إنَّ العمل الأدبي هو موضوع النقد الأدبي، والمنهج النقدي يتبنى طريقةً في التحليل؛ فالنقد إذن عملية وصفية تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرةً، هذه العملية تستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته؛ لذا متى ما وُجد الإبداع، وُجد النقد مباشرةً؛ فهو إنتاج على نص له أسبقية الظهور.
ومن هنا مرَّ النقد الأدبي بفترةٍ ذهبيةٍ ونقلةٍ نوعيةٍ ومعرفيةٍ، امتدت تقريبًا من النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين، ثم ظهرت بعد تلك الفترة اتجاهات جديدة لـ"نقد ما بعد الحداثة"، لذلك شَهِد النقد الأدبي في العصر الحديث تطورًا ملحوظاً في البنية والأسس والمناهج والتصورات والمقولات؛ وذلك بهدف تأمل الأعمال الأدبية وتقويمها ومقاربتها، والنظر في مواطن التميز والاختلاف؛ مما أحدث ظهورَ مناهج نقدية متعددة، باتت تمثلُ أدواتٍ للقراءة والتحليل والإنتاج النقدي، الذي أخذ طابع "الـعلمية"، وأعني بها: التخصصية التي تسير وفق قواعد وأسس ثابتة، أو ما يسمى عند عالم اللسانيات، السويسري دوسوسير بــ"الـنظام"، بعيدًا عن الأهواء والأذواق والآراء الشخصية غير المنطقية وغير الـمُعللة، التي كانت سمةً طاهرةً للنقد القديم، مثل: النقد الذي كان يُمارَس في أسواق العرب قديمًا على القصائد والإنتاج الشعري لشعراء تلك الفترة الـمُتقدمة.
وعليه فقد تحقق للنص الأدبي، انفتاح جديد بظهور عدة مناهج نقدية، أحدثت نتائج دقيقة وتحولات منطقية وعلمية في قراءة النصوص الأدبية والعمل على تحليلها وتأويلها؛ لأنَّ كل منهج من هذه المناهج ينطلق في أساسه من تصوراتٍ معينةٍ للكون والحياة والإنسان، وأدواتٍ إجرائيةٍ يعمل عليها، وبات المنهج هو أداةُ الكشفِ على عوالم النصوص، والغوص في خفاياها الظاهرة وغير الظاهرة، مع حضور أبعادٍ فلسفيةٍ وخلفياتٍ فكريةٍ وأيدولوجيةٍ متنوعة، وهذا ما يسمى بـــ"النظرية الأدبية الحديثة"، التي أرى أنها جزءٌ من التاريخ النقدي، وفعل معرفي لا نهائي، وخليط متنوع من القيم والقناعات والتصورات والمنطلقات، وعالم منفتحٌ من المرجعيات، وآليات الاشتغال والتحليل، فضلاً عن قيامها على علاقة تأثرية مُتبادلة بين الذات والموضوعات، وجميعُها أحدثت أثرًا واضحًا ونوعيًا على النقد وعملية الإنتاج النقدي؛ وذلك لأنَّ النص عالمٌ مهولُ من العناصر اللغوية المتشابكة، كما أشار إلى ذلك عبدالله الغذامي في أحد كتبه، لذا أصبح الإنتاج النقدي عالم منفتح من العطاء والإبداع والمقاربات التي سيطرت في القراءة وحددت نمط التأويل، فالنقطة في الإنتاج النقدي المبني على استخدام هذه المناهج، هي فاصلة في اعتقادي؛ للكثير من الأعمال الأخرى التي تنطلق من قراءات الآخر، وطريقة استخدامه للمنهج النقدي وطريقته في التناول والتطبيق.
