ذكر جوستاف لوبون (1931/1841) في كتابه (حضارة العرب) ملاحظة جديرة بالانتباه في نهضة الأمم وسقوطها، إذ طرح في هذا المؤلف الصادر عام 1884، وهنا أنقل وفق فهمي ومصطلحاتي الخاصة: أن الرجل العظيم (الأول) الذي يستطيع أن يجمع الناس باسم شريعة تتناسب وعصره فتنشأ دولته عليها، سيورط من بعده إذا نظروا إلى هذه الشريعة (شريعة النشأة) بمقدار كبير من التقديس والثبات خصوصًا أن طبيعة (شريعة النشأة) قائمة على مثلث في أسلوب الحكم يتكرر في كل الدول التي عجزت عن تجاوزه فوقعت في الانحطاط والاندثار، وهذا المثلث صفاته هي: (فردي/مونقراطية، حربي/عسكري، عقائدي/شمولي) حيث يرى لوبون أن (شريعة النشأة) التي سادت بها معظم الدول قديمًا، كانت هي سبب سقوطها، منذ الإسكندر المقدوني مرورًا بالعباسيين وحتى العثمانيين وانتهاءً بدولة (لينين/الاتحاد السوفيتي) وهذه النماذج الكبرى قد يندرج تحتها أشباهها من (الدول الصغرى) مثل كوريا الشمالية وإيران وغيرهما.
وعليه فالدول يجب أن تمتلك بداخلها شرطًا أوضحه جوستاف لوبون في سبيل الاستمرار والحيلولة دون الانحطاط والسقوط، وذلك بظهور رجل (ثانٍ) ولو بعد حين يتجاوز (شريعة النشأة) ذات الطبيعة المستبدة المشغولة بالتأسيس إلى إنشاء (شرعة الاستمرار) ذات الطبيعة الديمقراطية المشغولة بالتنمية والازدهار الحضاري، وأضيف أن ميخائيل جورباتشوف قد أوضح في مذكراته طبيعة المأزق التاريخي لتراكمات متأخرة سببها الخوف من تجاوز (شريعة النشأة) التي تتكئ على (فردية مونقراطية، حربية عسكرية، عقائدية شمولية) قد تتناسب ونشأة الاتحاد السوفيتي على يد البلاشفة بزعامة لينين، لكنها تحتاج إلى رجل يفك هذا المثلث الذي زاده (ستالين) صلابة وعنتًا، مما راكم (الصدأ على حديد الحكم السوفيتي) وعندما حاول جورباتشوف معالجته كانت طبقة الصدأ قد أكلت مفاصل (الحكم الحديدي) للدولة السوفيتية فانهارت، وبالمقابل نرى مرونة أمريكا منذ نشأتها فيما وضعه (الآباء المؤسسون) من إطار سياسي تشريعي يحمي أمريكا من مثلث جوستاف لوبون في (شريعة النشأة) وتحويلها إلى مقدس يعيقها عن التطور والتكيف، يكفي أن (البراغماتية) ظهرت ونشأت في الولايات المتحدة على يد فلاسفتها، مما جعل (الميكافيللية في كتاب الأمير) مجرد طفولة في التفكير السياسي تجاوزها التاريخ لارتباطها بمثلث (شريعة النشأة) الذي تحدث عنه جوستاف لوبون، بينما البراغماتية لا تعرف العداوة بقدر ما تعرف أدق تفاصيل (المنفعة) حتى في الخصم، بشكل يتجاوز إمكانية العقل الأصولي على الفهم. مما أشار إليه لوبون أيضًا في كتابه عن (حضارة العرب) ــ وفق ما فهمته ــ أن العرب زمن تفوقهم، كانوا يتميزون بالتسامح الديني والتعددية، مما جعل كل الشعوب تتحول إلى طابور خامس لصالحهم ــ إذا جاز التعبيرــ وأقول إني فهمت هذا من جوستاف لوبون لأني وعلى المستوى الشرعي أعلم أن المذهب الحنبلي مثلًا يوضح أن ليس للمسلم منع زوجته الذمية عن شرب ما يسكرها، ولا أن يكرهها على الاغتسال، بل نجد القاضي المسلم يحكم بالنفقة للمجوسية إذا اشتكت تقصير أحد أقاربها في نفقته على أبنائه منها رغم أن نكاحها منه باطل في ديننا (راجع الإمام محمد أبوزهرة في كتابه «المجتمع الإنساني في ظل الإسلام» ونقولات أ.د/محمد عبدالغفار الشريف عن كتاب المغني لابن قدامة في دراسته: «الإسلام والآخر.. منطلقات الحوار» العدد 186 من مجلة الثقافة العالمية)، كل هذا يعطي مؤشرًا واقعيًا وموضوعيًا لأسباب انتشار الإسلام بسرعة أثارت إعجاب جوستاف لوبون مقارنة بحضارة فارس والروم التي عاشت وفق (الناس مأطورة على دين ملوكها) بخلاف التاريخ العربي وخاتمته الأندلس كآخر النماذج الحضارية لهذه التعددية التي فقدها العرب داخل نطاقهم الحضاري، وأخذها الذين كنا نصفهم بقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) لنجدهم الآن ــ في حضارتهم الحالية ــ لن يقتلوا أبناءهم أو يحاكموهم فيما لو (تركوا دين آبائهم واعتنقوا الإسلام) بل سنجد من المسلمين من يشتري كنيسة في أرضهم ويحولها إلى مسجد دون نكيرٍ منهم، فهل استلهموا أحسن ما في حضارتنا الماضية، وأخذ بعضنا أسوأ ما في عصورهم الوسطى من محاكم تفتيش وصكوك غفران؟!!.
