حسونة المصباحي
قبل أن يُصدر كتابه الأساسي: «فينومينولوجيا الروح» سنة 1807، كان هيغل قد عاش أحداثًا مهمة على المستوى الشخصي، وكان شاهدًا على أحداثٍ مُهمّة أيضًا على المستوى العام، ففي سنة 1799 توفي والده ليحصل على ميراثٍ مُتواضع ساعده على تهيئة نفسه لوظائف جامعية، وفي سنة 1801، عُيِّن أستاذًا مُساعدًا في جامعة «يينّا» الألمانية.
وبعد ذلك بسنة واحدة، أسس مع شيلينغ «الجريدة النقدية للفلسفة»، وعند تعيينه أستاذًا ممتازًا للفلسفة سنة 1805، اندلعت حرب «الأباطرة الثلاثة»، وفي معركة «أوسترليتز» الشهيرة حقَّق الجيش الفرنسي الكبير بقيادة نابليون بونابرت انتصارًا ساحقًا على الجيشَيْن النمساوي والروسي، وفي تلك السنة نفسها توفي فردريك شيلر، الذي كانت تربطه بـ«هيغل» علاقة صداقة تعود إلى أيام الدراسة الجامعية، تمامًا مثلما كان الحال بالنسبة إلى الشاعر هولدرلين.
وفي سنة 1806، أعلنت بروسيا الحرب على فرنسا، وعند دخول الجيش الفرنسي مدينة «يينّا»، شاهدَ هيغل من نافذة غرفته نابليون على صهوة حصانه، فنطقَ بقولته الشهيرة: «ها إنّي أرى روحَ العالَم على صهوة حصان»، وقد اقتحمَ الجنودُ الفرنسيّون بيتَ هيغل وراحوا يعبثون بالأثاث، ويُحطمون كل ما يقع بين أيديهم، ولمّا لاحَظ هو وسامًا رفيعًا على صدر أحد الضباط، قال له: «الذي على صدره وسام رفيع مثل وسامك، يتوجب عليه أن يحترم عالِمًا ألمانيًا مُسالِمًا». وعلى الرغم من أنهم كفوا عن عَبَثِهم بالبيت، إلّا أنّ الجنود الفرنسيين لم يَخرجوا منه إلا بعدما انتهوا من شربِ كل الخمور الموجودة فيه، بعد ذلك غادرَ هيغل المدينة المحتلَّة ومعه نسخة من «فينومينولوجيا الروح» «ظاهريات العقل»، الذي سيكون منذ ذلك الحين مَرجعًا أساسيًا في تاريخ الفلسفة الغربية، إليه سيعود كلُّ الفلاسفة، وكلُّ المُفكرين بقطع النَّظر عن توجُّهاتهم واختلافاتهم.
الأمر الأوّل الذي تتوجّب الإشارة إليه هو أنّه في الفترة التي كان فيها هيغل يُدَرِّسُ في جامعة «يينّا»، عَرفت ألمانيا حَدَثًا آخر تمثَّل في رحلةٍ إلى بلدان أمريكا اللّاتينيّة قامَ بها مواطنٌ مشهور من برلين يُدعى ألكسندر فون هومبولت (1769 - 1859) ليعود من هناك بخارطةٍ مُفصَّلة عن تلك البلدان، وبتصويرٍ دقيق للأزهار والطيور، والناس الذين التقى بهم في مُختلف المناطق التي زارها. كما أنّه أَنجز العديد من الاكتشافات العِلميّة، وأعادَ إحياء كلمة «الكون»، كما في معناها في الفلسفة اليونانيّة القديمة، وكلّ هذا سيكون له تأثير على هيغل قبل أن يشرع في كتابة مؤلَّفه المذكور.
ومن المؤكَّد أيضًا أنّ هيغل استعانَ بالمؤلَّفات الفلسفيّة التي صَدرت في عصره، أو قَبله، ومنها على سبيل المثال مجلَّدان مُخصَّصان لتاريخ الفلسفة، صدرَ الجزء الأول منهما في أواخر القرن الثامن عشر، وصَدَرَ الجزء الثاني في بدايات القرن التّاسع عشر.
