عاصم حمدان

إذا كانت (نظرية الغناء العربي التي نقرؤها في كتاب الأغاني ليست أجنبية ولا مجلوبة من الخارج، إنما هي عربية صنعت في الحجاز) بحسب الدكتور شوقي ضيف في كتابه (الشعر والغناء في المدينة ومكة لعصر بني أمية)، فإن موطن الغناء العربي الأول مكة والمدينة، ثم انتقل إلى سائر مدن الحجاز ، كما يذكر ابن عبدربه في العقد الفريد والقديم من غناء أهل مكة والمدينة كغناء القيان في الجاهلية ، ثم أخذ عنهم غلمانهم، الذين ظهروا في أوائل الإسلام ومنهم طويس والدلال، وصولا إلى سعيد بن مسجح الذي توفي عام 85 هـ ،أستاذ المغنين في مكة.

لذلك ليس بغريب أن أن يكون « عبد الرحمن خوندنة» رحمه الله - المشتهر بأنه المعلم الأول لطلال مداح العزف على آلة العود - امتدادا للمدرسة المكية العريقة في تاريخ تعليم الغناء والموسيقى، وسواه من الفنانين من ابرزهم ابتسام لطفي. لم يكن نسيج وحده في مدينة « كانت معدة منذ العصر الجاهلي لشيوع الأغاني ، فهي من هذه الناحية - أيضا بحسب ضيف - تتقدم المدينة كما تتقدم بيئات العشر العربي الأخرى في العصر الجاهلي «، فهناك عشرات الأسماء يتنوع عطاؤها ما بين تعليم العزف على آلات العود والكمان والقانون، منذ فجر العصر الحديث كسعيد شاولي واسماعيل كردوس ، وفؤاد بنتن ودرويش صيرفي، وأسماء أخرى لم تتدون تناقلتها الذاكرة الشفهية، لعل ابرزهم يوسف محمد الذي انتقل إلى الطائف لتعليم العزف على العود، وكلها أسماء يمكن عدها منتمية لمدرسة ابن سريج وابن محرز المكية التي تعد من طبقات الفن والطرب والغناء وقد ذاع صيتها في الأرجاء، مادفع شعراء لتوثيق ذلك في ابيات معبرة منها:

نبع الغناء في الحجاز وترعرع

وانتشر في كل الجزيرةوتفرع

ورحل إلى مصر وتسرع

وبالعراق عاش الحزن وتجرع

وبالمغرب العربي توشح

وعند السودان تخمس وتربع .

ومنها أيضا:

نشأ الغناء في الحجاز وانشرح

وانتشر في جزيرة العرب وسرح

ودخل إلى الشام ومصر ومرح

وفي بلاد المغرب العربي فرح

2003*

** كاتب وأكاديمي سعودي «1953 - 2020».