عبرت أزمان على هذا العالم رأى فيها الهول - رأى جبالا من الثلج آلافا من الأقدام عمقاً ومئات من الأميال سعة تغطي أكثر أنحائه وتبيد أكثر حيوانه و نباته. فماذا كان هذا الكابوس؟ وهل يعود؟ فيما يلي يرى القارئ حقائق أغرب من الخيال.
تنشغل بعض مجلات أوروبا العلمية هذه الأيام بظاهرة غريبة ذكر الهلال شيئاً عنها وهي تتلخص في أن منطقة القطب الشمالي ينحسر عنها الثلج وتدفأ قليلا قليلا وأن هذا الدفء يطرد. وقد صار شمال النرويج حيث كان الثلج أيضا عليه لا يريم عنه مكشوفاً الآن قد بسطت عليه الطبيعة بساطاً من الأعشاب. فلا يبعد أن يصير القطب مهداً لحضارة جديدة قادمة يكون أساسها تربية غزال الرنة على أعشاب القطب الوفيرة.
ومن هذه الظاهرة الجديدة التي تحدث في أيامنا يتبين للقارئ أن مناخ العالم يتغير ويتحول من برد إلى دف، ومن دف إلى برد وهذا التغير مستمر. فليس للعالم مناخ واحد. ودليل ذلك في تاريخ الأرض القديم أننا لا زلنا نجد في متحجرات القطب الشمالي والأرض الخضراء وكندا وشمال أوروبا نخيلاً وأنواعاً من الحيوان الذي لا يعيش إلا في البلاد الحارة كالكركدن والماموث وغيرهما. وفي سبتزبرجن وكندا طبقات فحمية تدل على وفرة من النبات زاكية عاشت في القديم في تلك الأصقاع . ووفرة النبات وزكاوته لا تتفق والبرودة الراهنة الشاملة بتلك الاصقاع. يخلص لنا من ذلك أن مناخ العالم يتغير. فإذا كانت العوامل القديمة التي أحدثت هذا التغير لا تزال موجودة فهذا التغير سيحدث أيضاً في المستقبل فتتراوح جهات العالم من برودة إلى دفء ومن دفء إلى برودة.
ما برح العلماء منذ سنين وهم في جدال على ما سموه «العصر الجليدي»، يريدون بذلك عصراً أو عصوراً قديمة كثر فيها الثلج على بعض أنحاء العالم فغطاها وأباد منها آلافاً من الحيوان والنبات. ولم يكن جدالهم على حقيقة هذا العصر بل على كيفية حدوثه وذلك لأن أمر وقوعه لا يمكن الشك فيه لوفرة الأدلة عليه.
الثلج وانحداره على الجبال يحدث خدوشاً مماثلة في الصخور القوية، تكون البحيرات، وبرودة الصخور في قاعها، فهذه العلامات الثلاث سبيل التدليل على هذا العصر هو ما نعلمه من الحاضر وما يمكننا أن نستدل به منه على الماضي. ففي العالم بقاع يغطيها الثلج الآن مثل جبال الألب وجبال هملايا وغيرها من الجبال. ففي هذه الجبال ينحدر الثلج انحداراً من الفنن العالية حتى يصل إلى السهول فيذوب. وهو في انحداره يتراكم فيثقل فيضغط على الصخور فيبردها ويهرسها فيحمل برادة الصخور إلى سفوح الجبال. وهو إذا وصل السفح زادت قوته فيجوف السهل الذي يستقبل سيله إذا ذاب. فتحدث بحيرات قاعها ممتلئ ببرادة الصخور. فهذا هو أصل أكثر بحيرات العالم التي تلي سفوح الجبال كبحيرات سويسرا وغيرها.
1923*
*كاتب مصري «1887 - 1958».
تنشغل بعض مجلات أوروبا العلمية هذه الأيام بظاهرة غريبة ذكر الهلال شيئاً عنها وهي تتلخص في أن منطقة القطب الشمالي ينحسر عنها الثلج وتدفأ قليلا قليلا وأن هذا الدفء يطرد. وقد صار شمال النرويج حيث كان الثلج أيضا عليه لا يريم عنه مكشوفاً الآن قد بسطت عليه الطبيعة بساطاً من الأعشاب. فلا يبعد أن يصير القطب مهداً لحضارة جديدة قادمة يكون أساسها تربية غزال الرنة على أعشاب القطب الوفيرة.
ومن هذه الظاهرة الجديدة التي تحدث في أيامنا يتبين للقارئ أن مناخ العالم يتغير ويتحول من برد إلى دف، ومن دف إلى برد وهذا التغير مستمر. فليس للعالم مناخ واحد. ودليل ذلك في تاريخ الأرض القديم أننا لا زلنا نجد في متحجرات القطب الشمالي والأرض الخضراء وكندا وشمال أوروبا نخيلاً وأنواعاً من الحيوان الذي لا يعيش إلا في البلاد الحارة كالكركدن والماموث وغيرهما. وفي سبتزبرجن وكندا طبقات فحمية تدل على وفرة من النبات زاكية عاشت في القديم في تلك الأصقاع . ووفرة النبات وزكاوته لا تتفق والبرودة الراهنة الشاملة بتلك الاصقاع. يخلص لنا من ذلك أن مناخ العالم يتغير. فإذا كانت العوامل القديمة التي أحدثت هذا التغير لا تزال موجودة فهذا التغير سيحدث أيضاً في المستقبل فتتراوح جهات العالم من برودة إلى دفء ومن دفء إلى برودة.
ما برح العلماء منذ سنين وهم في جدال على ما سموه «العصر الجليدي»، يريدون بذلك عصراً أو عصوراً قديمة كثر فيها الثلج على بعض أنحاء العالم فغطاها وأباد منها آلافاً من الحيوان والنبات. ولم يكن جدالهم على حقيقة هذا العصر بل على كيفية حدوثه وذلك لأن أمر وقوعه لا يمكن الشك فيه لوفرة الأدلة عليه.
الثلج وانحداره على الجبال يحدث خدوشاً مماثلة في الصخور القوية، تكون البحيرات، وبرودة الصخور في قاعها، فهذه العلامات الثلاث سبيل التدليل على هذا العصر هو ما نعلمه من الحاضر وما يمكننا أن نستدل به منه على الماضي. ففي العالم بقاع يغطيها الثلج الآن مثل جبال الألب وجبال هملايا وغيرها من الجبال. ففي هذه الجبال ينحدر الثلج انحداراً من الفنن العالية حتى يصل إلى السهول فيذوب. وهو في انحداره يتراكم فيثقل فيضغط على الصخور فيبردها ويهرسها فيحمل برادة الصخور إلى سفوح الجبال. وهو إذا وصل السفح زادت قوته فيجوف السهل الذي يستقبل سيله إذا ذاب. فتحدث بحيرات قاعها ممتلئ ببرادة الصخور. فهذا هو أصل أكثر بحيرات العالم التي تلي سفوح الجبال كبحيرات سويسرا وغيرها.
1923*
*كاتب مصري «1887 - 1958».