ويقول الفرنسي جان- بيار لوفافر، الذي نقل «فينومينولوجيا الروح» إلى لغة موليير: إن الفكرة التي كانت مُهيمنة على العقد الأخير من القرن الثامن عشر، لم تكُن تتعلق بوحدة تطوُّر الكائن الفرد والسلالة اللّذَيْن لم يكونا قد وُجدا بعد، وإنّما بتاريخ تطوُّر الفرد منذ أن كان جنينًا في بطن أمّه وحتى وفاته، وبتاريخ البشريّة، وتحديدًا في مراحله الكبيرة الفلسفيّة والدّينيّة من منظورٍ متفائل، انطلاقًا من فلسفة الأنوار، أي إنّ الفكر يمضي في اتجاه النور، وفي اتجاه الوعي، وفي اتجاه الوضوح، وفي اتجاه الحريّة، وكلّ هذا كان حاضرًا لدى فلاسفة نهايات القرن الثامن عشر، أي كانط وليسينغ وهردر وكوندورسي، من هذا الجانب لم يكُن هيغل مختلفًا عن الفلاسفة المُتقدّم ذكرهم، لكن ما سوف يتميّز به هو فينومينولوجيا العقل، أي تتبُّع العقل خطوة خطوة، وهو يتدرّجُ في مُغامرته الفكريّة انطلاقًا من اليقين المحسوس وحتى المعرفة المُطلقة، وذلك باستعمال ديناميكية تاريخ الفلسفة. الشبان الهيغليون
بعد وفاة هيغل سنة 1830، أصبحت فلسفتُهُ الفلسفةَ الرسميّة لبروسيا، وقد ظنّ الكثيرون من المُهتمّين بشؤون الفلسفة أنّه ليس بالإمكان مستقبلاً «تجاوزها» و«انتقادها»، والإتيان بما يُعارضها ويُخالفها، إلّا أن أفكار هيغل سرعان ما خرجت من الدوائر الرسميّة والأكاديميّة لتُصبح في قلب كلّ المعارك، وفي سائر المُناقشات الفكريّة والفلسفيّة والأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وحتّى الاقتصاديّة. وأهمّ مَن مَثَّلها في العقدَيْن الأخيرَيْن من النصف الأوّل من القرن التّاسع عشر هُم أولئك الذين أصبحوا يُسمّون بـ«الشبّان الهيغليّين»، وهُم في أغلبهم يُجسّدون «الحركة الثوريّة» التي تَستند إلى صاحب «فينومينولوجيا الروح» الذي كان يرى أنَّ من بين الصّفات التي تتميَّز بها فترة الشباب هي التعلُّق بما هو غريب، والتّوق إلى المستقبل والشغف به، ورفْض العالَم كما هو، والرغبة الجامحة في تغييره، أمّا القدامى فهُم غالبًا ما يتميّزون بالهدوء وبالرصانة والاتّزان، ويكونون سعداء بما هُم فيه، فتراهم يُظهرون الريبة والحذَر والخوف من كلّ ما يمكن أن يُفسِد استقرارهم، وقد وَجَدَ «الشبّان الهيغليّون»، أو «الهيغليّون اليساريّون» في فلسفة هيغل، ما حرّضهم على نقْد الدّين والسياسة بطريقةٍ راديكاليّة لم يسبق لها مثيل، وهذا ما فعله دافيد شترواس في كتابه: «حياة المسيح» الصادر سنة 1835، الذي انتقد فيه الأناجيل، مُعتبرًا إيّاها «سرديّة لا واعية للمجموعات المسيحيّة الأولى»، ونَزَعَ الألوهيّة عن المسيح ليغدوَ «كائنًا تاريخيًّا وأرضيًّا».
مفهوم راديكالي لفلسفة هيغل
وبعد صدور الكتاب المذكور بثلاث سنوات، صدر كتابٌ آخر سوف يُعتبر في ما بَعد من أهمّ الكُتب الفلسفيّة في القرن التّاسع عشر. وهو بعنوان: «مقدّمات نظريّة لفلسفة التاريخ» للبولوني أوغست شسكوفسكي (1814 - 1894) الذي كان فيلسوفاً ورجلَ اقتصادٍ مرموقاً وعالِمَ اجتماعٍ ومُناضلاً سياسيّاً. وقد طبَّق شسكوفسكي جدليّة هيغل على تاريخ الفلسفة كاشفاً من خلال ذلك عن المستقبل. وهو يرى أنّ التاريخ يُشكّلُ وحدةً عضويّة يكون المستقبل جزءاً منها تماماً مثلما هو الحال بالنسبة إلى الماضي والحاضر؛ ثمَّ يمضي كشسكوفكي قُدماً ليؤكِّد أنّه إذا ما كانت المرحلتان الأولتان للإنسانيّة تتميّزان بالكينونة والفكر، فإنّ الحصيلة تكون الفعل (البراكسيس). وبذلك مَنَحَ شسكوفسكي مفهوماً ثوريّاً راديكاليّاً لفلسفة هيغل لتكون بالنسبة إليه «فلسفة الفعل - البراكسيس» بامتياز.
