صنفت منظمة الصحة العالمية ما تتعرض له النساء من انتهاكات أثناء الولادة «عنفًا ضد المرأة»، وذكرت استشارية أمراض النساء والولادة وجراحة الحوض الترميمية، الدكتورة فاطمة الشنقيطي، أن الولادة كانت تعتمد على الداية، ثم صارت تعتمد على المستشفى لخفض معدلات وفيات الأمهات والمواليد الرضع، وأدى ذلك لتحسين الصحة والحد من الوفيات المرتبطة بالولادة، لكن بدلاً من أن تكون الولادة الطبيعية عملية فسيولوجية بحتة دون تدخلات طبية، صارت الحامل وجنينها من المرضى وبحاجة للولادة في مدة معينة، وكثرت التدخلات الطبية، وطغى تركيز الطاقم الطبي على التكنولوجيا، وعمّ الخوف والترهيب غرف الولادة، مع إهمال المهنيين الجوانب العاطفية والنفسية والاجتماعية في علاقتهم مع الحامل وجنينها.
استعداد وإجراءات
شددت، الدكتورة الشنقيطي، على أن الحامل التي تدخل المنشأة الصحية للمخاض تحتاج أن تكون مستعدة بمعلومات تساعدها على اتخاذ قراراتها، ومعرفة ما سيجري لها أثناء الولادة، كما يحق لها رفض بعض الإجراءات إذا كانت متعافية وذات حمل منخفض الخطورة، كما أن عليها تجنب الإجراءات والممارسات الطبية غير المعتمدة على البراهين الطبية، وعليها أن تناقش حالتها مع الطبيب أو القابلة، وتتخذ القرار معهم حول الإجراءات الضرورية وغير الضرورية.
وأوضحت أن من التدخلات الطبية القسطرة الوريدية، الحقنة الشرجية، منع الحركة وإبقائها على وضعية الاستلقاء على الظهر، منعها من الأكل والشرب، استخدام الأدوية لإيقاف آلام الولادة، تخدير الجزء السفلي المعروف بإبرة الظهر، مراقبة الجنين المستمرة إلكترونيًا، الطلق الصناعي لتحفيز أو تسريع الولادة، فتح الغشاء الأمنيوسي المحيط بالجنين طبيًا، الضغط على أعلى البطن من أجل تسريع الولادة، عملية قص العجان بلا دواع طبية، قطع الحبل السري فور الولادة، والعملية القيصرية.
وذكرت أن ورقة علمية صدرت عام 2006 للإجابة عن لماذا ترضخ الأمهات لكل تلك التدخلات الطبية، وكانت الإجابة، برغبتها باستعمال الطرق الجديدة والطب الحديث وثقتها بالطاقم الصحي والإجراءات المتبعة، وبسبب الآلام المترتبة أثناء المخاض والولادة، وبسبب المناخ العام من بداية الحمل حتى الولادة والمحاط بعبارات التخويف والترهيب من قبل الطاقم الصحي، وخوفها من تأنيب الضمير لو حدث شيء لها أو للطفل، وجهلها بما يترتب على الحمل والمخاض والولادة، والخوف مما لا تعرفه.
وذكرت أن منظمة الصحة العالمية عرفت عنف التوليد بأنه أي فعل «جسدي أو لفظي» يسبب الأذى جسديُا أو نفسيًا، مشيرة إلى أن 28% من النساء في العالم يتعرضن لعنف الولادة، ومن علاماته اكتئاب ما بعد الولادة، وما له من عواقب نفسية جسيمة، والخوف من تجربة الحمل والولادة، عدم متابعة الحمل في المنشآت الصحية، كما للعنف علاقة بالإسقاط والولادات المبكرة، ونقص نمو الأجنة.
ظاهرة عالمية
توضح، الدكتورة ريم سعيد الغامدي، أستاذ القبالة المساعد بجامعة الملك سعود أن عنف التوليد ظاهرة عالمية اعترف بها عام 2001 في مؤتمر عالمي أوصى بمعاملة الولادة بإنسانية، والتقليل من إضفاء الطابع الطبي البحت على الولادة، واستخدام العمليات القيصرية أو التدخلات الطبية بدون الحاجة لها.
وظهر المصطلح الأول للظاهرة بما يسمى «أنسنة الولادة»، ثم صدر تقرير تحليل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2010، والذي صنّف تلك الممارسات بمسمى «عدم الاحترام والتعنيف»، وفي 2011 صدر ميثاق رابطة تحالف الشريط الأبيض بتبيان 7 حقوق، من بينها حق المرأة في أخذ المعلومات والموافقة المستنيرة والرفض، واحترام اختياراتها وتفضيلاتها، بما في ذلك الرفقة أثناء رعاية الأمومة؛ وعدم إجبارها على فعل شيء لها دون علمها وموافقتها، وأنه لا يمكن لأحد أن يهينها أو يسيء إليها لفظيًا، وحقها بالرعاية المنصفة، وعدم منعها من الحصول على رعاية الأمومة التي تحتاجها، وعدم احتجازها أو احتجاز طفلها دون سلطة قانونية.
وتم تحديث هذه الحقوق في 2019 لتشمل 10 حقوق في ميثاق رعاية الأمومة المحترمة.