وعليه فالدول يجب أن تمتلك بداخلها شرطًا أوضحه جوستاف لوبون في سبيل الاستمرار والحيلولة دون الانحطاط والسقوط، وذلك بظهور رجل (ثانٍ) ولو بعد حين يتجاوز (شريعة النشأة) ذات الطبيعة المستبدة المشغولة بالتأسيس إلى إنشاء (شرعة الاستمرار) ذات الطبيعة الديمقراطية المشغولة بالتنمية والازدهار الحضاري، وأضيف أن ميخائيل جورباتشوف قد أوضح في مذكراته طبيعة المأزق التاريخي لتراكمات متأخرة سببها الخوف من تجاوز (شريعة النشأة) التي تتكئ على (فردية مونقراطية، حربية عسكرية، عقائدية شمولية) قد تتناسب ونشأة الاتحاد السوفيتي على يد البلاشفة بزعامة لينين، لكنها تحتاج إلى رجل يفك هذا المثلث الذي زاده (ستالين) صلابة وعنتًا، مما راكم (الصدأ على حديد الحكم السوفيتي) وعندما حاول جورباتشوف معالجته كانت طبقة الصدأ قد أكلت مفاصل (الحكم الحديدي) للدولة السوفيتية فانهارت، وبالمقابل نرى مرونة أمريكا منذ نشأتها فيما وضعه (الآباء المؤسسون) من إطار سياسي تشريعي يحمي أمريكا من مثلث جوستاف لوبون في (شريعة النشأة) وتحويلها إلى مقدس يعيقها عن التطور والتكيف، يكفي أن (البراغماتية) ظهرت ونشأت في الولايات المتحدة على يد فلاسفتها، مما جعل (الميكافيللية في كتاب الأمير) مجرد طفولة في التفكير السياسي تجاوزها التاريخ لارتباطها بمثلث (شريعة النشأة) الذي تحدث عنه جوستاف لوبون، بينما البراغماتية لا تعرف العداوة بقدر ما تعرف أدق تفاصيل (المنفعة) حتى في الخصم، بشكل يتجاوز إمكانية العقل الأصولي على الفهم. مما أشار إليه لوبون أيضًا في كتابه عن (حضارة العرب) ــ وفق ما فهمته ــ أن العرب زمن تفوقهم، كانوا يتميزون بالتسامح الديني والتعددية، مما جعل كل الشعوب تتحول إلى طابور خامس لصالحهم ــ إذا جاز التعبيرــ وأقول إني فهمت هذا من جوستاف لوبون لأني وعلى المستوى الشرعي أعلم أن المذهب الحنبلي مثلًا يوضح أن ليس للمسلم منع زوجته الذمية عن شرب ما يسكرها، ولا أن يكرهها على الاغتسال، بل نجد القاضي المسلم يحكم بالنفقة للمجوسية إذا اشتكت تقصير أحد أقاربها في نفقته على أبنائه منها رغم أن نكاحها منه باطل في ديننا (راجع الإمام محمد أبوزهرة في كتابه «المجتمع الإنساني في ظل الإسلام» ونقولات أ.د/محمد عبدالغفار الشريف عن كتاب المغني لابن قدامة في دراسته: «الإسلام والآخر.. منطلقات الحوار» العدد 186 من مجلة الثقافة العالمية)، كل هذا يعطي مؤشرًا واقعيًا وموضوعيًا لأسباب انتشار الإسلام بسرعة أثارت إعجاب جوستاف لوبون مقارنة بحضارة فارس والروم التي عاشت وفق (الناس مأطورة على دين ملوكها) بخلاف التاريخ العربي وخاتمته الأندلس كآخر النماذج الحضارية لهذه التعددية التي فقدها العرب داخل نطاقهم الحضاري، وأخذها الذين كنا نصفهم بقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) لنجدهم الآن ــ في حضارتهم الحالية ــ لن يقتلوا أبناءهم أو يحاكموهم فيما لو (تركوا دين آبائهم واعتنقوا الإسلام) بل سنجد من المسلمين من يشتري كنيسة في أرضهم ويحولها إلى مسجد دون نكيرٍ منهم، فهل استلهموا أحسن ما في حضارتنا الماضية، وأخذ بعضنا أسوأ ما في عصورهم الوسطى من محاكم تفتيش وصكوك غفران؟!!.