وكان اليهودي الألماني موسز هسّ (1812 - 1875) من أكبر المتأثّرين بأوغست شسكوفسكي، وهذا ما بَرز بالخصوص في مؤلّفه «روما وأورشليم»، الذي سيُصبح منذ ذلك الحين السّند النظري الأساسي لـ«حركة الصهيونيّة العُمّاليّة»، والتي اعتماداً عليها أُنشئت «الكيبوتزات» لدى نشوء دولة إسرائيل. وكان لودفيك فويرباخ (1804 - 1872) من أتباع هيغل هو أيضًا، وتحديدًا في بداياته، واعتمادًا على الجانب المادّي في الفلسفة الهيغليّة، أَصدر فويرباخ سنة 1844 كتابه «جوهر المسيحيّة»، الذي شدّدَ فيه على أنّ الله من خلق الإنسان، وأنّ الإنسان يخلق الله على صورته، وعلى الرّغم من أنّه لم يدّعِ الإلحاد، إلّا أنّه كان يَعتبر إدانة الإلحاد أمرًا مرفوضًا لأنّ الأخلاق تنبع من العقل الإنساني، ولأنّ الألوهيّة موجودة في جوهر الإنسان، كما أنّه كان يَعتبر الإيمان باللّه علامةً من علامات اغتراب الإنسان عن ذاته، نازِعًا عنه خصائصه الأساسيّة المُتمثّلة في الحريّة تحديدًا، وفي الوعي، وفي الإبداع. لذلك فإنّ المَهمّة الأساسيّة لنقد الإيمان باللّه هي أن يُعاد للإنسان كيانه المفقود. هجوم على أتباع هيغل
وكان ماكس شتيرنر (1808 - 1856) أكثر راديكاليّة في قراءته لفلسفة هيغل من دافيد شتراوس، وأوغست كشسكوفسكي ولودفيك فويرباخ، وفي كتابه: «الأنا العليا وذاتها» الصادر سنة 1845، شنّ هجومًا عنيفًا على أتباع هيغل، بمَن في ذلك الشبّان منهم، الذين ظلّوا بحسب رأيه سجناء ما سمّاه «الحلقة السحريّة» للمسيحيّة، وداخل هذه الحلقة هُم يُنظّرون خاضغين «للكائن الأعلى»، ولـ«شبح» قد يكون إلهًا، أو دولةً، أو مجتمعًا، أو الإنسان نفسه.
وفي سنوات شبابه، انتسب كارل ماركس (1818 - 1883) إلى «الشبّان الهيغليّين»، وتحمَّس لأفكارهم الراديكاليّة، وخصوصًا في مجال السياسة والدّين، إلّا أنّه انشقَّ عنهم، وعن فلسفة هيغل برمّتها، ليؤسِّسَ منهجًا فلسفيًّا خاصًّا به، وعلى الرّغم من أنّه كان يعتقد مثل هيغل أنّ العالَم يتطوّر طبقاً لصيغةٍ جدليّة، إلّا أنّه يختلف عنه بشأن القوّة المحرِّكة لهذا التطوُّر. وهذه القوّة ليست «العقل» كما لدى هيغل، بل المادّة المرتبطة بالإنسان، وبالصراع بين الطبقات، وبالبنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
وانطلاقًا من ذلك، أَطلق مفاهيم فلسفيّة جديدة مثل «الجدليّة التاريخيّة»، و«الصراع الطبقي»، و«البنى الفوقيّة والتحتيّة». وبذلك تكون التيّارات والمذاهب السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفلسفيّة والفنيّة والأدبيّة خاضعة لنظريّة «التطوُّر المادّي للتاريخ»، أي ثمرة نمط الإنتاج في كلّ حقبة من حقب التاريخ البشري.
وفي كتابه: «الإيديولوجيا الألمانيّة» الذي ألَّفه مع صديقه، فريدريك إنجلز، انتقدَ ماركس الجدليّة المثاليّة لدى هيغل، مُستبدِلاً إيّاها بالماديّة التاريخيّة، مُعتبرًا أنّ المادّة هي الأصل، وأنّ الفكرة تابعة لها؛ لذلك لا يُمكننا أن نفهم حركة التاريخ إلّا من خلال الجدليّة الماديّة التي بموجبها يُحدّدُ الواقعُ الاجتماعي الوعيَ الاجتماعي، أمّا هيغل فقد كان يرى أن التاريخ لا يُمكن أن يكون تتويجًا للعقل، وبتحقيق تدريجي للأفكار الكونيّة؛ لذلك اعتبر أنّ الثورة الفرنسيّة هي تجسيد في الواقع لفلسفة الأنوار التي بشَّر بها كلٌّ من فولتير، وروسو، وديدرو.