وفي 2015 راجعت مجموعة بحثية في منظمة الصحة العالمية جميع الدراسات التي رصدت هذه الممارسات ضد المرأة أثناء الولادة في جميع دول العالم، وحدثت التصنيف السابق لهذه الممارسات، والتي اشتملت على العنف الجسدي، اللفظي، الجنسي، الوصم والتمييز، والفشل في تلبية المعايير المهنية للرعاية، وضعف العلاقة بين النساء ومقدمي الرعاية، وظروف النظام الصحي وقيوده، وبناء على هذا التصنيف سميت الظاهرة بمسمى «سوء المعاملة أثناء الولادة». وفي 2017، حدّث المصطلح إلى «رعاية الأمومة المحترمة» لمعالجة الظاهرة وفهمها بشكل أوسع، والذي يشمل أي نوع من سوء المعاملة قبل وأثناء وبعد الولادة.
صياغة المصطلح
تبين الدكتورة رؤى الطويلي، استشاري قبالة وأستاذ مساعد في القبالة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أن مصطلح «العنف التوليدي» ظهر في أمريكا اللاتينية وإسبانيا في العقد الأول من القرن 21، وكانت فنزويلا الدولة الرائدة في صياغته إضافة إلى تعريفه القانوني في 2007.
ووفق التعريق فإن «العنف أثناء الولادة هو أي سلوك أو فعل أو إغفال ناجم عن فريق من المهنيين الصحيين، بشكل مباشر أو غير مباشر، في القطاعين العام والخاص».
تحت التعنيف
تعود الدكتورة الشنقيطي لتوضح التصرفات التي تندرج تحت مسمى «التعنيف أثناء الولادة»، وتقول «هناك دراسة مقطعية في منطقة نجد من كلية الطب بجامعة القصيم تناولت مدى انتشار العنف ضد المرأة خلال الحمل وبعد الولادة في السعودية، توضح أن 39.6% أحسسن بالخوف وعدم الارتياح للطاقم الصحي والطبي، و63% مورس عليهن عنف لفظي، و37% مورس عليهن عنف جسدي ولم يتم التبليغ».
وتكمل «في مرحلة المخاض، فإن 60% لم يكن لهن حق الاختيار لوجود مرافق معهن أثناء الولادة، و68% لم يتم إخبارهن بحقوقهن مثل حقهن بوجود مرافق، و61% أجبرن على وضعية الولادة على الظهر، و48.5% لم يزوّدن بمعلومات وتعليمات مفيدة، و59.8% لم يتلقين أي دعم خلال هذه المرحلة من الطاقم الصحي لتسكين الألم بأي من الطرق الطبية وغير الطبية، و53.5% فحصن بلا أي دواع طبية من قبل الطلبة للتدريب، ومن 7 إلى 23% لم يتم تطبيق الموافقة المستنيرة للممارسات الطبية أو إخبارهن بحقوقهم الصحية.
أما خلال الولادة، فإن 97% ولدن على وضعية النوم على الظهر، و68.3% تعرضن لقص العجان، و31% لم يتم إعطاؤهن مسكن للألم، و47.3% لم يتم إعطاؤهن المولود بشكل مباشر بعد الولادة، و44.1% لم يتم إخبارهن بحاجة المولود للرضاعة الطبيعية خلال الساعات الأولى من الولادة، وشكل جهل الأمهات بعدم معرفة وضعيات الولادة التي تساعد على تخفيف الألم والمخاض أثناء الولادة 4.4%».
أوجه العنف
ذكرت الدكتورة الشنقيطي أوجهًا للعنف، منها الإهمال والاستهتار والإغفال والتمييز العنصري والأقوال أو الأفعال غير المحترمة، ومنها عدم الالتزام بالمعايير المهنية عند تقديم الرعاية الصحية، والإهانة اللفظية المتمثلة بالتحدث بلغة قاسية أو أسلوب تهكم، وتهديد وتخويف وتقليل معلومات أو قدرات الأم، وتجاهل الأم وتلبية احتياجاتها بالحمل والولادة مثل خطة الولادة أو تسكين ألم الولادة أو اتخاذها الوضعيات التي ترغبها خلال المخاض، وانتهاك الخصوصية والسرية، مثل عدم وجود خصوصية بالغرف «غرف منفصلة أو ستائر أو فواصل بين المريضات أو الحوامل» أو عدم الحرص على تغطية الجسم وقت الفحص أو الولادة، والحرمان من العلاج، والعنف الجسدي والممارسات الاستهلاكية مثل الضرب أو الصفع أو التكميم أو التقييد إلى سرير الولادة ومنع الأم من الحركة، والتعرض للتمييز والعنصرية الدينية أو القبلية، والتدخلات والإجراءات الطبية غير المبررة، والانتظار الطويل للحصول على الرعاية الصحية، والاحتجاز بحجة عدم سداد الفواتير.
ومن هذا المنطلق أطلقت وزارة الصحة السـعودية عام 2018 مبادرة منشأة رعاية الأمومة صديقة الأم والطفل والأسرة، التي تهدف لتعزيز النمـوذج الصحي لرعاية الأمومة الذي يسمح بوجود مرافق مع الأم خلال المخاض والولادة والنفاس، سواء من العائلة أو صديقة، شـــرط ألا يكون تجهيز غرفة الولادة أو التنويم مانعاً مـــن ذلك، وألا يمثل وجود المرافق تعديًا على خصوصية الأمهات الأخريات.