لذلك يمكن القول: إنَّ هذه المناهج النقدية جاءت على قسمين: الأول مناهج نقدية تقليدية تسمى بــ"المناهج السياقية"، التي تهتم بالمؤثرات الخارجية للنص، أو لنقل: تستعمل نظريات المعرفة الإنسانية في محاورة النص، حيث تنطلق من النص إلى خارجه، وتعطي للسياق الخارجي أولويةً عن النص الـمَقُول، مثل: الشاعر والتاريخ والبيئة والمجتمع وظروف الـمُنتج والإنتاج والعوامل التي تأتي من خارج النص وتسهم في إنتاجه وتشكيله، أو ما يسمى "دراسة النص الأدبي من الخارج"، ومنها: الاجتماعي، والتاريخي، والنفسي، والانطباعي، والأسطوري، حيث إنَّ لكل منهج منها أصول ومنطلقات وإيجابيات وسلبيات في التناول والتحليل، كما أنها شكلت العامل الأهم في ظهور القسم الثاني من المناهج النقدية التي تسمى بـــ"المناهج النصية النسقية"، التي تهتم بالنص في حد ذاته وبنيته التركيبية وشبكة العلاقات الداخلية التي تحكمه، حيث عملت هذه المناهج على تطوير نظرة القسم الأول والاهتمام بالخارج عن النص؛ لتؤسس بذلك الطرح والتوجه صرحًا جديدًا من المناهج النصية النسقية، التي جلبت الكثير من الاهتمام بانفتاحها على العلوم الطبيعية الدقيقة، ومنها: الشكلانية، البنيوية أو ما يسمى بــ"موت المؤلف"، التفكيكية، الأسلوبية، السيمائية، التداولية، نظرية التلقي، النقد الثقافي، والخطاب النقدي، النظرية الشعرية، وجميع هذه المناهج والنظريات تنطلق من أن النص كيان مستقل بذاته، ليس له علاقة بما هو خارج عنه وعن النسق الذي يدخل فيه، كما أن النص في ضوء هذه التصورات نظام داخلي متحرك ومفتوح، يؤثر ويتأثر، لهذا فإنَّ هذه المناهج النقدية الحديثة شكلت مع انبثاقها تراكمًا معرفيًا وثقافيًا وفكريًا مختلفًا، حيث لكل منهج منها الفضل في التمهيد للمنهج الذي يليه؛ لأنَّ المعرفة في اعتقادي بناء متراكم، وبذلك اكتسبت عملية النقد في العصر الحديث قوةً تأثريةً حقيقةً في تطور المعرفة الإنسانية، والجدل العقلي، أي: النشاط المتميز للعقل باعتباره أداة تحكميم عقلانية تهدف إلى إحداث وعي إنساني ثم إبداع لفهم العالم، وبات النقد الحداثي يُخضع كل ما حولنا للنقد والفحص والنظر إلى سيرورة الأشياء وتحديثها ومنها: الإنسان والعقل والهوية الأدب والفن والثقافة، إذ يرى سعيد السريحي، الذي يعد أحد رموز الحداثة، أن الحداثة هي تحديث للمجتمع والحياة، ويقول: "للحداثة مفهوم شمولي، أوسع مما مُنح لنا، ومما ارتضينا لأنفسنا؛ ذلك لأن الحداثة نظرة للعالم أوسع من أن تؤطر بقالب للشعر، وآخر للقصة، وثال للنقد، إنها النظرة التي تمسك الحياة من كتفيها، وتهزها هزّا"، وبذلك ظهرَ مفهوم "النطرية النقدية" التي لم تقتصر على الأدب فقط، بل تتعداه إلى نظرياتٍ نقديةٍ في الفن والاجتماع والفلسفة والعلوم الطبيعة وغيرها، وهذا في اعتقادي مشروع نقدي جذري يؤسس للوعي بأهميته وفاعليته، ويستدعي ثورة عقلانية تنويرية تتجاوز حالة العجز إلى الانفتاح على الآخر ومواكبة التيارات المعاصرة في شتى المجالات.
ومن هنا مرَّ النقد الأدبي بفترةٍ ذهبيةٍ ونقلةٍ نوعيةٍ ومعرفيةٍ، امتدت تقريبًا من النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن العشرين، ثم ظهرت بعد تلك الفترة اتجاهات جديدة لـ"نقد ما بعد الحداثة"، لذلك شَهِد النقد الأدبي في العصر الحديث تطورًا ملحوظاً في البنية والأسس والمناهج والتصورات والمقولات؛ وذلك بهدف تأمل الأعمال الأدبية وتقويمها ومقاربتها، والنظر في مواطن التميز والاختلاف؛ مما أحدث ظهورَ مناهج نقدية متعددة، باتت تمثلُ أدواتٍ للقراءة والتحليل والإنتاج النقدي، الذي أخذ طابع "الـعلمية"، وأعني بها: التخصصية التي تسير وفق قواعد وأسس ثابتة، أو ما يسمى عند عالم اللسانيات، السويسري دوسوسير بــ"الـنظام"، بعيدًا عن الأهواء والأذواق والآراء الشخصية غير المنطقية وغير الـمُعللة، التي كانت سمةً طاهرةً للنقد القديم، مثل: النقد الذي كان يُمارَس في أسواق العرب قديمًا على القصائد والإنتاج الشعري لشعراء تلك الفترة الـمُتقدمة.