يُمكن القول إنّ جلّ كبار فلاسفة القرن العشرين، ومن مُختلف المذاهب والتيّارات، تأثَّروا بفلسفة هيغل، وكان ألكسندر كوجيف (1902 - 1968) من أكثر المتأثّرين به، وفكرته الأساسيّة المتمثّلة في مقولة «نهاية التاريخ»، والمعجبون به، والذين كانوا يحضرون محاضراته عن هيغل، يقولون إنّه كان من أعظم فلاسفة القرن العشرين، ومن أكثرهم عمقاً ومعرفةً بالتّراث الفلسفي منذ الإغريق، وكان ألكسندر كوجيف يحذق لغات عدّة، ويتكلّم بها بطلاقة. لذلك اختارته الدّولُ الأوروبيّة لكي يكون موظّفًا ساميًا في منظّماتها الكبيرة. بعد سقوط جدار برلين
بعد سقوط جدار برلين في خريف عام 1989، وانهيار الأنظمة الشيوعيّة في بلدان أوروبا الوسطى، التي كانت تدور في فَلَكِ ما كان يُسمّى بالاتّحاد السوفياتي، عاد فرانسيس فوكوياما، الأمريكي من أصول يابانيّة، إلى هيغل، وتحديدًا إلى نظريّته حول نهاية التاريخ، ليقوم بقراءةٍ للأحداث المذكورة، طَرَحَ ذلك في مقالٍ حوَّله في ما بعد إلى كتابٍ أحرز شهرةً عالميّة واسعة، ومُلخّص الفكرة الأساسيّة لهذا الكتاب هو أنّه بعد انهيار الشيوعيّة، لن تتمكّن أيّة إيديولوجيا أخرى من البروز لمُناهضة الديمقراطيّة الغربيّة.
وصحيح أنّ هناك حروبًا سوف تندلع بسبب تنامي الأصوليّات الدّينيّة المتطرّفة، وبروز النّزعات القوميّة الشوفينيّة، إلّا أنّها لن تكون مُؤثّرة في مَسار التاريخ لافتقارها إلى الأفكار المهمّة والعظيمة مثلما هو الحال بالنسبة إلى الشيوعيّة. وفي البداية، يطرحُ فوكوياما السؤالَ التالي: ما هو الرّهان بالنسبة إلى شعوب العالَم برمّته، من إسبانيا إلى الأرجنتين، مرورًا ببولونيا والمَجر عندما تقوم بالإطاحة بالديكتاتوريّة لتُقيمَ نظامًا ديمقراطيًا ليبيراليًا؟ ومُجيبًا بنفسه عن هذا السؤال، يكتب فوكوياما قائلاً: «في مستوى مُعيّن يكون الجواب سلبيًا قائمًا على أخطاء ومظالم النظام المنهار، إذ إنّ الناس يريدون التخلُّص من العسكريّين المكروهين، أو من زعماء الأحزاب الذين كانوا يضْطهدونهم، أو العيش متحرّرين من الخوف من توقيفٍ تعسُّفي، والذين يعيشون في أوروبا الشرقيّة أو في الاتّحاد السوفياتي يظنّون أنّهم سيحصلون على الترف الرأسمالي، أو هُم يأملون في ذلك بما أنّ الرأسماليّة والديمقراطيّة ترتبطان معًا في أذهان الكثيرين، لكن من المُحتمَل أيضًا الحصول على الترف من دون حريّة مثلما هو الحال بالنسبة إلى إسبانيا وكوريا الجنوبيّة وتايوان التي حكمتها أنظمةٌ تسلّطيّة.
مع ذلك لم يكُن الترف كافيًا، وكلّ محاولة لتوصيف الاندفاع البشري الذي كان سببًا في اندلاع الثورات اللّيبراليّة في أواخر القرن العشرين، وأيضًا كلّ الثورات من هذا النمط منذ الثورة الأمريكية والفرنسية في القرن الثامن عشر، كما لو أنّه اقتصادي فقط، كانت مبتورة بشكلٍ جذري». ويواصل فوكوياما كلامه قائلاً: «إنّ فشل التفسير الاقتصادي للتاريخ يعود بنا إلى هيغل، وليس إلى ماركس، لأنّ هيغل يُحلِّل السيرورة التاريخيّة بطريقةٍ ليست اقتصاديّة مُطلقًا بالنسبة إلى هيغل، تأسَّس التاريخ على الصراع من أجل الاعتراف»، ولكي نكتشف معنى هذه العبارة، يتوجّب علينا أن نعود إلى التفسير الذي يقدّمه عن بداية التاريخ، وهو تفسير يُمكن مُقارنته بتفاسير «الحالة الطبيعيّة» لدى أوائل المُنظِّرين المُعاصرين للّيبراليّة، والذين كانوا سابقين له، أي هوبز ولوك وروسّو.
وكان هيغل يرفض بلْورةَ نظريّةٍ عن «الحالة الطبيعيّة»، ومن المؤكَّد أنّه كان سيرفض مفهومَ طبيعة بشريّة ساكنة وجامدة ومتواصِلة، وبالنسبة إليه، الإنسان حرٌّ، وليس مُحدَّدًا، وإذن هو قادر على أن يبتكر طبيعته الخاصّة به خلال مَسار التاريخ.