وتؤكد الوزارة أهمية التقصي عن العنف أثناء رعاية ما قبل الولادة، لأن فترة الحمل حساسة وحاسمة لصحة الأم وجنينها في المستقبل، وقالت «نشجع النساء على طلب المساعدة إذا تعرضن لأي نوع من العنف».
تصرفات الكادر الصحي
من جانبها، تشير الدكتورة الغامدي إلى أن الكادر الصحي قد يقدم على تصرفات تندرج تحت التعنيف، وتقول «من خلال نتائج أحد أبحاث رسالتي في الدكتوراه، فإن 1 من كل 5 نساء أبلغن عن تعرضهن لنوع من التعنيف الجسدي أثناء الولادة 21.8%، و1 من كل 3 نساء تعرضن للتعنيف اللفظي بنسبة 38%.
و54% من النساء لم تؤخذ موافقتهن لإجراء التدخلات الطبية مثل قص العجان، فحص المهبل والطلق الصناعي، و63% من النساء أبلغن عن وجود أشخاص في غرف الولادة دون موافقتهن و58% من النساء لم يستطعن اختيار الوضعية التي تريحهن أثناء الولادة، و64% من النساء طُلب منهن التحكم بأجسادهن أثناء ألم المخاض وقوة الدفع أثناء الولادة، و74% من النساء لم يجدن الراحة في بيئة الولادة اللاتي وضعن بها.
وتقول «هناك تصرفات تصدر بقصد أو دونه، وهي ممارسات فردية ترتكب ظنًا بأنها تحافظ على حياة الأم والطفل، مثل وضع الأم في السرير متصلة بجهاز متابعة نبض الجنين وطلق المخاض ما لا يقل عن 12 ساعة، ومنعها من الذهاب إلى دورة المياه، ومن ثم يتم تركيب قسطرة بولية حتى لا تتحرك من السرير، وبعض المستشفيات توجه الأم بالتبول تحتها وهو غير مريح، كما أن في ذلك التحكم العالي بقدرة المرأة واستقلاليتها أثناء المخاض، وهو أمر حساس جدًا للمرأة، حيث عبرت بعض المشاركات في أحد أبحاث دراسة الدكتوراه عن تجربة ولادتهن بكلمة «تعزير» والأخرى بكلمة «يبونك صنم».
ومن الممارسات المسيئة للتعامل مع الأمهات الصراخ عليهن للدفع وتخويفهن بعدم كفاية دفعهن أثناء الولادة، وقد يتم تهديدهن بتحمل أي مسؤولية لأي مضاعفات قد تحدث للطفل بعد الولادة.
كذلك دخول العديد من الممارسين الصحيين والمتدربين دون إذن مسبق أثناء دفع المرأة للطفل، وتوقيع المرأة على الموافقة الخطية المجملة على أي تدخل طبي أثناء تسجيل دخولها في المنشأة الصحية.
تصور محترم
تؤكد الدكتورة الغامدي أن تصور النساء عمومًا حول رعاية الأمومة المحترمة في السعودية كان إيجابيًا، مع تباين بين القطاعين الحكومي والخاص، ففي الحكومي أبلغن عن مستويات احترام أقل بكثير مقارنة بالخاص الذي يركز ربما أكثر على المستهلك.
أما الدكتورة الطويلي، فأوضحت أن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف ومنظمات دولية أجرت دراسة مشتركة عام 2019 عن العنف في الولادة، وخلصت إلى أن نحو 42% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة قلن إنهن تعرضن للإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة في المراكز الصحية، مع تعرض بعض النساء إلى اللكم والصفع والصراخ أو الاستهزاء أو الضغط عليهن بالقوة، وتتعدد أشكال عنف الولادة الطبيعية الممارس في كل أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان المتقدمة، وذلك من استخدام القوة، مثل الضغط على البطن، وإخفاء المعلومات عن المرأة، وعدم الحصول على أي مسكن للألم، واللمس المفرط أو غير المناسب أثناء الولادة أو عند التخدير.
وكانت النساء الأصغر سنًا، والأقل تعليمًا هن الأكثر عرضة للخطر، مما يشير إلى عدم المساواة في كيفية معاملة المرأة أثناء الولادة.
وشددت الدكتورة الطويلي على أنه لا يوجد نص يمنع دخول المرافق للحامل خلال الولادة، سواء زوجها أو والدتها أو من تختاره.
وكانت وزارة الصحة السعودية نشرت في 2021 سياسة المرافق في أقسام النساء والولادة، وهو يعد مرجعًا مبسطًا لكل أم حامل.
مرافقة الزوج
علّقت الدكتورة الغامدي على مرافقة الزوج أثناء الولادة بأنه أحد حقوق المرأة الصحية، وله أثر قوي في دعم الولادة الغريزية الطبيعية، لأن جسم المرأة مليء بالهرمونات الطبيعية التي تساعد على تحفيز الطلق الطبيعي، ومن أهم هذه الهرمونات هو هرمون الحب أو ما يسمى بهرمون «الأكسيتوسين» المسؤول عن انقباضات الرحم، حيث يساعد في ولادة الطفل، ويرتفع هذا الهرمون بوجود الأم في بيئة حميمية آمنة وهادئة ودافئة مع المرافق.