وعليه فقد تحقق للنص الأدبي، انفتاح جديد بظهور عدة مناهج نقدية، أحدثت نتائج دقيقة وتحولات منطقية وعلمية في قراءة النصوص الأدبية والعمل على تحليلها وتأويلها؛ لأنَّ كل منهج من هذه المناهج ينطلق في أساسه من تصوراتٍ معينةٍ للكون والحياة والإنسان، وأدواتٍ إجرائيةٍ يعمل عليها، وبات المنهج هو أداةُ الكشفِ على عوالم النصوص، والغوص في خفاياها الظاهرة وغير الظاهرة، مع حضور أبعادٍ فلسفيةٍ وخلفياتٍ فكريةٍ وأيدولوجيةٍ متنوعة، وهذا ما يسمى بـــ"النظرية الأدبية الحديثة"، التي أرى أنها جزءٌ من التاريخ النقدي، وفعل معرفي لا نهائي، وخليط متنوع من القيم والقناعات والتصورات والمنطلقات، وعالم منفتحٌ من المرجعيات، وآليات الاشتغال والتحليل، فضلاً عن قيامها على علاقة تأثرية مُتبادلة بين الذات والموضوعات، وجميعُها أحدثت أثرًا واضحًا ونوعيًا على النقد وعملية الإنتاج النقدي؛ وذلك لأنَّ النص عالمٌ مهولُ من العناصر اللغوية المتشابكة، كما أشار إلى ذلك عبدالله الغذامي في أحد كتبه، لذا أصبح الإنتاج النقدي عالم منفتح من العطاء والإبداع والمقاربات التي سيطرت في القراءة وحددت نمط التأويل، فالنقطة في الإنتاج النقدي المبني على استخدام هذه المناهج، هي فاصلة في اعتقادي؛ للكثير من الأعمال الأخرى التي تنطلق من قراءات الآخر، وطريقة استخدامه للمنهج النقدي وطريقته في التناول والتطبيق.
لذلك يمكن القول: إنَّ هذه المناهج النقدية جاءت على قسمين: الأول مناهج نقدية تقليدية تسمى بــ"المناهج السياقية"، التي تهتم بالمؤثرات الخارجية للنص، أو لنقل: تستعمل نظريات المعرفة الإنسانية في محاورة النص، حيث تنطلق من النص إلى خارجه، وتعطي للسياق الخارجي أولويةً عن النص الـمَقُول، مثل: الشاعر والتاريخ والبيئة والمجتمع وظروف الـمُنتج والإنتاج والعوامل التي تأتي من خارج النص وتسهم في إنتاجه وتشكيله، أو ما يسمى "دراسة النص الأدبي من الخارج"، ومنها: الاجتماعي، والتاريخي، والنفسي، والانطباعي، والأسطوري، حيث إنَّ لكل منهج منها أصول ومنطلقات وإيجابيات وسلبيات في التناول والتحليل، كما أنها شكلت العامل الأهم في ظهور القسم الثاني من المناهج النقدية التي تسمى بـــ"المناهج النصية النسقية"، التي تهتم بالنص في حد ذاته وبنيته التركيبية وشبكة العلاقات الداخلية التي تحكمه، حيث عملت هذه المناهج على تطوير نظرة القسم الأول والاهتمام بالخارج عن النص؛ لتؤسس بذلك الطرح والتوجه صرحًا جديدًا من المناهج النصية النسقية، التي جلبت الكثير من الاهتمام بانفتاحها على العلوم الطبيعية الدقيقة، ومنها: الشكلانية، البنيوية أو ما يسمى بــ"موت المؤلف"، التفكيكية، الأسلوبية، السيمائية، التداولية، نظرية التلقي، النقد الثقافي، والخطاب النقدي، النظرية الشعرية، وجميع هذه المناهج والنظريات تنطلق من أن النص كيان مستقل بذاته، ليس له علاقة بما هو خارج عنه وعن النسق الذي يدخل فيه، كما أن النص في ضوء هذه التصورات نظام داخلي متحرك ومفتوح، يؤثر ويتأثر، لهذا فإنَّ هذه المناهج النقدية الحديثة شكلت مع انبثاقها تراكمًا معرفيًا وثقافيًا وفكريًا مختلفًا، حيث لكل منهج منها الفضل في التمهيد للمنهج الذي يليه؛ لأنَّ المعرفة في اعتقادي بناء متراكم، وبذلك اكتسبت عملية النقد في العصر الحديث قوةً تأثريةً حقيقةً في تطور المعرفة الإنسانية، والجدل العقلي، أي: النشاط المتميز للعقل باعتباره أداة تحكميم عقلانية تهدف إلى إحداث وعي إنساني ثم إبداع لفهم العالم، وبات النقد الحداثي يُخضع كل ما حولنا للنقد والفحص والنظر إلى سيرورة الأشياء وتحديثها ومنها: الإنسان والعقل والهوية الأدب والفن والثقافة، إذ يرى سعيد السريحي، الذي يعد أحد رموز الحداثة، أن الحداثة هي تحديث للمجتمع والحياة، ويقول: "للحداثة مفهوم شمولي، أوسع مما مُنح لنا، ومما ارتضينا لأنفسنا؛ ذلك لأن الحداثة نظرة للعالم أوسع من أن تؤطر بقالب للشعر، وآخر للقصة، وثال للنقد، إنها النظرة التي تمسك الحياة من كتفيها، وتهزها هزّا"، وبذلك ظهرَ مفهوم "النطرية النقدية" التي لم تقتصر على الأدب فقط، بل تتعداه إلى نظرياتٍ نقديةٍ في الفن والاجتماع والفلسفة والعلوم الطبيعة وغيرها، وهذا في اعتقادي مشروع نقدي جذري يؤسس للوعي بأهميته وفاعليته، ويستدعي ثورة عقلانية تنويرية تتجاوز حالة العجز إلى الانفتاح على الآخر ومواكبة التيارات المعاصرة في شتى المجالات.