مع ذلك نحن نجد لدى الفيلسوف الألماني نظريّةً تعود إلى «الحالة الطبيعيّة»، وفي «فينومينولوجيا الروح» هو يَصِف «الإنسان الأوّل» البدائي، الذي يعيش في بداية التاريخ كنموذجٍ للكائن البشري الذي يَمتلك كلّ الخصائص الأساسيّة للإنسانيّة السابقة للمُجتمع المدني ولتطوُّر التاريخ.
*كاتب من تونس
*ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية
وبعد ذلك بسنة واحدة، أسس مع شيلينغ «الجريدة النقدية للفلسفة»، وعند تعيينه أستاذًا ممتازًا للفلسفة سنة 1805، اندلعت حرب «الأباطرة الثلاثة»، وفي معركة «أوسترليتز» الشهيرة حقَّق الجيش الفرنسي الكبير بقيادة نابليون بونابرت انتصارًا ساحقًا على الجيشَيْن النمساوي والروسي، وفي تلك السنة نفسها توفي فردريك شيلر، الذي كانت تربطه بـ«هيغل» علاقة صداقة تعود إلى أيام الدراسة الجامعية، تمامًا مثلما كان الحال بالنسبة إلى الشاعر هولدرلين.
وفي سنة 1806، أعلنت بروسيا الحرب على فرنسا، وعند دخول الجيش الفرنسي مدينة «يينّا»، شاهدَ هيغل من نافذة غرفته نابليون على صهوة حصانه، فنطقَ بقولته الشهيرة: «ها إنّي أرى روحَ العالَم على صهوة حصان»، وقد اقتحمَ الجنودُ الفرنسيّون بيتَ هيغل وراحوا يعبثون بالأثاث، ويُحطمون كل ما يقع بين أيديهم، ولمّا لاحَظ هو وسامًا رفيعًا على صدر أحد الضباط، قال له: «الذي على صدره وسام رفيع مثل وسامك، يتوجب عليه أن يحترم عالِمًا ألمانيًا مُسالِمًا». وعلى الرغم من أنهم كفوا عن عَبَثِهم بالبيت، إلّا أنّ الجنود الفرنسيين لم يَخرجوا منه إلا بعدما انتهوا من شربِ كل الخمور الموجودة فيه، بعد ذلك غادرَ هيغل المدينة المحتلَّة ومعه نسخة من «فينومينولوجيا الروح» «ظاهريات العقل»، الذي سيكون منذ ذلك الحين مَرجعًا أساسيًا في تاريخ الفلسفة الغربية، إليه سيعود كلُّ الفلاسفة، وكلُّ المُفكرين بقطع النَّظر عن توجُّهاتهم واختلافاتهم.
الأمر الأوّل الذي تتوجّب الإشارة إليه هو أنّه في الفترة التي كان فيها هيغل يُدَرِّسُ في جامعة «يينّا»، عَرفت ألمانيا حَدَثًا آخر تمثَّل في رحلةٍ إلى بلدان أمريكا اللّاتينيّة قامَ بها مواطنٌ مشهور من برلين يُدعى ألكسندر فون هومبولت (1769 - 1859) ليعود من هناك بخارطةٍ مُفصَّلة عن تلك البلدان، وبتصويرٍ دقيق للأزهار والطيور، والناس الذين التقى بهم في مُختلف المناطق التي زارها. كما أنّه أَنجز العديد من الاكتشافات العِلميّة، وأعادَ إحياء كلمة «الكون»، كما في معناها في الفلسفة اليونانيّة القديمة، وكلّ هذا سيكون له تأثير على هيغل قبل أن يشرع في كتابة مؤلَّفه المذكور.
ومن المؤكَّد أيضًا أنّ هيغل استعانَ بالمؤلَّفات الفلسفيّة التي صَدرت في عصره، أو قَبله، ومنها على سبيل المثال مجلَّدان مُخصَّصان لتاريخ الفلسفة، صدرَ الجزء الأول منهما في أواخر القرن الثامن عشر، وصَدَرَ الجزء الثاني في بدايات القرن التّاسع عشر.