وأضافت «السبب الآخر لضرورة وجود الزوج أو الأم أو الأخت مع المرأة أثناء المخاض، لأنها تحتاج من يحميها ويساندها، ويكون صوتها، ولن تُكره على اتخاذ قرارات لا تريدها أو تحتاجها، ويعطيها المساحة الآمنة للتركيز على تنفسها وقوتها لخوض مراحل المخاض».
وبينت أن هناك حملات توعوية للمرأة بشأن قص العجان «قولي_لا_لقص_العجان_الروتيني»، وقد أعرب عن ذلك الوعي الكبير خلال سبع السنوات الماضية، ولكن مازالت بعض الممارسات في المنشآت الصحية بأخذ موافقة المرأة خطيًا مع أوراق الدخول في حال إجراء أي تدخل طبي بشكل روتيني، وهو إجراء قانوني شكلي لتُخلي المنشأة الصحية مسؤوليتها من المحاسبة قانونيًا بأخذ موافقة المرأة قبل ذلك وهو فيه شيء من التلاعب على المرأة بشكل ما، ومن المفترض أخذ الموافقة فقط عندما تحتاج له المرأة في وقت معين أثناء الولادة».
قلة وعي النساء
تكشف الدكتورة الغامدي أن من أسباب قلة وعي السيدة الحامل بحقوقها وقت الولادة هو عدم وجود بيئة محفزة وداعمة لصوت المرأة واحتياجاتها، وكذلك قلة وجود القابلات المتخصصات في الولادات منخفضة الخطورة ومتابعتها في عيادتها.
والقابلة مخولة بأن تُحيل الحالة ما إن ارتفعت درجة خطورتها إلى طبيب الولادة المتخصص في الولادات عالية الخطورة، ولو طُبق هذا النموذج من رعاية القابلات في النظام الصحي السعودي سنجد تمكين أعلى لصوت المرأة وتصميم المرافق بما يتناسب مع احتياجاتها وتفضيلاتها.
كما أن الخوف سبب آخر، فبمجرد وصول المرأة إلى غرفة الولادة تُجرد من كل دعم عائلي لها وفي بعض المنشآت الصحية تُمنع من إدخال جوالها معها.
وشددت على أن الحامل أو المرأة أثناء المخاض يصنفون عالميًا تحت الفئات المستضعفة التي تحتاج الدعم والرعاية، لذلك يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار حالتها النفسية والجسدية وطبيعتها الغريزية لحماية طفلها من أي خطر.
أما الدكتورة الطويلي فتعيد قلة وعي النساء الحوامل بحقوقهن لنقص التثقيف، وللثقافة والتقاليد، والخوف وعدم الثقة، وعدم الوعي بالقوانين واللوائح.
عقوبات تطال الممارس
تكشف الدكتورة الغامدي أن ممارسات التعنيف أثناء الولادة في غالب الأحيان لا يستطيع أحد إثباتها إلا بوجود تسجيل صوتي أو مرئي أو شهود عيان، مبينة أنه ليس هناك عقوبات واضحة من وزارة الصحة تطال الممارس الصحي بالعقاب في حال ثبوت أي من ممارسات سوء المعاملة أثناء رعاية الأمومة.
وبينت أن الوزارة خصصت الرقم 937 كخط مباشر تستطيع المرأة التحدث عبره عن تجربتها، وقالت: من تجارب النساء المشاركات في رسالتي للدكتوراه، فإن المرأة تختار السكوت على أن تشتكي، لأنها تخاف على وليدها أو أن يتم عقابها لاحقًا في حال احتاجت الذهاب للمنشأة الصحية مرة أخرى لتلقي الرعاية أو تتسبب في أخطار على نفسها أو جنينها.
وقالت «أي ممارس صحي يقوم بأي من ممارسات التعنيف على المرأة أثناء رعاية الأمومة سيكون محاسبًا ومسؤولا عن أفعاله وأقواله وسلوكياته أيًا كان عمله، وهي ممارسات لا تمثل أي من المهن الصحية أو أخلاقياتها المهنية أو فلسفتها العلمية، وإنما هي ممارسات فردية».
أما الدكتورة الطويلي فتقول «ينص نظام مزاولة المهن الصحية بالسعودية على أنه على الممارس الصحي احترام حقوق المرضى وذويهم وفقًا للمبادئ الشرعية والمعايير الطبية المعتمدة، وجميع ما يرد من تعليمات من الوزارة والجهات المختصة حيال ذلك، ويكون الممارس الصحي محلا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجًا على مقتضيات مهنته أو آدابها».
الولادة المنزلية
تتحدث الدكتورة الطويلي عن أن السعوديات يملن إلى الولادة في المنزل، وتقول: في دراسة حديثة أجريتها مع الدكتورة هيا زيدان والدكتورة إنصاف شعبان عن وجهات نظر المجتمع حول الولادة في المنزل أجريت عام 2023 في السعودية أعربت 53.4% من المشاركات عن اهتمامهن بالولادة المنزلية، وكسبب لهذا الاهتمام أعربت 14.3% منهن عن أملهن في تجنب التدخلات الطبية غير الضرورية في المستشفى، وكان هذا الاهتمام مرتبطًا برغبة النساء في الحصول على تجربة ولادة أكثر إيجابية وتجنب التدخلات الطبية غير الضرورية.
