بريدة: جمال الرفاعي

ما بين قصر وطول الفترة الفاصلة بين عقد القران (أو ما يسمى الملكة) وليلة الزفاف اختلفت آراء كثيرين، فبينما رأى البعض أن طولها النسبي (نحو 10 أشهر أو سنة) ضروري لمزيد من دراسة كلا الطرفين طباع بعضهما، حذر آخرون من أن هذا الطول قد يقود إلى الملل، ويهيئ الفرصة لمزيد من الخلافات بين طرفي العلاقة، بل حتى أسرهما.

في المقابل، حذر البعض من المبالغة في قصر تلك الفترة (على شهر واحد أو اثنين مثلا)، ورأوا في ذلك القصر استعجالا غير مبرر قد يقود في المحصلة إلى الندم والملامة.

واتفق كثيرون على أن هذه الفترة، قصرت أم طالت، تبقى ذات تأثير لا يمكن نكرانه على نجاح الزواج.

لا تحديد

أكد الأخصائي الاجتماعي عبدالرحمن حسن جان أنه ليست هناك فترة محددة بين الملكة والزواج، وأن هذه المدة تختلف حسب حال وظروف المخطوبين. وأوضح: «مع ذلك، ومهما كانت حال المخطوبين، فإنه يفضَّل أن تكون الفترة بين الملكة والزواج طويلة، ولكن ليس إلى حدّ يوّلد الملل والخلافات بين المخطوبين والأسرتين. كما يفضَّل ألا تكون قصيرة مخلة لا تمنحهما فرصة دراسة شخصيتهما، وفهم نفسيتهما وأخلاقهما وتوجهاتهما ومستوى تفكيرهما، واختبار التجانس والاختلاف بينهما، ولا التعود على تقبل وحب بعضهما تدريجيا قبل الزواج».

وتابع: «لا شك أن التجانس مطلوب بشدة بين المخطوبين، ويقود إلى الانسجام بينهما، ونجاح الزواج بإذن الله».

دراسة الخصائص

أشار جان إلى أن الزوجين قادران على دراسة خصائص بعضهما بعضا خلال فترة الملكة. ولو كان بينهما اختلاف، فإنها فرصة للاتفاق والتفاهم والتأقلم، ومعرفة كيف يتعاملان مع نقاط الاختلاف، لتلافيها وتفاديها لاحقا بعد الزواج، فالاختلاف بين الزوجين أو المخطوبين أمر طبيعي، والتطابق بين المخطوبين أو الزوجين ليس واردا دائما، فقد يكره أحدهما خلقا بالآخر، ولكنه يحب فيه أخلاقا أخرى، ويمكن حل هذه المشكلة بالتغافل عن السلبيات والتركيز على الإيجابيات لدى الآخر.

وعلى الرغم من الاختلاف وعدم التوافق بين المخطوبين، فإن التوفيق بينهما قد يكون من الله. وفي الحديثِ الشريف، يقولُ المُغيرة بن شُعبة رضي الله عنه: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرتُ له امرأةً أخطُبُها»، أي: يريدُ الزَّواجَ منها، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اذهَبْ فانظُرْ إليها، فإنَّه أجدَرُ أنْ يُؤْدَمَ بينكما»، أي: يُجْمَعَ بينكما، وتحصُلُ الأُلْفةُ والمحبَّةُ بينكما، وذلك يدل أن التوفيق من عند الله على الرغم من الاختلاف.

ويبدأ التوفيق من النظرة الشرعية، لذلك نرى بعض الأزواج يكونون موفقين في حياتهم الزوجية على الرغم من أنهم غير متوافقين في العمر ولا المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي، وقد تكون الزوجة غير جميلة أو العكس، ولكن قد وقعت المودة بينهما منذ النظرة الشرعية.

تحذير من الاستعجال

حذر جان من إتمام عقد النكاح قبل أن يكون المخطوبان جاهزين للزواج على الأقل بـ70%. وقال: «عندما لا يكون الخاطب جاهزا من الناحية المادية، فلا يكون المهر جاهزا، ولا السكن متوافرا، وليست لديه وظيفة ولا دخل مادي، فيُملِّك ثم يبدأ في تكوين نفسه، وهذا قد يستغرق فترة طويلة بين الملكة والزواج، قد تتجاوز السنة والسنتين وأكثر. ولكن إذا تبقى على الخاطب بعض التجهيزات القليلة، فإن طول الفترة يكون مفيدًا حتى ينتهي من تجهيز المتبقي. كذلك المخطوبة، فمثلًا عندما تشترط العروس بعد الملكة أن يكون الزواج بعد أن تتخرج في الجامعة، وهذا معناه أن فترة الملكة سوف تستمر 4 سنوات، وهذه مدة طويلة جدًا، فقد يترتب على ذلك خلاف بين المخطوبين، وربما بين الأسرتين، ويفشل مشروع الزواج».

لا قواعد

أوضح جان أن الفترة بين الملكة والزواج ليست محددة بقاعدة ولا قانون، وهي تبقى فترة نسبية تختلف من حالة إلى أخرى. وفي حال كانت هناك ضرورة ملحة لتقصير الفترة بين الملكة والزواج، فإنه بالإمكان تكثيف مدة اللقاءات بين المخطوبين خلالها، وبالعكس إن كانت هناك ضرورة أو مستجدات دعت إلى طول تلك الفترة، فإنه يفضل التخفيف من اللقاءات بين المخطوبين تفاديًا للمشاكل التي قد يترتب عليها إلغاء المشروع والطلاق أو فسخ عقد النكاح أو الخلع.

وختم: «في كلتا الحالتين يُحذر من اختلاء المخطوبين ببعضهما بعضا، فهذا قد يوقع علاقة حميمية أو حملا بينهما، ثم لا يتم الزواج لأي سبب مثل وفاة الخاطب أو الاكتشاف بعد فوات الأوان بأنه شخص غير صالح للزواج».

الفترة الرمادية

من جهته، يقول المستشار الأسري عبدالله بن عبد الرحمن العيادة: «فترة الملكة هي الفترة الرمادية قبل الزواج، وتختلف من بيئة إلى أخرى. كما تختلف حسب الأشخاص وعاداتهم وتقاليدهم، فمن الناس من يرغب في إطالتها، وفي الغالب يكون الرجل، بحجة التعرف أكثر على الفتاة، وهناك من الناس من لا يعطون فترة الملكة حقها من التمعن بحجة أن المخطوبين يعرفان بعضهما بعضا، فلا داعٍ لمدة طويلة».

وتابع: «في المملكة تكاد كل تقاليدنا المتعارف عليها في الزواج تكون واحدة، فالشاب لا يقدم على خطبة فتاة إلا وهو يعرف عائلتها».

وحذر العيادة من طول مدة الملكة، لأن «ذلك مدعاة لاستهلاك المشاعر، فكل واحد منهما يأتي بالصور الجميلة عنه، وحين يحل الزفاف يكونان قد استهلكا مشاعرهما. كما أن خروجهما مع بعضهما بعد الملكة وقبل الدخلة له سلبيات، قد تلامس الخطورة عليهما، فقد يقتنعان بالدخول، ويقدر الله أن يكون هناك حمل، ثم يحصل خلاف يكون مانعا من إتمام الزواج، وهذه إشكالية كبيرة».