ويقول الفرنسي جان- بيار لوفافر، الذي نقل «فينومينولوجيا الروح» إلى لغة موليير: إن الفكرة التي كانت مُهيمنة على العقد الأخير من القرن الثامن عشر، لم تكُن تتعلق بوحدة تطوُّر الكائن الفرد والسلالة اللّذَيْن لم يكونا قد وُجدا بعد، وإنّما بتاريخ تطوُّر الفرد منذ أن كان جنينًا في بطن أمّه وحتى وفاته، وبتاريخ البشريّة، وتحديدًا في مراحله الكبيرة الفلسفيّة والدّينيّة من منظورٍ متفائل، انطلاقًا من فلسفة الأنوار، أي إنّ الفكر يمضي في اتجاه النور، وفي اتجاه الوعي، وفي اتجاه الوضوح، وفي اتجاه الحريّة، وكلّ هذا كان حاضرًا لدى فلاسفة نهايات القرن الثامن عشر، أي كانط وليسينغ وهردر وكوندورسي، من هذا الجانب لم يكُن هيغل مختلفًا عن الفلاسفة المُتقدّم ذكرهم، لكن ما سوف يتميّز به هو فينومينولوجيا العقل، أي تتبُّع العقل خطوة خطوة، وهو يتدرّجُ في مُغامرته الفكريّة انطلاقًا من اليقين المحسوس وحتى المعرفة المُطلقة، وذلك باستعمال ديناميكية تاريخ الفلسفة. الشبان الهيغليون
بعد وفاة هيغل سنة 1830، أصبحت فلسفتُهُ الفلسفةَ الرسميّة لبروسيا، وقد ظنّ الكثيرون من المُهتمّين بشؤون الفلسفة أنّه ليس بالإمكان مستقبلاً «تجاوزها» و«انتقادها»، والإتيان بما يُعارضها ويُخالفها، إلّا أن أفكار هيغل سرعان ما خرجت من الدوائر الرسميّة والأكاديميّة لتُصبح في قلب كلّ المعارك، وفي سائر المُناقشات الفكريّة والفلسفيّة والأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وحتّى الاقتصاديّة. وأهمّ مَن مَثَّلها في العقدَيْن الأخيرَيْن من النصف الأوّل من القرن التّاسع عشر هُم أولئك الذين أصبحوا يُسمّون بـ«الشبّان الهيغليّين»، وهُم في أغلبهم يُجسّدون «الحركة الثوريّة» التي تَستند إلى صاحب «فينومينولوجيا الروح» الذي كان يرى أنَّ من بين الصّفات التي تتميَّز بها فترة الشباب هي التعلُّق بما هو غريب، والتّوق إلى المستقبل والشغف به، ورفْض العالَم كما هو، والرغبة الجامحة في تغييره، أمّا القدامى فهُم غالبًا ما يتميّزون بالهدوء وبالرصانة والاتّزان، ويكونون سعداء بما هُم فيه، فتراهم يُظهرون الريبة والحذَر والخوف من كلّ ما يمكن أن يُفسِد استقرارهم، وقد وَجَدَ «الشبّان الهيغليّون»، أو «الهيغليّون اليساريّون» في فلسفة هيغل، ما حرّضهم على نقْد الدّين والسياسة بطريقةٍ راديكاليّة لم يسبق لها مثيل، وهذا ما فعله دافيد شترواس في كتابه: «حياة المسيح» الصادر سنة 1835، الذي انتقد فيه الأناجيل، مُعتبرًا إيّاها «سرديّة لا واعية للمجموعات المسيحيّة الأولى»، ونَزَعَ الألوهيّة عن المسيح ليغدوَ «كائنًا تاريخيًّا وأرضيًّا».
مفهوم راديكالي لفلسفة هيغل
وبعد صدور الكتاب المذكور بثلاث سنوات، صدر كتابٌ آخر سوف يُعتبر في ما بَعد من أهمّ الكُتب الفلسفيّة في القرن التّاسع عشر. وهو بعنوان: «مقدّمات نظريّة لفلسفة التاريخ» للبولوني أوغست شسكوفسكي (1814 - 1894) الذي كان فيلسوفاً ورجلَ اقتصادٍ مرموقاً وعالِمَ اجتماعٍ ومُناضلاً سياسيّاً. وقد طبَّق شسكوفسكي جدليّة هيغل على تاريخ الفلسفة كاشفاً من خلال ذلك عن المستقبل. وهو يرى أنّ التاريخ يُشكّلُ وحدةً عضويّة يكون المستقبل جزءاً منها تماماً مثلما هو الحال بالنسبة إلى الماضي والحاضر؛ ثمَّ يمضي كشسكوفكي قُدماً ليؤكِّد أنّه إذا ما كانت المرحلتان الأولتان للإنسانيّة تتميّزان بالكينونة والفكر، فإنّ الحصيلة تكون الفعل (البراكسيس). وبذلك مَنَحَ شسكوفسكي مفهوماً ثوريّاً راديكاليّاً لفلسفة هيغل لتكون بالنسبة إليه «فلسفة الفعل - البراكسيس» بامتياز.