تشير النتائج إلى الحاجة الواضحة إلى سياسة مطورة بالكامل للولادة في المنزل، ومتكاملة تمامًا مع خدمات رعاية الأمومة الموجودة في السعودية، وزيادة الوعي بسلامة وملاءمة الولادة في المنزل للنساء ذوات المخاطر المنخفضة.
استعداد وإجراءات
شددت، الدكتورة الشنقيطي، على أن الحامل التي تدخل المنشأة الصحية للمخاض تحتاج أن تكون مستعدة بمعلومات تساعدها على اتخاذ قراراتها، ومعرفة ما سيجري لها أثناء الولادة، كما يحق لها رفض بعض الإجراءات إذا كانت متعافية وذات حمل منخفض الخطورة، كما أن عليها تجنب الإجراءات والممارسات الطبية غير المعتمدة على البراهين الطبية، وعليها أن تناقش حالتها مع الطبيب أو القابلة، وتتخذ القرار معهم حول الإجراءات الضرورية وغير الضرورية.
وأوضحت أن من التدخلات الطبية القسطرة الوريدية، الحقنة الشرجية، منع الحركة وإبقائها على وضعية الاستلقاء على الظهر، منعها من الأكل والشرب، استخدام الأدوية لإيقاف آلام الولادة، تخدير الجزء السفلي المعروف بإبرة الظهر، مراقبة الجنين المستمرة إلكترونيًا، الطلق الصناعي لتحفيز أو تسريع الولادة، فتح الغشاء الأمنيوسي المحيط بالجنين طبيًا، الضغط على أعلى البطن من أجل تسريع الولادة، عملية قص العجان بلا دواع طبية، قطع الحبل السري فور الولادة، والعملية القيصرية.
وذكرت أن ورقة علمية صدرت عام 2006 للإجابة عن لماذا ترضخ الأمهات لكل تلك التدخلات الطبية، وكانت الإجابة، برغبتها باستعمال الطرق الجديدة والطب الحديث وثقتها بالطاقم الصحي والإجراءات المتبعة، وبسبب الآلام المترتبة أثناء المخاض والولادة، وبسبب المناخ العام من بداية الحمل حتى الولادة والمحاط بعبارات التخويف والترهيب من قبل الطاقم الصحي، وخوفها من تأنيب الضمير لو حدث شيء لها أو للطفل، وجهلها بما يترتب على الحمل والمخاض والولادة، والخوف مما لا تعرفه.
وذكرت أن منظمة الصحة العالمية عرفت عنف التوليد بأنه أي فعل «جسدي أو لفظي» يسبب الأذى جسديُا أو نفسيًا، مشيرة إلى أن 28% من النساء في العالم يتعرضن لعنف الولادة، ومن علاماته اكتئاب ما بعد الولادة، وما له من عواقب نفسية جسيمة، والخوف من تجربة الحمل والولادة، عدم متابعة الحمل في المنشآت الصحية، كما للعنف علاقة بالإسقاط والولادات المبكرة، ونقص نمو الأجنة.
ظاهرة عالمية
توضح، الدكتورة ريم سعيد الغامدي، أستاذ القبالة المساعد بجامعة الملك سعود أن عنف التوليد ظاهرة عالمية اعترف بها عام 2001 في مؤتمر عالمي أوصى بمعاملة الولادة بإنسانية، والتقليل من إضفاء الطابع الطبي البحت على الولادة، واستخدام العمليات القيصرية أو التدخلات الطبية بدون الحاجة لها.
وظهر المصطلح الأول للظاهرة بما يسمى «أنسنة الولادة»، ثم صدر تقرير تحليل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 2010، والذي صنّف تلك الممارسات بمسمى «عدم الاحترام والتعنيف»، وفي 2011 صدر ميثاق رابطة تحالف الشريط الأبيض بتبيان 7 حقوق، من بينها حق المرأة في أخذ المعلومات والموافقة المستنيرة والرفض، واحترام اختياراتها وتفضيلاتها، بما في ذلك الرفقة أثناء رعاية الأمومة؛ وعدم إجبارها على فعل شيء لها دون علمها وموافقتها، وأنه لا يمكن لأحد أن يهينها أو يسيء إليها لفظيًا، وحقها بالرعاية المنصفة، وعدم منعها من الحصول على رعاية الأمومة التي تحتاجها، وعدم احتجازها أو احتجاز طفلها دون سلطة قانونية.
وتم تحديث هذه الحقوق في 2019 لتشمل 10 حقوق في ميثاق رعاية الأمومة المحترمة.
وفي 2015 راجعت مجموعة بحثية في منظمة الصحة العالمية جميع الدراسات التي رصدت هذه الممارسات ضد المرأة أثناء الولادة في جميع دول العالم، وحدثت التصنيف السابق لهذه الممارسات، والتي اشتملت على العنف الجسدي، اللفظي، الجنسي، الوصم والتمييز، والفشل في تلبية المعايير المهنية للرعاية، وضعف العلاقة بين النساء ومقدمي الرعاية، وظروف النظام الصحي وقيوده، وبناء على هذا التصنيف سميت الظاهرة بمسمى «سوء المعاملة أثناء الولادة». وفي 2017، حدّث المصطلح إلى «رعاية الأمومة المحترمة» لمعالجة الظاهرة وفهمها بشكل أوسع، والذي يشمل أي نوع من سوء المعاملة قبل وأثناء وبعد الولادة.
صياغة المصطلح
تبين الدكتورة رؤى الطويلي، استشاري قبالة وأستاذ مساعد في القبالة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، أن مصطلح «العنف التوليدي» ظهر في أمريكا اللاتينية وإسبانيا في العقد الأول من القرن 21، وكانت فنزويلا الدولة الرائدة في صياغته إضافة إلى تعريفه القانوني في 2007.
ووفق التعريق فإن «العنف أثناء الولادة هو أي سلوك أو فعل أو إغفال ناجم عن فريق من المهنيين الصحيين، بشكل مباشر أو غير مباشر، في القطاعين العام والخاص».
تحت التعنيف
تعود الدكتورة الشنقيطي لتوضح التصرفات التي تندرج تحت مسمى «التعنيف أثناء الولادة»، وتقول «هناك دراسة مقطعية في منطقة نجد من كلية الطب بجامعة القصيم تناولت مدى انتشار العنف ضد المرأة خلال الحمل وبعد الولادة في السعودية، توضح أن 39.6% أحسسن بالخوف وعدم الارتياح للطاقم الصحي والطبي، و63% مورس عليهن عنف لفظي، و37% مورس عليهن عنف جسدي ولم يتم التبليغ».
وتكمل «في مرحلة المخاض، فإن 60% لم يكن لهن حق الاختيار لوجود مرافق معهن أثناء الولادة، و68% لم يتم إخبارهن بحقوقهن مثل حقهن بوجود مرافق، و61% أجبرن على وضعية الولادة على الظهر، و48.5% لم يزوّدن بمعلومات وتعليمات مفيدة، و59.8% لم يتلقين أي دعم خلال هذه المرحلة من الطاقم الصحي لتسكين الألم بأي من الطرق الطبية وغير الطبية، و53.5% فحصن بلا أي دواع طبية من قبل الطلبة للتدريب، ومن 7 إلى 23% لم يتم تطبيق الموافقة المستنيرة للممارسات الطبية أو إخبارهن بحقوقهم الصحية.
أما خلال الولادة، فإن 97% ولدن على وضعية النوم على الظهر، و68.3% تعرضن لقص العجان، و31% لم يتم إعطاؤهن مسكن للألم، و47.3% لم يتم إعطاؤهن المولود بشكل مباشر بعد الولادة، و44.1% لم يتم إخبارهن بحاجة المولود للرضاعة الطبيعية خلال الساعات الأولى من الولادة، وشكل جهل الأمهات بعدم معرفة وضعيات الولادة التي تساعد على تخفيف الألم والمخاض أثناء الولادة 4.4%».
أوجه العنف
ذكرت الدكتورة الشنقيطي أوجهًا للعنف، منها الإهمال والاستهتار والإغفال والتمييز العنصري والأقوال أو الأفعال غير المحترمة، ومنها عدم الالتزام بالمعايير المهنية عند تقديم الرعاية الصحية، والإهانة اللفظية المتمثلة بالتحدث بلغة قاسية أو أسلوب تهكم، وتهديد وتخويف وتقليل معلومات أو قدرات الأم، وتجاهل الأم وتلبية احتياجاتها بالحمل والولادة مثل خطة الولادة أو تسكين ألم الولادة أو اتخاذها الوضعيات التي ترغبها خلال المخاض، وانتهاك الخصوصية والسرية، مثل عدم وجود خصوصية بالغرف «غرف منفصلة أو ستائر أو فواصل بين المريضات أو الحوامل» أو عدم الحرص على تغطية الجسم وقت الفحص أو الولادة، والحرمان من العلاج، والعنف الجسدي والممارسات الاستهلاكية مثل الضرب أو الصفع أو التكميم أو التقييد إلى سرير الولادة ومنع الأم من الحركة، والتعرض للتمييز والعنصرية الدينية أو القبلية، والتدخلات والإجراءات الطبية غير المبررة، والانتظار الطويل للحصول على الرعاية الصحية، والاحتجاز بحجة عدم سداد الفواتير.
ومن هذا المنطلق أطلقت وزارة الصحة السـعودية عام 2018 مبادرة منشأة رعاية الأمومة صديقة الأم والطفل والأسرة، التي تهدف لتعزيز النمـوذج الصحي لرعاية الأمومة الذي يسمح بوجود مرافق مع الأم خلال المخاض والولادة والنفاس، سواء من العائلة أو صديقة، شـــرط ألا يكون تجهيز غرفة الولادة أو التنويم مانعاً مـــن ذلك، وألا يمثل وجود المرافق تعديًا على خصوصية الأمهات الأخريات.
وتؤكد الوزارة أهمية التقصي عن العنف أثناء رعاية ما قبل الولادة، لأن فترة الحمل حساسة وحاسمة لصحة الأم وجنينها في المستقبل، وقالت «نشجع النساء على طلب المساعدة إذا تعرضن لأي نوع من العنف».
تصرفات الكادر الصحي
من جانبها، تشير الدكتورة الغامدي إلى أن الكادر الصحي قد يقدم على تصرفات تندرج تحت التعنيف، وتقول «من خلال نتائج أحد أبحاث رسالتي في الدكتوراه، فإن 1 من كل 5 نساء أبلغن عن تعرضهن لنوع من التعنيف الجسدي أثناء الولادة 21.8%، و1 من كل 3 نساء تعرضن للتعنيف اللفظي بنسبة 38%.
و54% من النساء لم تؤخذ موافقتهن لإجراء التدخلات الطبية مثل قص العجان، فحص المهبل والطلق الصناعي، و63% من النساء أبلغن عن وجود أشخاص في غرف الولادة دون موافقتهن و58% من النساء لم يستطعن اختيار الوضعية التي تريحهن أثناء الولادة، و64% من النساء طُلب منهن التحكم بأجسادهن أثناء ألم المخاض وقوة الدفع أثناء الولادة، و74% من النساء لم يجدن الراحة في بيئة الولادة اللاتي وضعن بها.
وتقول «هناك تصرفات تصدر بقصد أو دونه، وهي ممارسات فردية ترتكب ظنًا بأنها تحافظ على حياة الأم والطفل، مثل وضع الأم في السرير متصلة بجهاز متابعة نبض الجنين وطلق المخاض ما لا يقل عن 12 ساعة، ومنعها من الذهاب إلى دورة المياه، ومن ثم يتم تركيب قسطرة بولية حتى لا تتحرك من السرير، وبعض المستشفيات توجه الأم بالتبول تحتها وهو غير مريح، كما أن في ذلك التحكم العالي بقدرة المرأة واستقلاليتها أثناء المخاض، وهو أمر حساس جدًا للمرأة، حيث عبرت بعض المشاركات في أحد أبحاث دراسة الدكتوراه عن تجربة ولادتهن بكلمة «تعزير» والأخرى بكلمة «يبونك صنم».
ومن الممارسات المسيئة للتعامل مع الأمهات الصراخ عليهن للدفع وتخويفهن بعدم كفاية دفعهن أثناء الولادة، وقد يتم تهديدهن بتحمل أي مسؤولية لأي مضاعفات قد تحدث للطفل بعد الولادة.
كذلك دخول العديد من الممارسين الصحيين والمتدربين دون إذن مسبق أثناء دفع المرأة للطفل، وتوقيع المرأة على الموافقة الخطية المجملة على أي تدخل طبي أثناء تسجيل دخولها في المنشأة الصحية.
تصور محترم
تؤكد الدكتورة الغامدي أن تصور النساء عمومًا حول رعاية الأمومة المحترمة في السعودية كان إيجابيًا، مع تباين بين القطاعين الحكومي والخاص، ففي الحكومي أبلغن عن مستويات احترام أقل بكثير مقارنة بالخاص الذي يركز ربما أكثر على المستهلك.
أما الدكتورة الطويلي، فأوضحت أن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف ومنظمات دولية أجرت دراسة مشتركة عام 2019 عن العنف في الولادة، وخلصت إلى أن نحو 42% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة قلن إنهن تعرضن للإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة في المراكز الصحية، مع تعرض بعض النساء إلى اللكم والصفع والصراخ أو الاستهزاء أو الضغط عليهن بالقوة، وتتعدد أشكال عنف الولادة الطبيعية الممارس في كل أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان المتقدمة، وذلك من استخدام القوة، مثل الضغط على البطن، وإخفاء المعلومات عن المرأة، وعدم الحصول على أي مسكن للألم، واللمس المفرط أو غير المناسب أثناء الولادة أو عند التخدير.
وكانت النساء الأصغر سنًا، والأقل تعليمًا هن الأكثر عرضة للخطر، مما يشير إلى عدم المساواة في كيفية معاملة المرأة أثناء الولادة.
وشددت الدكتورة الطويلي على أنه لا يوجد نص يمنع دخول المرافق للحامل خلال الولادة، سواء زوجها أو والدتها أو من تختاره.
وكانت وزارة الصحة السعودية نشرت في 2021 سياسة المرافق في أقسام النساء والولادة، وهو يعد مرجعًا مبسطًا لكل أم حامل.
مرافقة الزوج
علّقت الدكتورة الغامدي على مرافقة الزوج أثناء الولادة بأنه أحد حقوق المرأة الصحية، وله أثر قوي في دعم الولادة الغريزية الطبيعية، لأن جسم المرأة مليء بالهرمونات الطبيعية التي تساعد على تحفيز الطلق الطبيعي، ومن أهم هذه الهرمونات هو هرمون الحب أو ما يسمى بهرمون «الأكسيتوسين» المسؤول عن انقباضات الرحم، حيث يساعد في ولادة الطفل، ويرتفع هذا الهرمون بوجود الأم في بيئة حميمية آمنة وهادئة ودافئة مع المرافق.
وأضافت «السبب الآخر لضرورة وجود الزوج أو الأم أو الأخت مع المرأة أثناء المخاض، لأنها تحتاج من يحميها ويساندها، ويكون صوتها، ولن تُكره على اتخاذ قرارات لا تريدها أو تحتاجها، ويعطيها المساحة الآمنة للتركيز على تنفسها وقوتها لخوض مراحل المخاض».
وبينت أن هناك حملات توعوية للمرأة بشأن قص العجان «قولي_لا_لقص_العجان_الروتيني»، وقد أعرب عن ذلك الوعي الكبير خلال سبع السنوات الماضية، ولكن مازالت بعض الممارسات في المنشآت الصحية بأخذ موافقة المرأة خطيًا مع أوراق الدخول في حال إجراء أي تدخل طبي بشكل روتيني، وهو إجراء قانوني شكلي لتُخلي المنشأة الصحية مسؤوليتها من المحاسبة قانونيًا بأخذ موافقة المرأة قبل ذلك وهو فيه شيء من التلاعب على المرأة بشكل ما، ومن المفترض أخذ الموافقة فقط عندما تحتاج له المرأة في وقت معين أثناء الولادة».
قلة وعي النساء
تكشف الدكتورة الغامدي أن من أسباب قلة وعي السيدة الحامل بحقوقها وقت الولادة هو عدم وجود بيئة محفزة وداعمة لصوت المرأة واحتياجاتها، وكذلك قلة وجود القابلات المتخصصات في الولادات منخفضة الخطورة ومتابعتها في عيادتها.
والقابلة مخولة بأن تُحيل الحالة ما إن ارتفعت درجة خطورتها إلى طبيب الولادة المتخصص في الولادات عالية الخطورة، ولو طُبق هذا النموذج من رعاية القابلات في النظام الصحي السعودي سنجد تمكين أعلى لصوت المرأة وتصميم المرافق بما يتناسب مع احتياجاتها وتفضيلاتها.
كما أن الخوف سبب آخر، فبمجرد وصول المرأة إلى غرفة الولادة تُجرد من كل دعم عائلي لها وفي بعض المنشآت الصحية تُمنع من إدخال جوالها معها.
وشددت على أن الحامل أو المرأة أثناء المخاض يصنفون عالميًا تحت الفئات المستضعفة التي تحتاج الدعم والرعاية، لذلك يجب أخذ ذلك بعين الاعتبار حالتها النفسية والجسدية وطبيعتها الغريزية لحماية طفلها من أي خطر.
أما الدكتورة الطويلي فتعيد قلة وعي النساء الحوامل بحقوقهن لنقص التثقيف، وللثقافة والتقاليد، والخوف وعدم الثقة، وعدم الوعي بالقوانين واللوائح.
عقوبات تطال الممارس
تكشف الدكتورة الغامدي أن ممارسات التعنيف أثناء الولادة في غالب الأحيان لا يستطيع أحد إثباتها إلا بوجود تسجيل صوتي أو مرئي أو شهود عيان، مبينة أنه ليس هناك عقوبات واضحة من وزارة الصحة تطال الممارس الصحي بالعقاب في حال ثبوت أي من ممارسات سوء المعاملة أثناء رعاية الأمومة.
وبينت أن الوزارة خصصت الرقم 937 كخط مباشر تستطيع المرأة التحدث عبره عن تجربتها، وقالت: من تجارب النساء المشاركات في رسالتي للدكتوراه، فإن المرأة تختار السكوت على أن تشتكي، لأنها تخاف على وليدها أو أن يتم عقابها لاحقًا في حال احتاجت الذهاب للمنشأة الصحية مرة أخرى لتلقي الرعاية أو تتسبب في أخطار على نفسها أو جنينها.
وقالت «أي ممارس صحي يقوم بأي من ممارسات التعنيف على المرأة أثناء رعاية الأمومة سيكون محاسبًا ومسؤولا عن أفعاله وأقواله وسلوكياته أيًا كان عمله، وهي ممارسات لا تمثل أي من المهن الصحية أو أخلاقياتها المهنية أو فلسفتها العلمية، وإنما هي ممارسات فردية».
أما الدكتورة الطويلي فتقول «ينص نظام مزاولة المهن الصحية بالسعودية على أنه على الممارس الصحي احترام حقوق المرضى وذويهم وفقًا للمبادئ الشرعية والمعايير الطبية المعتمدة، وجميع ما يرد من تعليمات من الوزارة والجهات المختصة حيال ذلك، ويكون الممارس الصحي محلا للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجًا على مقتضيات مهنته أو آدابها».
الولادة المنزلية
تتحدث الدكتورة الطويلي عن أن السعوديات يملن إلى الولادة في المنزل، وتقول: في دراسة حديثة أجريتها مع الدكتورة هيا زيدان والدكتورة إنصاف شعبان عن وجهات نظر المجتمع حول الولادة في المنزل أجريت عام 2023 في السعودية أعربت 53.4% من المشاركات عن اهتمامهن بالولادة المنزلية، وكسبب لهذا الاهتمام أعربت 14.3% منهن عن أملهن في تجنب التدخلات الطبية غير الضرورية في المستشفى، وكان هذا الاهتمام مرتبطًا برغبة النساء في الحصول على تجربة ولادة أكثر إيجابية وتجنب التدخلات الطبية غير الضرورية.
تشير النتائج إلى الحاجة الواضحة إلى سياسة مطورة بالكامل للولادة في المنزل، ومتكاملة تمامًا مع خدمات رعاية الأمومة الموجودة في السعودية، وزيادة الوعي بسلامة وملاءمة الولادة في المنزل للنساء ذوات المخاطر المنخفضة.