي، وكذلك مصطلح القدرات.
فمصطلح ( الذكاء الاجتماعي) بوصفهِ يدلُ على فهمِ الشخص لبيئتهِ والتصرّف بسلوكٍ ناجحٍ اجتماعيا وعمليًا، أدرك عواطف الآخرين وإدارتها؛ لأن المُصطلحين يَنبعان من نية المنفعة الدنيوية، سواءً من أجل تمكين المدير من سياسة الموظفين بأريحية أو حصول الموظف على قبولٍ من الإدارة، وبالتالي فهي سلوكيات لا تخرجُ عن دائرةِ النفاق والرياء، وهذا نتاجٌ طبيعي من فكرٍ نَفعي دنيوي.
أما إسلاميًا فلدينا مفهوم شرعي يُغطي المجتمع وبيئة العمل وهو (حسن الخلق)، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وهو سلوكٌ يقوم به المسلم يريدُ من خلالهِ الأجر والمثوبة من الخالق الرحيم الذي يكفر به الملاحدة، علمًا بأن هذا السلوك يُنتجُ فوائد دنيوية دون أن تكون هي الدافع الأساسي.
أما مصطلح (قدرات)، فهو مصطلح يعزو القدرة للشخص وينزع علاقتها بالخالق، وهذا أمرٌ غيرَ مستغربٍ عندما يخرج هذا المفهوم من فكرٍ إلحادي لا يُؤمن بوجودِ خالقٍ يصير الأمور، قال تعالى: ﴿لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ لهذا أتفهم أننا قد نكون مضطرين لاستخدام بعض المفاهيم أو المصطلحات عند غياب بدائل من موروثنا الديني والاجتماعي والثقافي، ولكني لا أجد عذرًا عندما نمتلك في مخازننا الثقافية بديلاً مفاهيمياً مشحوناً بدلالاتٍ عميقةٍ، حيث نمتلك مصطلح (الفتوح) أي ما فتحَ اللهُ به على الإنسان من علم ومعرفة، قال تعالى: ﴿قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
لذلك فإنَّ من الواجب أن يلتفت الباحث الإداري العربي المسلم لتلك الخيوط الثقافية الغربية التي حاكت لنا المفاهيم والمصطلحات الإدارية، وتطويعها؛ عبرَ صبغها بصبغتِنا الثقافية، أو استبدالها بمصطلحاتِنا الخاصة التي تُنتجها نظرياتنا العلمية غير المستوردة، كما أننا في حاجةٍ إلى نظرياتٍ علميةٍ خاصةٍ تستمدُ ترويتها من منابعنِا النقية والصافية وغير الملوثة بمعتقداتِ الآخر الفاسدة؛ لكي تَنبت لنا مصطلحات تَتماهى مع هويتنا، فتح الله علينا وعليكم فتوح العارفين به.