وكان اليهودي الألماني موسز هسّ (1812 - 1875) من أكبر المتأثّرين بأوغست شسكوفسكي، وهذا ما بَرز بالخصوص في مؤلّفه «روما وأورشليم»، الذي سيُصبح منذ ذلك الحين السّند النظري الأساسي لـ«حركة الصهيونيّة العُمّاليّة»، والتي اعتماداً عليها أُنشئت «الكيبوتزات» لدى نشوء دولة إسرائيل. وكان لودفيك فويرباخ (1804 - 1872) من أتباع هيغل هو أيضًا، وتحديدًا في بداياته، واعتمادًا على الجانب المادّي في الفلسفة الهيغليّة، أَصدر فويرباخ سنة 1844 كتابه «جوهر المسيحيّة»، الذي شدّدَ فيه على أنّ الله من خلق الإنسان، وأنّ الإنسان يخلق الله على صورته، وعلى الرّغم من أنّه لم يدّعِ الإلحاد، إلّا أنّه كان يَعتبر إدانة الإلحاد أمرًا مرفوضًا لأنّ الأخلاق تنبع من العقل الإنساني، ولأنّ الألوهيّة موجودة في جوهر الإنسان، كما أنّه كان يَعتبر الإيمان باللّه علامةً من علامات اغتراب الإنسان عن ذاته، نازِعًا عنه خصائصه الأساسيّة المُتمثّلة في الحريّة تحديدًا، وفي الوعي، وفي الإبداع. لذلك فإنّ المَهمّة الأساسيّة لنقد الإيمان باللّه هي أن يُعاد للإنسان كيانه المفقود. هجوم على أتباع هيغل
وكان ماكس شتيرنر (1808 - 1856) أكثر راديكاليّة في قراءته لفلسفة هيغل من دافيد شتراوس، وأوغست كشسكوفسكي ولودفيك فويرباخ، وفي كتابه: «الأنا العليا وذاتها» الصادر سنة 1845، شنّ هجومًا عنيفًا على أتباع هيغل، بمَن في ذلك الشبّان منهم، الذين ظلّوا بحسب رأيه سجناء ما سمّاه «الحلقة السحريّة» للمسيحيّة، وداخل هذه الحلقة هُم يُنظّرون خاضغين «للكائن الأعلى»، ولـ«شبح» قد يكون إلهًا، أو دولةً، أو مجتمعًا، أو الإنسان نفسه.
وفي سنوات شبابه، انتسب كارل ماركس (1818 - 1883) إلى «الشبّان الهيغليّين»، وتحمَّس لأفكارهم الراديكاليّة، وخصوصًا في مجال السياسة والدّين، إلّا أنّه انشقَّ عنهم، وعن فلسفة هيغل برمّتها، ليؤسِّسَ منهجًا فلسفيًّا خاصًّا به، وعلى الرّغم من أنّه كان يعتقد مثل هيغل أنّ العالَم يتطوّر طبقاً لصيغةٍ جدليّة، إلّا أنّه يختلف عنه بشأن القوّة المحرِّكة لهذا التطوُّر. وهذه القوّة ليست «العقل» كما لدى هيغل، بل المادّة المرتبطة بالإنسان، وبالصراع بين الطبقات، وبالبنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة.
وانطلاقًا من ذلك، أَطلق مفاهيم فلسفيّة جديدة مثل «الجدليّة التاريخيّة»، و«الصراع الطبقي»، و«البنى الفوقيّة والتحتيّة». وبذلك تكون التيّارات والمذاهب السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والفلسفيّة والفنيّة والأدبيّة خاضعة لنظريّة «التطوُّر المادّي للتاريخ»، أي ثمرة نمط الإنتاج في كلّ حقبة من حقب التاريخ البشري.
وفي كتابه: «الإيديولوجيا الألمانيّة» الذي ألَّفه مع صديقه، فريدريك إنجلز، انتقدَ ماركس الجدليّة المثاليّة لدى هيغل، مُستبدِلاً إيّاها بالماديّة التاريخيّة، مُعتبرًا أنّ المادّة هي الأصل، وأنّ الفكرة تابعة لها؛ لذلك لا يُمكننا أن نفهم حركة التاريخ إلّا من خلال الجدليّة الماديّة التي بموجبها يُحدّدُ الواقعُ الاجتماعي الوعيَ الاجتماعي، أمّا هيغل فقد كان يرى أن التاريخ لا يُمكن أن يكون تتويجًا للعقل، وبتحقيق تدريجي للأفكار الكونيّة؛ لذلك اعتبر أنّ الثورة الفرنسيّة هي تجسيد في الواقع لفلسفة الأنوار التي بشَّر بها كلٌّ من فولتير، وروسو، وديدرو.
يُمكن القول إنّ جلّ كبار فلاسفة القرن العشرين، ومن مُختلف المذاهب والتيّارات، تأثَّروا بفلسفة هيغل، وكان ألكسندر كوجيف (1902 - 1968) من أكثر المتأثّرين به، وفكرته الأساسيّة المتمثّلة في مقولة «نهاية التاريخ»، والمعجبون به، والذين كانوا يحضرون محاضراته عن هيغل، يقولون إنّه كان من أعظم فلاسفة القرن العشرين، ومن أكثرهم عمقاً ومعرفةً بالتّراث الفلسفي منذ الإغريق، وكان ألكسندر كوجيف يحذق لغات عدّة، ويتكلّم بها بطلاقة. لذلك اختارته الدّولُ الأوروبيّة لكي يكون موظّفًا ساميًا في منظّماتها الكبيرة. بعد سقوط جدار برلين
بعد سقوط جدار برلين في خريف عام 1989، وانهيار الأنظمة الشيوعيّة في بلدان أوروبا الوسطى، التي كانت تدور في فَلَكِ ما كان يُسمّى بالاتّحاد السوفياتي، عاد فرانسيس فوكوياما، الأمريكي من أصول يابانيّة، إلى هيغل، وتحديدًا إلى نظريّته حول نهاية التاريخ، ليقوم بقراءةٍ للأحداث المذكورة، طَرَحَ ذلك في مقالٍ حوَّله في ما بعد إلى كتابٍ أحرز شهرةً عالميّة واسعة، ومُلخّص الفكرة الأساسيّة لهذا الكتاب هو أنّه بعد انهيار الشيوعيّة، لن تتمكّن أيّة إيديولوجيا أخرى من البروز لمُناهضة الديمقراطيّة الغربيّة.
وصحيح أنّ هناك حروبًا سوف تندلع بسبب تنامي الأصوليّات الدّينيّة المتطرّفة، وبروز النّزعات القوميّة الشوفينيّة، إلّا أنّها لن تكون مُؤثّرة في مَسار التاريخ لافتقارها إلى الأفكار المهمّة والعظيمة مثلما هو الحال بالنسبة إلى الشيوعيّة. وفي البداية، يطرحُ فوكوياما السؤالَ التالي: ما هو الرّهان بالنسبة إلى شعوب العالَم برمّته، من إسبانيا إلى الأرجنتين، مرورًا ببولونيا والمَجر عندما تقوم بالإطاحة بالديكتاتوريّة لتُقيمَ نظامًا ديمقراطيًا ليبيراليًا؟ ومُجيبًا بنفسه عن هذا السؤال، يكتب فوكوياما قائلاً: «في مستوى مُعيّن يكون الجواب سلبيًا قائمًا على أخطاء ومظالم النظام المنهار، إذ إنّ الناس يريدون التخلُّص من العسكريّين المكروهين، أو من زعماء الأحزاب الذين كانوا يضْطهدونهم، أو العيش متحرّرين من الخوف من توقيفٍ تعسُّفي، والذين يعيشون في أوروبا الشرقيّة أو في الاتّحاد السوفياتي يظنّون أنّهم سيحصلون على الترف الرأسمالي، أو هُم يأملون في ذلك بما أنّ الرأسماليّة والديمقراطيّة ترتبطان معًا في أذهان الكثيرين، لكن من المُحتمَل أيضًا الحصول على الترف من دون حريّة مثلما هو الحال بالنسبة إلى إسبانيا وكوريا الجنوبيّة وتايوان التي حكمتها أنظمةٌ تسلّطيّة.
مع ذلك لم يكُن الترف كافيًا، وكلّ محاولة لتوصيف الاندفاع البشري الذي كان سببًا في اندلاع الثورات اللّيبراليّة في أواخر القرن العشرين، وأيضًا كلّ الثورات من هذا النمط منذ الثورة الأمريكية والفرنسية في القرن الثامن عشر، كما لو أنّه اقتصادي فقط، كانت مبتورة بشكلٍ جذري». ويواصل فوكوياما كلامه قائلاً: «إنّ فشل التفسير الاقتصادي للتاريخ يعود بنا إلى هيغل، وليس إلى ماركس، لأنّ هيغل يُحلِّل السيرورة التاريخيّة بطريقةٍ ليست اقتصاديّة مُطلقًا بالنسبة إلى هيغل، تأسَّس التاريخ على الصراع من أجل الاعتراف»، ولكي نكتشف معنى هذه العبارة، يتوجّب علينا أن نعود إلى التفسير الذي يقدّمه عن بداية التاريخ، وهو تفسير يُمكن مُقارنته بتفاسير «الحالة الطبيعيّة» لدى أوائل المُنظِّرين المُعاصرين للّيبراليّة، والذين كانوا سابقين له، أي هوبز ولوك وروسّو.
وكان هيغل يرفض بلْورةَ نظريّةٍ عن «الحالة الطبيعيّة»، ومن المؤكَّد أنّه كان سيرفض مفهومَ طبيعة بشريّة ساكنة وجامدة ومتواصِلة، وبالنسبة إليه، الإنسان حرٌّ، وليس مُحدَّدًا، وإذن هو قادر على أن يبتكر طبيعته الخاصّة به خلال مَسار التاريخ.
مع ذلك نحن نجد لدى الفيلسوف الألماني نظريّةً تعود إلى «الحالة الطبيعيّة»، وفي «فينومينولوجيا الروح» هو يَصِف «الإنسان الأوّل» البدائي، الذي يعيش في بداية التاريخ كنموذجٍ للكائن البشري الذي يَمتلك كلّ الخصائص الأساسيّة للإنسانيّة السابقة للمُجتمع المدني ولتطوُّر التاريخ.
*كاتب من تونس
*ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية